حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ استراتيجيا لم تحسن تركيا اردوغان القراءة الجيوبوليتيكية لخارطة المتغيرات الشرق أوسطية الملتهبة ولم تتمتع بمرونة براغماتية كافية في التعاطي مع تلك المتغيرات لاسيما مع الوضع العراقي الذي تحاول تركيا وقبل فوات الاوان ان تصحح مساراتها الاستراتيجية الخاطئة فيه وتلك المسارات اتخذت أبعادا ومساربَ غير محمودة العواقب، فتركيا العلمانية لبست ثوبا طائفيا صارخا واعتبرت نفسها راعية للطائفة السُنية التي صوَّرتها على انها "مظلومة" و"مهمشة" واتخذت موقفا طورانيا شوفينيا باللعب على الاوتار القومية والديموغرافية / الاثنية الحساسة خاصة مسالة كركوك (وهي مسالة عراقية صرفة) والمكون التركماني الذي هو احد مكونات النسيج المجتمعي العراقي المهمة فيه ولعبت على أوتار اخرى كالاقتصادية مثل مسألة المياه واخرى تمس الامن القومي العراقي مثل قضية المُدان قضائيا طارق الهاشمي واحتضانها للعديد من المؤتمرات التي تؤجج الطائفية وتثير الكراهية بين العراقيين وغيرها من الامور التي تشكل منزلقا سياسيا / طائفيا وعرا معرضة مصالحها الإستراتيجية وعلاقاتها التاريخية مع العراق الى الخطر او الى القطيعة كما يذهب بعض السياسيين العراقيين. يبدو ان تركيا قد استوعبت الدرس جيدا وعاد اليها "رشدها" وفاقت من سبات طويل فالمناخ الإقليمي العام وضع تركيا في موقع لاتحسد عليه وبدت في عزلة خانقة خاصةً بعد التقارب الايراني ـ الامريكي واحتمالية "انفراج" في العلاقات مابين البلدين، وبعد ان راهنت تركيا نظرا لقواعد اروغان الاخوانية على الطرف الخاسر في المعترك السياسي المصري اي "الاخوان"فسبحت عكس التيار الشرق اوسطي المناهض للتوجهات الاخوانية عدا بعض البؤر غير المؤثرة،يضاف الى ذلك تورط حكومة اردوغان وانزلاقها السلبي في اتون المعترك السوري بدواعٍ سياسية وطائفية وذهبت شططا في دعم الجهات المناوئة لبشار الاسد وهو تدخل سافر وغير مبرر في الشان السوري وعدم الالتفات الى وجهة النظر العراقية حول هذا الصراع وضرورة النأي عن مداخلاته وملابساته لكي لايكون طرفا في المعارك الدائرة مابين النظام السوري ومابين "الفصائل" وهي معارك اثبتت الوقائع انها تدار بالنيابة عن قوى واجندات اقليمية مشبوهة فضلا عن رهانها غير الدقيق على سقوط النظام السوري محركةً بعض الفصائل الموالية لها في هذا الاتجاه وقد اثبتت مآلات الاحداث السورية (كما المصرية) بان توجه تركيا كان توجها خاطئا ولم يستند على حسابات دقيقة ورؤية إستراتيجية واضحة بل أعمتها الطائفية والغرور السياسي المبني على الاحلام العثمانية التي لم يعد لها وجود الا في مخيلة صانع القرار التركي، ناهيك عن تورطها في معمعة الأحداث العراقية ودخولها على الخط مع جهات لبست الجلباب الطائفي التركي واحتمت بالمظلة السياسية التركية وهي مظلة تصطبغ بالطائفية والشوفينية. وكما يبدو من ظاهر الأمر وتصحيحا للإستراتيجية التركية في العراق فقد حملت زيارة وزير خارجية التركي السيد اوغلو الى العراق وفي شهر محرم بالتحديد..حملت دلالتين رئيسيتين مهمتين؛ الاولى سياسية لـ "ترطيب" العلاقات الثنائية من خلال لقاءاته مع كبار المسؤولين العراقيين ومن كافة الاتجاهات وعلى راسهم السيد المالكي، والثانية "دينية" لاعطاء رسالة بان تركيا قد خلعت جلبابها الطائفي وذلك من خلال لقاءات اوغلو مع كبار رجال الدين وعلى راسهم المرجع الديني الاعلى السيد السيستاني الذي وصفه اوغلو بانه صمام الامان وهذه "مغازلة" مقصودة الدوافع لاسيما بعد زيارته للمقامات المقدسة عند الشيعة. اوغلو أكد ان السبب الرئيسي لزيارته الى العراق وفي هذا التوقيت بالذات هو لـ (قطع الطريق أمام الطائفية وعدم التحريض عليها لكي لا تتحول المشاكل الاقليمية الى صراعات مذهبية) وهذه اشارة غير مباشرة الى مدى التورط التركي في الشأنين العراقي والسوري ان كان اوغلو صادقا في دعواه وهي اشارة قد تكون في محلها ـ وهذا مانتمناه ـ هو ان تركيا بدات تعيد حساباتها في المنطقة او بدات تعيد ترتيب اوراق لعبتها الشرق اوسطية بما يتناسب مع المتغيرات الحاصلة فيه ومع مصالحها العليا عبر "مغازلة" الاطراف التي دخلت علاقاتها معها مرحلة الاحتقان الذي يضر بمصالح تركيا اولا وثانيا يؤثر بطريقة او باخرى على انضمامها للمجموعة الاوربية اذا ما استمرت تركيا في خلق بؤر للتوتر في المنطقة او تكون جزءا من مشاكل إقليمية حساسة وساخنة،والاهم من كل هذا هو الدور الايراني المتصاعد في المنطقة ومحاولة الرئيس روحاني المعتدل التحرر (وليس الانفلات) من الدوغمائية الثورية والراديكاليات التي اكل الدهر عليها وشرب للانعتاق نحو اخذ ايران دورا اقليميا اكبر وبما يتناسب مع الأهمية الجيو سياسية لإيران وقدراتها البشرية والمادية، وهذا يعني ان تركيا رغم اطلسيتها وعضويتها في نادي العشرين وعلمانيتها المضطربة الا انها باتت تفقد الكثير من اهميتها الجيبولوتيكية لاسيما مع تنامي دور العراق محوريا ومفصليا وعلى صعيد اوبك، مع وجود علاقات عراقية جيدة مع كل من الولايات المتحدة وايران من جهة وعدم انزلاق العراق في المستنقع السوري (وهي نظرة استراتيجية صحيحة مائة في المئة) من جهة اخرى فان تركيا اردوغان بعد كل هذا لابد لها من ان تجد نفسها على خارطة طريق آمنة ومستقرة ولهذا السبب كان اوغلو في بغداد والنجف وكربلاء وفي شهر محرم بالذات. إعلامي وكاتب مستقل [email protected]
أقرأ ايضاً
- تركيا تحاور بغداد على احتلالها القادم
- هل تسمح تركيا وإسرائيل للأقليم بتسليم نفطه إلى بغداد ؟
- القواعد لتركيا .. والفقر للمواطن