ابحث في الموقع

ميسان على صفيح ساخن.. هل تنجح بغداد بإيقاف رصاص العشائر؟

ميسان على صفيح ساخن.. هل تنجح بغداد بإيقاف رصاص العشائر؟
ميسان على صفيح ساخن.. هل تنجح بغداد بإيقاف رصاص العشائر؟

تشهد محافظة ميسان منذ أشهر، تصاعدا كبيرا في النزاعات العشائرية، وسط انتشار واسع للأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، وصولا إلى الطائرات المسيرة وقذائف الهاون، ما جعل لغة السلاح هي الحاكمة في أبسط الخلافات الاجتماعية، وفيما حذر خبراء من تفاقم هذه الظاهرة، خصوصا مع اقتراب الانتخابات واستغلال بعض القوى السياسية لهذه البيئة الهشة لتعزيز نفوذها، أكد مسؤولون محليون لجوء ميسان إلى استدعاء قوة من العاصمة لفرض هيبة الدولة، في ظل توصيات بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية المحلية.

ويقول مصدر أمني في محافظة ميسان، إن “لغة السلاح أصبحت هي السائدة في المحافظة، حتى أن أبسط الخلافات اليومية تتحول إلى نزاعات مسلحة، فتجاوز الماشية أرضا زراعية للغير قد يؤدي إلى إطلاق النار، بل إن مشاجرات الأطفال تتطور في بعض الأحيان إلى استخدام السلاح، وسط تشجيع من الكبار للصغار”.

ويضيف المصدر، أن “الثأر ما زال متجذرا في المجتمع، إذ يحتفظ ذوو الضحايا بحقهم في الانتقام حتى بعد سنوات طويلة، وهناك حالة قُتل فيها شخص بعد 30 عاما من ارتكاب جريمته وهجرته إلى محافظة أخرى ودفعه الدية، لكنه تمت تصفيته فور عودته إلى ميسان”.

ويتابع أن “الأسلحة متوفرة بشكل واسع، ولا تقتصر على الخفيفة فحسب، بل تشمل المتوسطة والثقيلة مثل الهاونات والطائرات المسيرة، وهو ما جعل النزاعات أكثر خطورة”.

ويشير المصدر إلى أن “رجال الأمن يواجهون ضغوطا كبيرة، كون معظمهم من أبناء العشائر المحلية، ما يدفع بعضهم إلى التقاعس عن أداء واجباتهم الأمنية، فيما تعرض ضباط إلى ضغوط مباشرة على عائلاتهم”، مضيفا أن “معدلات القتل في ميسان ارتفعت بشكل ملحوظ، حيث تُسجَّل يوميا حالتا قتل على الأقل”.

ويؤكد أن “الأزمة تتفاقم أكثر مع اقتراب موعد الانتخابات، حيث تتحرك قوى سياسية للتواصل مع شيوخ العشائر لكسب أصواتهم، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد”، مردفا أن “رئيس مجلس المحافظة صرّح مؤخرا بأن ميسان سقطت أمنيا، وطلب من بغداد إرسال قوات إضافية، لكن رغم وصولها ما تزال الحوادث مستمرة حتى يوم أمس”.

وتندلع النزاعات العشائرية في ميسان بشكل شبه يومي، باستخدام السلاح، ما يثير القلق لدى الأهالي، خصوصا مع صعوبة السيطرة على بعض هذه المعارك من قبل عناصر الأمن، ويوم الاثنين الماضي نشب نزاع عشائري عنيف في منطقة الكحلاء جنوب المحافظة، وهو الثاني خلال الأسبوع الحالي الذي بدأ بنزاع آخر اندلع بين عشيرتي “السادة الغوالب” و”الحريشيين” في منطقة الخمس ضمن ناحية السلام جنوبي ميسان، على خلفية ثأر عشائري قديم بين الطرفين.

من جهته، يشير الخبير الأمني عماد علو، إلى أن “المناطق التي تتركز فيها العشائر غالبا ما تكون بعيدة عن البصمة الحكومية، وبعيدة عن تأثير الأجهزة الأمنية، ما يمنح هذه العشائر حرية الحركة، مستندة إلى ما تمتلكه من أسلحة، بحكم التقاليد والطبيعة العشائرية التي تفرض وجود السلاح، وهذا الأمر يوفر مساحة كبيرة أمامها للدخول في نزاعات على الأراضي أو قضايا اجتماعية متعددة مثل الزواج والمشاكل الأسرية”.

ويردف أن “العشائر القريبة من الحدود اتجهت إلى أنشطة غير قانونية، من بينها تهريب المخدرات والنفط والسلاح”، مبينا أن “بعض العشائر التي ترتبط بعلاقات مع قوى سياسية وأجهزة أمنية باتت تشعر بقوة أكبر، وتتصرف بما يشبه التغوّل، حتى أصبحت قادرة على مقارعة الأجهزة الأمنية بما تمتلكه من مال وسلاح”.

ويتابع علو، أن “النزاعات العشائرية لم تعد مقتصرة على المناطق النائية والحدودية، بل بدأت تظهر داخل المدن باستخدام أسلحة ثقيلة، وهو مؤشر واضح على وجود تراخٍ وربما تخادم مع الأجهزة الأمنية”، لافتا إلى أن “قائد الشرطة الاتحادية رشيد فليح صرّح سابقا بأن السلاح الموجود في شمال البصرة يعادل ما تمتلكه فرقتان عسكريتان، وهذا يعكس حجم المشكلة المتفاقمة التي عجزت الحكومات المتعاقبة عن مواجهتها، بل واتخذتها بعض الفصائل المسلحة غطاء لبقائها”.

وحول قدرة الشرطة المحلية على ضبط الأمن، يؤكد “عدم قدرتها علىدذلك بحكم انتمائها إلى المجتمع نفسه، وارتباطها بعلاقات عشائرية، ما يؤدي إلى تسريب المعلومات وتقديم المساعدة والتخادم”، مطالبا بـ”إعادة النظر في هيكلة الأجهزة الأمنية، وأن تكون عناصرها من خارج البيئة الاجتماعية للمحافظة، مع تزويدهم بأسلحة حديثة ومستويات تدريب متقدمة، ليرتقي استعدادهم القتالي إلى مستوى التحدي الأمني القائم”.

ووجه رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، الأسبوع الماضي، محافظ ميسان وعددا من أعضاء مجلس المحافظة، باتخاذ إجراءات بشأن ضعف أداء الأجهزة الأمنية في المحافظة، وإنهاء النزاعات العشائرية، وشدد خلال استقباله للوفد الميساني على أهمية حفظ الأمن بالمحافظة، وإنهاء الجرائم الجنائية التي تقع بين الحين والآخر”، مشددا على “محاسبة المقصرين في تأدية واجباتهم، ومراجعة الأداء واتخاذ إجراءات حازمة بحق كل من يحاول العبث بأمن المحافظة، وضرورة أن تأخذ الحكومة المحلية ومجلس المحافظة دورهما في حفظ الأمن والسلم المجتمعي”.

وزار وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، محافظة ميسان، في حزيران الماضي، لعقد اجتماع مع الأجهزة الأمنية كافة، من أجل مناقشة الوضع الأمني واستقرار المحافظة، حيث ضم الوفد الأمني الذي رافق الشمري، نائب قائد العمليات المشتركة الفريق الركن قيس المحمداوي ووكلاء الوزارة وعددا من القادة العسكريين، موجها بتكثيف الإجراءات الأمنية في محافظة ذي قار، ومشددا على التنفيذ الفوري لمذكرات القبض وتطبيق القانون بحق المطلوبين للقضاء.

بدوره، يرى رئيس لجنة الأمن والدفاع في مجلس محافظة ميسان، قاسم الحلفي، أن “المجتمع العراقي عشائري بطبيعته، وهذه المشاكل لا تنتهي، لكننا وصلنا إلى مرحلة شهدت بعض الحوادث ذات طابع إجرامي، وهو ما استدعى منا كمجلس محافظة لقاء وزير الداخلية ورئيس الوزراء، وطالبنا بتدخل مركزي لفرض الأمن في ميسان”.

ويضيف الحلفي، أن “ذلك لا يعني أن أجهزتنا الأمنية غير قادرة على ضبط الأمن، لكن بعض المواطنين يراها غير فاعلة، كما ينطبق عليها المثل المعروف: مغنية الحي لا تطرب، ولذا بادرنا إلى إقامة حملة إعلامية قبل وصول القوة الاتحادية، واليوم، ومنذ نحو أسبوعين، تراجعت الجرائم، ولم نسجل حوادث كبيرة على الرغم من استمرار بعض التوترات”.

ويبرر المطالبة بقوة عسكرية من مركزية، بالقول: “عندما كانت تقع مشكلة عشائرية، كان يغيب الشعور بهيبة الأجهزة الأمنية، لذلك طلبنا فرض القانون وإعادة سلطة الدولة، ونحن ماضون في هذا المسار حتى نصل إلى بر الأمان”، لافتا إلى أن “الموضوعية والواقعية لم تكن حاضرة في نقل المعلومة، إذ جرى تسليط الضوء على ميسان، وكأنها خارج سلطة القانون، مع أن النزاعات العشائرية موجودة في محافظات أخرى بنفس المستوى”.

ويصف ما ذكره رئيس مجلس المحافظة حول انهيار أمني، بأنه “مجرد زلة لسان، إذ قصد به التراجع الأمني، وقد عاتبناه على ذلك”، مبينا أن “ما يجري في المحافظة حوادث جنائية، وليست حالة خروج عن سيطرة الدولة”.

كما يشير رئيس لجنة الأمن والدفاع في مجلس محافظة ميسان، إلى أن “هناك إجراءات متفقا عليها مع مجلس القضاء الأعلى، تقضي باعتبار أي شيخ عشيرة يرفض حل مشكلته عبر القضاء تهديدا للسلم المجتمعي، وقد يواجه المساءلة القانونية”، مضيفا أن “اللجوء إلى بغداد جاء بسبب غياب الهيبة الإعلامية للشرطة المحلية، ما استدعى تجديدا في آليات العمل، وإجراءات رادعة منحناها زخما إعلاميا لإثبات حضور الدولة”.

 

 

المصدر: صحيفة العالم الجديد

التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!