حجم النص
بقلم:حيدر السلامي بات الكثير من الناس يستعملون في أحاديثهم اليومية مصطلحات إعلامية وتقنية ويسوقون عبر صفحاتهم التواصلية لمفاهيم ربما لا يعرفونها حقيقة وليس لهم أدنى علم بدلالاتها فيخلطون ويتخبطون وفي حسبانهم أنهم يفقهون ما يصنعون ويعون ما يقولون! مؤخراً شاعت مفاهيم (الإعلام الرقمي والإعلام الإلكتروني والإعلام الجديد والإعلام البديل والإعلام الاجتماعي... إلى آخر القائمة) فما حقيقة هذه التسميات وهل تدل كلها على معنى واحد أم لها دلالات ومعان شتى؟ بدءاً سنحاول وضع تعريف للإعلام في أبسط صوره باعتباره المحور الذي يدور عليه الكلام والموصوف الذي لحقت به النعوت المتقدمة. فما هو الإعلام؟! إنه بحسب الدكتور محمود سفر: نشر الحقائق والمعلومات الدقيقة الصادقة بهدف التقرير والإقناع. وبحسب الدكتور إبراهيم إمام: هو نشر للحقائق والأخبار والأفكار والآراء بوسائل الإعلام المختلفة. ويعرفه الألماني أوتوجروت بأنه: التعبير الموضوعي لعقلية الجماهير ولروحها وميولها واتجاهاتها في نفس الوقت. وبالمحصلة: هو عملية نقل الأخبار والحقائق والمعلومات إلى الناس عبر وسائل معينة، بغية مساعدتهم على تكوين رأي صائب واتخاذ موقف مناسب لواقعة أو قضية أو مشكلة أو ظاهرة بحيث يعبر هذا الرأي بموضوعية عن الرأي العام. فهو إذن اتصال بالجماهير يهدف إلى إخبارهم أو إقناعهم أو إرشادهم أو تعليمهم أو إمتاعهم، ويجري ذلك من خلال وسيلة من الوسائل التقليدية كالجريدة والمجلة والإذاعة والتلفاز أو الوسائل الحديثة التي ظهرت مع ظهور الانترنت وعرفت بالمواقع والشبكات وما إلى ذلك. من هنا تتضح الفوارق بين الإعلام بصورته السابقة والإعلام بصيغته الجديدة، فما يسمى بالإعلام الإلكتروني يعتمد اعتمادا كلياً على الشبكة الدولية للمعلومات(انترنت) ويمثل مرحلة مهمة من مراحل التطور التكنولوجي في مجال الاتصالات ويقوم بمهمته الاعتيادية بتزويد الجمهور بالأخبار والمعلومات متقدما بذلك على الإعلام التقليدي باستخدام وسائط وتقنيات وبرمجيات متعددة لم تكن معهودة في السابق. هذه التقنيات أدخلت الإعلام في مرحلة التفاعلية عن طريق مشاركة الجمهور في صنع الرسالة وصياغة الخطاب ونشره، ونقلته من الاتصال أحادي الاتجاه إلى اتصال حيوي متجدد متعدد الاتجاهات، وذلك كله بفضل الثورات الثلاث: ثورة المعلومات وثورة الحاسوب وثورة الاتصالات، لكنه في الوقت نفسه بقي مشتركا مع الإعلام القديم بالمبادئ والأهداف والأدوار. فالمعلوماتية أحدثت انفجارا معرفيا ضخماً جراء تضاعف الإنتاج الفكري على مختلف الأصعدة مما جعل الحاجة ملحة إلى تحقيق أقصى سيطرة ممكنة على سيل المعلومات وتدفقها الهائل ووضعه تحت تصرف الباحثين والدارسين والمهتمين وصانعي القرارات في أسرع وقت وبأقل جهد وأرخص كلفة بالاعتماد على برامج الحاسبة ومزايا الإنترنت. أما ثورة وسائل الاتصال فقد تمثلت في التكنولوجيا الاتصالية الحديثة التي بدأت بالاتصالات السلكية واللاسلكية مروراً بالتلفزيون والنصوص المتلفزة ومن ثم الاعتماد على الأقمار الصناعية والألياف البصرية، وما يزال أفقها يتسع للمزيد على ما يبدو. بعبارة أقصر هي مجموعة التقنيات أو الأدوات أو الوسائل او النظم المختلفة التي يتم توظيفها لمعالجة المضمون المراد توصيله في عملية الاتصال الجماهيري او الشخصي أو التنظيمي أو الجمعي. وكنتيجة لسرعة الاتصالات ودقتها وتنوعها تلاشت المسافات الزمانية والمكانية حتى أصبح العالم كله قرية صغيرة تدب فيها العولمة بأقدام راسخة في ظل سيادة نظام عالمي للتبادل غير المتكافئ ومن خلال انتشار المعلومات وشيوعها وتذويب الحدود بين الدول وزيادة معدلات التشابه بين الجماعات البشرية المتباينة. على أي حال، يبدو من كلام المتخصصين أن الإلكتروني والرقمي وجهان لعملة واحدة، أي لا فرق بين التسميتين في الأصل. غاية ما هنالك أن عملية نقل وتداول المعلومات باستخدام الوسائل الاتصالية الحديثة مرت بمرحلتين شهدت بهما تحولاً مما كان يعرف بالنظام القياسي Analog إلى النظام الرقمي Digital وهذا ما فعلته (عبير الرحباني) في كتابها (الاعلام الرقمي) وكذا (حسنين شفيق) في كتابه (الاعلام البديل تكنولوجيات جديدة في عصر ما بعد التفاعلية). في الأخير يتم نقل المعلومات على شكل أرقام منفصلة هي صفر وواحد، وعند وصول المعلومة الى المستقبل فانه يقوم بترجمتها إلى صوت أو صورة أو غير ذلك، أما النظام القياسي فيقوم بنقل المعلومة على شكل موجة تسلسلية. ونظراً لكون الاشارات الرقمية إما أن تكون صفراً أو واحدا بلا أي قيم بينهما فإن النظام الرقمي يكون أشد نقاءً وخالياً من التشويش. من هنا نعرف أن التفريق بين التسميتين لا موضوعية له ولعل التعدد في الأسماء ناشئ من الترجمة بوصفه مصطلحا غربيا منقولا إلى العربية أو لوجود مندوحة في التسميات العربية لسعة هذه اللغة وشمولها وثرائها اللفظي ما جعل المصداق واحدا والمفاهيم متكثرة. ويتضح هذا أكثر بالرجوع إلى تعريف قاموس التكنولوجيا الرفيعة High-Tech Dictionary للإعلام الاجتماعي إذ ينص على أنه: اندماج الكومبيوتر وشبكة الانترنت والوسائط المتعددة. لكنّ عددا قليلا من الكتاب شرّق وغرب حتى رجع أخيراً للقول بأن الإعلام الرقمي هو حالة متقدمة على سابقاتها وتعني شيئا من الاندماج والتزاوج التكنولوجي بين أجهزة الاتصالات الحديثة ونظم المعلومات معرفا بذلك الإعلام الجديد بأنه مجموع الاشارات والمعلومات والصور والاصوات المكونة لمواد اعلامية بأشكالها المختلفة التي ترسل او تستقبل عبر المجال الكهرومغناطيسي. ليكون بذلك كمن "فسر الماء بعد الجهد بالماء". والشيء نفسه حصل مع مصطلح الإعلام الاجتماعي والمقصود منه الاستفادة من شبكات التواصل الاجتماعي وعلى رأسها فيسبوك وتويتر لإيصال المضامين المطلوبة بأشكال متمايزة ومؤثرة بطريقة الكترونية بحتة دون اللجوء إلى الوسائل التقليدية كمحطات البث والمطابع، طريقة تجمع بين النص والصورة والصوت وترفع الحاجز بين المتلقي والمرسل ليصبح الأول مشاركا في الرسالة ويناقش المضامين الاعلامية التي يستقبلها إما مع إدارة الموقع أو مع متلقين آخرين في عملية تفاعلية Interactivity. وتتميز بوجود نوع من التحكم الانتقالي من جانب أفراد الجمهور في نوعية المعلومات التي يختارونها ويتبادلونها. لقد مثلت فضاءات التواصل الاجتماعي فتحا رقميا إلكترونيا كبيرا جعل الإعلام في متناول الجميع ومنحهم سمة الدخول إلى عوالمه مجانا والانتقال عبر الحدود بلا أي قيد أو شرط أو رقابة. إن ظهور الاعلام الاجتماعي منع احتكار صناعة الرسالة الإعلامية لينقلها إلى مدى أوسع وأكثر شمولية، وبقدرة تأثيرية وتفاعلية ربما لم تخطر على بال خبراء الاتصال أنفسهم. ويعد المتخصصون الإعلام الجديد المرحلة الأكثر تطوراً وتأثيرا حتى هذه اللحظة على الصعيد التقني والفني، وكل ما أضافه من مزايا عائد إلى استغلال التطور التقني من حيث استطاعته على ردم الفجوة المعلوماتية من خلال إتاحة المعلومة والرأي على نطاق أوسع وبكفاءة أعلى، باستثمار الوسائل الاتصالية الحديثة". والخلاصة إن الإعلام الجديد او الاعلام الاجتماعي الرقمي أو أي تسمية كانت كما سبق وباختصار هو مجموعة تكنولوجيات الاتصال التي تولدت من التزاوج بين تقنيات الحاسوب والأجهزة الذكية (Mobile) والوسائل التقنية للإعلام مثل الطباعة والتصوير الفوتوغرافي والصوت والفيديو. ومع كل ما تقدم من ميزات وضرورات لاستخدام الإعلام الرقمي يبقى للإعلام التقليدي رواده وصناعه وجمهوره ودوره في النقل والتأثير والتوثيق وغير ذلك من الوظائف المهمة ولا يمكن بحال من الأحوال إلغاؤه أو مصادرة حقه في البقاء والاستمرار وليست العبرة في التطور التقني والشكلي حسب وإنما ينبغي أن نواكب العصر على صعيد المحتوى بمعنى أن يكون لخطابنا الإعلامي المعاصر ما يجعله مؤثرا قويا وفاعلا، بموازاة الظاهرة التقنية المتقدمة.
أقرأ ايضاً
- الصيد الجائر للأسماك
- ضمانات عقد بيع المباني قيد الإنشاء
- إدمان المخدرات من أسباب التفريق القضائي للضرر