حجم النص
بقلم: حيدر السلامي بات الكل يتحدث عن الإصلاح ويدعو إليه فمن المفسد يا ترى؟! ومن أين يأتي الفساد إذن؟! نحن نعلم بالضرورة أن أي حركة تغيير ومهما كانت قوتهاوغاياتها، إنما يجب أن تنبع من الداخل أي من النفس ابتداءً، ثم ربما انطلقت إلى الخارج أي الآخر (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) والصلاح ملكة نفسانية وموهبة رحمانية على ما يبدو. نحن نعلم بالضرورة أيضا أن فاقد الشيء لا يعطيه.من هنا فإن فاقد الصلاح لا يصلح. فالصلاح حركة إرادية تبدأ داخليا من أعماق النفس وتنتقل خارجيا إلى الآخرين. وما لم تغير نفسك لن تستطيع التأثير في غيرك. والحال ذاته بالنسبة للمنظومة الفكرية والمؤسسة الحكومية والدائرة الحزبية وما إلى ذلك. والإصلاح ليس بضاعة أو خدمة مستوردة وتقدم بالمجان. إنها نتاج ذاتي يرتكز على الإرادة الحقيقية والإيمان العميق بضرورة إحلال الصالح محل الطالح. منذ أن أحست المرجعية الدينية بفساد الطبقة السياسية وفشلها في مواجهة نفسها لوحت بكفها وأشرت ثم كنّت ثم صرحت لا بد من تغيير الوجوه ولابد من تفكيك المنظومة الحالية واستبدالها بأخرى جديدة ودقت غيرة مرة ناقوس الخطر، ولكن السياسيين لم يسمعوا أو سمعوا ومن يعوا فكان ما كان مؤخراً لتسحب المرجعية يدها وينكشف الغطاء الذي حاول أكثرهم التشبث به حينا بعد حين. ومما نبهت عليه المرجعية مرارا كرارا جهارا نهارا أن الصلاح والإصلاح لكي يقوم ويدوم يحتاج إلى بيئة صالحة ورئة نقية عادمة للفساد لم تتلوث بمخلفاته. إذ لا يتوقع من بؤرة للفساد أن تصبح بين عشية وضحاها حاضنة للصلاح. إن من رتع ولعب مع المفسدين برهة وغض الطرف عن لهوهم وعبثهم بل ولغ معهم في إنائه، لا يمكن تصديق دعواه وتمظهره بالصلاح ولو أنفق في سبيل إثبات ذلك ما أنفق وتخلق في إمضائه ما تخلق. الكارثة في العراق اليوم أن رؤوس الفساد التي أينعت وحان موعد قطافها بدأت تنخرط في مشاريع الإصلاح الوطني الشامل وأخذت تتظاهر مع يتظاهر ضد الفساد وتقود الحملات بل أعلنت الحرب على الحكومة الفاسدة متناسية أنها جزء منها. بماذا يفسر ذلك؟ هل هي صحوة ضمير جاءت بعد سباتٍ متمادٍ؟ أم أن السياسيين تنبهوا أخيرا للخطر الداهم القادم وشعروا باقتراب نهايتهم بعد أن أشاحت المرجعية بوجهها عنهم ولم يبق لهم من ماء الوجه ما يمكن إراقته في سبيل البقاء على دست الحكم؟! لا بد أنهم قرأوا المشهد بإمعان هذه المرة وقرروا أن يلعبوا الدورين معاً (المصلح الفادي والمفسد العادي). لا يا سادة.. لسنا بهذا القدر من السذاجة. الشعب أذكى وأوعى من أن تمرروا عليه مثل هذه الدعايات البالونية والاستعراضات البهلوانية و(المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين). العقل والوجدان والتجربة وطبيعة سيرورة الأحداث كلها تحكم بضرورة إيجاد حل جذري يمثل تغييرا كميا وكيفيا لمنظومة الحكم المرتقبة. لابد من وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ويأخذ المتخصصون التكنوقراط دورهم الطبيعي والطليعي في إدارة شؤون البلاد بعيدا عن المحاصصة والتوافق التي أوصلتنا إلى حافية الهاوية. لقد ولى زمن الشخصية الموسوعية. ذلك الذي يتندر به العراقيون ويسمونه(ست البيت) أي الفاهم العارف بكل شيء. وولى زمن الخطابات الرنانة والعبارات الطنانة التي لا طائل تحتها سوى الهواء الساخن الملوث بالفساد.