حجم النص
تقرير :لطيف عبد سالم العكيلي
أتأمل خيرا برواج منتجاتنا الوطنية في السوق المحلي !!
بهذه العبارة المؤثرة بدا الحاج احمد التميمي من محافظة ذي قار حديثه معي حين التقيته في سوق جميلة ببغداد ،مشيرا الى انزعاجه من عدم كفاءة اغلب السلع والبضائع الواردة الينا من دول الجوار وغيرها من بلدان العالم .
اعيدوا الينا بريق الصناعة الوطنية
ويتابع الحاج احمد (63 ) سنة حديثه موضحا ان منتجات مصانعنا ومعاملنا كانت سائدة في السوق المحلي قبل قيام الحاكم المدني على العراق بفتح المنافذ الحدودية على مصراعيها امام البضائع الاجنبية ،ما ادى الى اكتساح المنتج الاجنبي السوق المحلي وتشكيله عبئا على المواطن بسبب رداءة صنع اغلبه على الرغم من انخفاض اسعاره مقارنة بأسعار المنتجات الوطنية التي تمتاز بجودتها وكفاءتها العالية ،لافتا النظر الى ضرورة تدخل الجهات الحكومية المعنية لإعادة بريق الصناعة الوطنية التي اضمحل وجودها في اسواقنا منذ سنوات .
ان تطلعات الحاج احمد وما سيرد تاليا من احاديث لغيره من الاكاديميين والصناعيين والتجار والمواطنين تشكل انعكاسا لتداعيات الازمة السياسية السورية التي افضت الى انحسار معدلات استيراد السلع والبضائع السورية الى بلادنا ،ما افضى الى انتعاش بعض الصناعات الوطنية لتامين حاجة السوق المحلي الذي كان ومايزال يعتمد على بلدان الجوار وغيرها من بلدان العالم .
امكانية الرجوع بالصناعة العراقية الى سابق عهدها
وضمن هذا السياق يشير الاستاذ الدكتور ستار البياتي رئيس قسم الدراسات الاقتصادية في مركز المستنصرية للدراسات العربية والدولية بالجامعة المستنصرية الى ان فقدان المنتجات السورية في السوق العراقية ، وارتفاع أسعار السلع من الممكن أن يكون عاملاً مشجعاً للقطاع الخاص العراقي لكي يسعى للنهوض بالصناعة العراقية والبدء بالإنتاج المحلي لكي يسد العجز الذي تعاني منه السوق ويعمل على ارتفاع كمية المعروض من السلع التي يحتاجها المستهلك ، لاسيما اذا أخذنا بنظر الاعتبار البدء بإطلاق المبادرة الصناعية التي تهدف الى دعم الصناعة الوطنية والنهوض بالقطاع الصناعي الوطني في محاولة لانعاش الاقتصاد العراقي لكي يحل الانتاج المحلي محل الانتاج الاجنبي ،مشيرا في الوقت ذاته الى اعتقاده انه في مثل هذه الظروف يمكن الرجوع بالصناعة العراقية الى سابق عهدها عندما كانت تتميز بقدراتها التنافسية على الأقل على المستوى المحلي والعربي في الكثير من الصناعات المعروفة ، مثل الصناعات الجلدية والقطنية والكهربائية وغيرها ، بما يعزز معدل النمو الاقتصادي والناتج المحلي الاجمالي ويعمل على تنويع مصادر الايرادات العامة ، وعدم الركون الى القطاع النفطي فحسب .
ضرورة تفعيل القوانين المنظمة للنشاط الاقتصادي في العراق
الدكتور عبد الرحمن المشهداني استاذ علم الاقتصاد في الجامعة المستنصرية يشير الى ان ما يحدث في سوريا اليوم ينعكس سلبا وايجابا على الاقتصاد العراقي ،ومن جملة هذه الانعكاسات صعوبة وصول المنتجات السورية الى السوق المحلي الذي يعتمد بشكل كبير على منتجات الصناعة السورية بفعل الاحداث التي تشهدها الساحة السورية ،مما ادى الى ارتفاع اسعار السلع والبضائع في السوق المحلي .وهو الامر الذي افضى الى تشجيع رجال الاعمال والقطاع الخاص للإسهام بتعويض النقص الحاصل في السواق المحلي ،مشيرا في الوقت ذاته الى ضرورة تفعيل قانون حماية المستهلك وقانون التعريفة الكمركية وغيرها من القوانين التي تسهم بحماية المنتج المحلي وتنظم النشاط الاقتصادي في العراق ،وبخاصة الداعمة للقطاع الخاص ؛بالنظر لعدم امكانية المنتج المحلي بالاستمرار في الصمود امام تزايد كلف الانتاج والمنافسة الكبيرة من منتجات دول اخرى مثل الصين ,
انتعاش صناعتنا الوطنية
رئيس التجمع الصناعي العراقي عبد الحسن الشمري ،اشار الى أن بعض المصانع المحلية استعادت نشاطها بفعل الحاجة الى تلبية متطلبات الاسواق المحلية من البضائع والسلع نتيجة النقص الذي افضى اليه تقلص معدلات الاستيراد من سوريا المتأتي من تصاعد وتائر أزمتها السياسية التي تشهدها منذ ما يقرب من العام ،واضاف الشمري ان لجوء التاجر العراقي الى المنتج المحلي اصبح امرا حاكما ،ما افضى الى تحرك الصناعة العراقية في الايام الماضية ،مبديا امله في اتجاهها نحو النهوض والانتعاش ،داعيا في الوقت ذاته الحكومة الى ايلاء الصناعة الوطنية الدعم الذي يتناسب مع اهميتها في تدعيم الاقتصاد الوطني . واشار الشمري الى انعكاس ما يحدث من ازمات سياسية في البلدان المجاورة للعراق على حجم البضائع المستوردة منها الى السوق المحلي والتي اغلبها رديئة الصنع ،ما يحتم علينا اللجوء الى خيار الاعتماد على النفس في مهمة توفير السلع والخدمات الى السكان .وهو الامر الذي يفضي الى تدعيم الاقتصاد الوطني من خلال الحاجة الى تطوير صناعتنا المحلية ،ولاسيما الصناعات الصغيرة والمتوسطة لسد حاجة السوق المحلي من المصانع الوطنية بدلا من الاعتماد على ما يورد الينا من الدول المجاورة .
مصانعنا قادرة على تامين كثير من متطلبات السوق المحلي
الصناعي كمال فاضل شلاش الذي يعمل في مجال تصنيع الانابيب البلاستيكية اوضح لنا انه ابرم عقدا قبل يومين مع تاجر محلي لتجهيزه بـ (10000 ) قطعة من احد منتجات مصنعه التي يشار اليها محليا باسم ( الصوندة ) بعد ان كان هذا الخط الانتاجي متوقفا منذ سنوات ،ما دفعه الى تشغيل عدد من العمال لتامين هذه الطلبية وغيرها من العروض الاخرى التي وردت اليه ،مشيرا الى قدرة مصنعه بما يمتلكه من مكائن ومعدات حديثة على تامين حاجة السوق المحلي من بضائع وسلع مختلفة تفوق من ناحية الكفاءة على ما معروض من المنتجات المحلية في اسواقنا .
الاستيراد من سوريا عملية محفوفة بالمخاطر
سلام ياسين تاجر من محافظة نينوى اشار حين التقيناه في سوق الشورجة ببغداد الى ان الاستيراد من سوريا عملية محفوفة بالمخاطر في الوقت الحاضر بسبب اشتراط ادارات المصانع ومكاتب التجارة السورية على تحويل المستورد او التاجر العراقي مبلغ البضاعة كاملا بالعملة الصعبة مع عدم تحملهم مسؤولية الحوادث المحتمل وقوعها خلال عملية نقل البضاعة بسبب اعمال العنف التي تشهدها سوريا ،حيث تنحصر مسؤوليتهم بحدود خروج البضاعة من باب المصنع ، ما تسبب بالإسهام في تقلص حجم الصادرات السورية الى العراق نتيجة خشية التاجر العراقي من عدم ضمان وصول المنتجات السورية الى العراق ومن ثم ضياع امواله في زحمة الاحداث الحالية ، وهو الامر الذي فرض علينا اللجوء الى المعامل والمصانع العراقية لشراء ما نحتاجه من المنتجات المحلية لتعويض النقص الحاصل في السوق من البضائع والسلع ،مضيفا ان استمرار الاعتماد على المنتج المحلي سيؤدي الى تشجيع الصناعة الوطنية ويطور نشاطاتها.
ضرورة تفعيل الصناعة المحلية
الصناعي المهندس حسين كاصد من محافظة بابل يؤكد اهمية توفير افضل المناخات الملائمة لتفعيل الصناعة الوطنية بعد النكوص الذي عاشته خلال السنوات الماضية والذي تسبب بتضرر الاقتصاد الوطني ،لافتا النظر الى انه طيلة السنوات التي عاشها متنقلا في اروقة القطاع الصناعي الخاص لم يرى هذا الانحدار الكبير الذي وصلته الصناعة الوطنية في الوقت الحاضر . اذ كان بالإمكان تنميتها بإعادة اعمار ما تضرر من بناها التحتية وتطوير ما موجود منها .واضاف قائلا ان واقع صناعتنا المحلية يحمل هموما كثيرة بعد ان اغلقت بعض المصانع ابوابها وتوقف كثير منها عن العمل ،اضافة الى تسريح العشرات من عمالها . وهو الامر الذي افضى الى غزو البضائع والسلع الاجنبية سوقنا المحلي .
مواطنون / رداءة المنتجات الاجنبية ارهقت اعصابنا
المواطن حليم جاسم (57 ) سنة من منطقة حي اور التقيناه في سوق الكاظمية وهو يشكوا رداءة كثير من البضائع والسلع المستوردة المعروضة في السوق المحلي ،مؤكدا دورها في تحميله مصاريف كثيرة لا يقوى عليها بسبب صعوبة ما يحصل عليه من اجر يومي لا يتناسب مع متطلبات معيشة عائلته الكبيرة التي يعاني افرادها القادرين على العمل من صعوبة الحصول على فرص العمل في ظل ظروف البلاد الحالية ،مضيفا كانت منجاتنا الوطنية تعمر طويلا ولا تحتاج الدخول الى ورش التصليح بخلاف البضائع الحالية المستوردة التي تتعرض الى العطل بعد ايام قلائل من شراءها ،والانكى من ذلك ان تصليحها غير مجدي ،حيث انها اشبه بالمواد التي تستخدم مرة واحدة .
وفي سوق بغداد الجديدة عبر المواطن سعد سلمان (46 ) سنة من منطقة العماري شرقي بغداد عن استيائه من نوعيات بعض المنتجات الاجنبية ،فعلى سبيل المثال لا الحصر حنفية الماء التي تتهشم حال ربطها مع الانبوب ،وان نجحت عملية الربط ،فأنها لا تستمر الا لأيام لا تتعدى اصابع اليد ،مبديا استغرابه من الاسلوب الذي يستخدمه تجارنا في عملية توريد البضائع الاجنبية والذي يهدف الى جني ارباح طائلة على حساب نوعية المادة المستوردة .اذ يكون المواطن هو الضحية ،فضلا عما يتحمله الاقتصاد الوطني من اضرار على خلفية هذه الممارسات الخاطئة ،ما يستلزم اهتمام حكومتنا بالصناعة الوطنية .
وفي سوق الكمالية كانت لنا وقفة مع المواطن حسين جبير ( 59 ) سنة الذي ابدى سعادته بظهور بعض المنتجات المحلية في السوق المحلي بعدما كانت ارضا خصبة لبضائع وسلع من مختلف بلدان العالم ،مشيرا الى ضرورة ان تتحمل الحكومة مسؤولياتها في مهمة تفعيل الصناعة الوطنية وتطويرها من اجل دعم اقتصادنا الوطني والتخلص من الاثار البيئية والصحية المحتملة لبعض انواع البضائع المستوردة .
الصناعي علي الشمري ( بكالوريوس علوم – فيزياء ) صاحب معمل البيضاء لصناعة السخانات الكهربائية ومنظومات الري بالتنقيط والمعدات المستخدمة في اعمال البناء كانت الفرحة تغمره وهو يتحدث عن طلبيات عدة وصلته لتامين مختلف المواد الى السوق المحلي الذي استقبل المنتجات الوطنية باحترام لكفاءتها العالية مقارنة بمثيله من المستورد
ويمكن القول انه بغض النظر عما ستؤول اليه احداث العنف التي تشهدها سوريا التي وصل حجم التبادل التجاري معها في العام الماضي الى (5 ) مليار دولار امريكي ،فان من تداعيات هذه الازمة الحادة ما انعكس بآثار اقتصادية على واقع اداء قطاعاتنا الانتاجية ؛بالنظر لتراجع الصادرات الخارجية السورية سواء الزراعية او الصناعية منها الى معدلات منخفضة وغير مؤثرة .
ولا يخامرنا شك في ان حيثيات هذا الواقع تفرض على القيادات الادارية في بلادنا الوقوف عند نتائج هذه الازمة بجدية من اجل استثمارها بواقعية لتحليل واستخلاص ما افرزته بعض التجارب التي انتعشت مع ايام المرحلة الانتقالية في بلادنا ،وفي مقدمتها ظاهرة الاغراق السلعي التي تعد من العوامل الفاعلة التي اسهمت بإطلاق رصاصة الرحمة على القطاع الخاص العراقي الذي كان نكوصه وافول نشاطاته من ابرز العوامل التي عجلت بتهشيم العمود الفقري للصناعة الوطنية التي ماتزال تعاني الاهمال في ظل فوضى الرؤى الاقتصادية على الرغم من كونها تعد من اقدم النشاطات الاقتصادية في المنطقة .
[email protected]
أقرأ ايضاً
- المجلس الشيعي الاعلى في لبنان: السيد السيستاني الداعم الاقوى والاكبر للشعب اللبناني في هذه المرحلة المصيرية(فيديو)
- شملت الاطفال والنساء : وفد العتبة الحسينية في سوريا يوزع وجبة ثانية من الملابس الشتوية على العائلات اللبنانية
- شملت الاطفال والنساء : وفد العتبة الحسينية في سوريا يوزع وجبة ثانية من الملابس الشتوية على العائلات اللبنانية