بعد نفاذ المساحات داخل مقابر المدينة، بات الموت تجارة مربحة في مدينة أربيل، خصوصاً لمن تمكن من حجز قطع داخل تلك المقابر قبل عقود، حصل عليها بسعر رمزي زهيد ويبيعها اليوم بمبالغ مالية كبيرة، ما خلف أزمة لدى كثيرين من الناس تجبرهم إلى دفن أحبائهم بمواقع بعيدة عن مدينتهم.
"دفن الأحبة قرب بعض" هو أحد الطقوس والممارسات الثقافية الراسخة في إقليم كوردستان، وتخضع مقبرتا "الشيخ أحمد" و"معمل القير"، أكبر مقبرتين وسط مدينة أربيل لهذه العادة، ويفضّل كثيرون مواراة أحبائهم فيهما، وهما المقبرتان الوحيدتان اللتان يتعين على المرء أن يدفع فيهما مقابل حصوله على مكان للدفن.
الحاج طارق عبد الرحمن، رجل ذو 73 عاماً، يزور قبر زوجته بانتظام منذ أربع سنوات حتى اليوم منذ وفاتها. دفنت زوجة عبد الرحمن في قطعة أرض اشتراها زوجها بثمن باهظ منذ فترة طويلة، وترك الرجل وصية لستة أبناء، بأن يتم دفنه بجوار والدتهم مباشرة عندما يموت.
ويتراوح سعر قطعة الأرض بمساحة 50 و100 متر مربع، في المقبريتين المذكورتين وسط اربيل، بين خمسة إلى عشرة ملايين دينار عراقي، ما يعادل (3400 دولار إلى 6800 دولار) أميركي.
وقال عبد الرحمن بعينين تغرقهما الدموع، لمنصة الجبال: "لقد تركت وصية بأنني أريد أن أدفن بجوارها مباشرة".
وبالإضافة إلى مقبرتي "الشيخ أحمد" و"معمل القير"، توجد 16 مقبرة أخرى في مختلف أنحاء المناطق المحيطة بمدينة أربيل. الدفن فيها مجاني على خلاف المقبرتين المذكورتين أعلاه، لكن لم تبق فيها مساحات للدفن سوى في اثنتين، مقبرتي "كسنزان" و"كاناشكين".
"في الماضي، وزعت الحكومة قطع أراض داخل المقابر مقابل مبلغ رمزي من المال. لكن هذه العملية توقفت منذ زمن طويل، فلم تعد الحكومة تمنح الأراضي للعائلات"، بحسب ما أفاد به جيار جلال، مسؤول قسم حماية البيئة في بلدية أربيل المركزية، لمنصة "الجبال، و"لهذا السبب ارتفعت أسعار القطع في المقابر".
وذكر جلال في حديثه أن "قطع الأرض المخصصة للدفن في أربيل، كانت توزع في ثمانينيات القرن الماضي حتى عام 2010".
ونقل موقع "الجبال" عن مصدر بالسلطات المحلية أن حكومة إقليم كردستان تخطط لبناء مقبرة جديدة في ناحية "بنصلاوة" التابعة لأربيل، حيث تمنح المقابر مجاناً.
أصبح ارتفاع سعر قطع الأراضي في المقبرتين "شيخ أحمد" و"معمل القير" مصدر إزعاج لسكان أربيل المحليين.
وقال أمير محسن، أحد سكان أربيل، إن "الأسعار متفاوتة، يبيع بعض الناس الأرض بخمسة ملايين وآخرون بعشرة ملايين. ذلك يتوقف على ضمير البائع".
فيما ذكر نادر كاني كرداي، وهو رجل دين في أربيل، إن "تجارة الموت والربح منها محرمة دينياً، ويجب على المسلمين تجنبها".
ومع ارتفاع الأسعار، يشكو مالكو المقابر في "الشيخ أحمد" و"معمل القير" بتجاوز بعض الأشخاص المجهولين على ممتلكات الآخرين بتدمير الأسوار المبنية حول مقابر وسرقتها. قال إسماعيل خالد، وهو أحد السكان المحليين، بهذا الخصوص" "يقوم بعض الأشخاص المنحطين بكسر الأسوار وسرقتها".
أقرأ ايضاً
- رغم المرض والشيخوخة "حبوبات" ثمانينيات يطعمن المشاية خبز "السياح" الجنوبي
- مصور:صاحبات القلوب الرحيمة : نساء كبيرات بالسن في منطقة الماجدية بالبصرة لا يفارقن خدمة "المشاية" في الاربعينية
- بعد 21 عاما على سقوط "صدام حسين".. هل حصل العراق على ديمقراطية حقيقية؟