ابحث في الموقع

معزوفة الأصول !

معزوفة الأصول !
معزوفة الأصول !

بقلم: علي حسين

شتائم جاهزة وتهديد ووعيد وجهل تام بقواعد القراءة والكتابة، تلك هي مؤهلات البعض من نوابنا الأشاوس بعد أن صرفت لهم كتلهم السياسية مجموعة من العبارات المحفوظة في علب قديمة من عينة "المؤامرة التي تحاك"، "الأجندات الخارجية"، "المرحلة الراهنة"، فتشعر أنهم جميعهم، يرددون هتافاً واحداً، ويرتدون ثوباً واحداً وفي يد كل منهم كراس من الوصايا يخرجه في اللحظة التي يشم فيها رائحة اختلاف مع قناعات أولي الأمر.

آخر إبداعات أصحاب الوصايا وجيوشهم الالكترونية هو الطلب من الذين يختلفون معم أن يسألوا أمهاتهم عن أصلهم، تخيل جنابك أن الأم التي كرمها الاسلام ووضعها بأعلى المراتب، تتحول الى متهمة لان البعض ينزعج عندما تتحدث عن أمن وأمان العراق وضرورة النأي به عن صراعات المنطقة.

أصبحت عبارة "افحص DNA" تتردد في فضائياتنا يتباهى بها محللون وسياسيون جهلة.

عندما اكتشف عالم البيولوجيا الأميركي جيمس واتسون والفيزيائي الإنجليزي جيمس كريك الحمض النووي "دي إن إي"، قبل ما يقارب السبعين عاما، لم يكونا يتوقعان ان اكتشافهما سيتحول الى معزوفة تتردد في الفضائيات العراقية ومواقع التواصل الاجتماعي التي يغزوها الذباب الالكتروني المدفوع الثمن.

أصبحت الشتيمة سهلة وعادية جداً، ويمكن لأي محلل سياسي يظهر في الفضائيات أن يقول لك افحص "الدي ان اي" الخاص بك، بل ان البعض من المدونين ما ان يجدك تدافع عن قناعاتك الشخصية حتى يطلب منك ان تقدم له فحص الحمض النووي، وتجد الكثير منهم يفخر باهانة الآخرين، ومازال العديد منهم يتصورون انهم يحملون تراخيص رسمية باقصاء كل من يختلف مع قناعاتهم المزيفة.

علمتنا تجارب الشعوب أن معارك الكراهية تنتصر مؤقتاً، فالفوز الدائم لأهل التسامح والمحبة والطمانينة.. كم عقداً دام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، وفي النهاية كان الفوز لمانديلا.. كم مرة خرج هتلر صارخاً بصوت عال، وكم بقي من رنين خطاباته!

هل نتعلـَّم من هذه التجارب كيف نترجل عن هذه الحلبة الدموية، وأن نضع حداً لجريمة الاساءة للآخرين باسم المظلومية والطائفة والدين؟ قد تبدو المهمة اليوم عسيرة ولكن قديماً قال أرسطو إن ترميم الأوطان ليس بالعمل الهيـِّن.

الذين يكتبون يطالبون من الاخرين فحص "الدي ان اي" عليهم أن يسألوا أنفسهم: ماذا قدموا هم لوطنهم، وعليهم ان يدركوا انهم ليسوا وحدهم فى هذا البلد، لا هم ولا مَن يشبهونهم، هذا، وطن من يؤمنون به، بتنوعه وتعدده، والمواطنة فيه ليست مِنَحاً توزَّع حسب فحص الحمض النووي، هذا وطن سيحتضِر لو الغي فيه حق الآخر، أو قـُهر فيه البعض لصالح القطيع الطائفي، خراب البلدان ليس في الحرب التي تقتل الأرواح، بل في الحروب التي تقتل النفوس والمشاعر، وتحجب النور، ليتحول كلَّ شيء إلى ظلام مُطبق !

المقالات لا تعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن آراء كتابها
التعليقات (0)

لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!