يعاني العراقيون من تدهور كبير في قطاع الكهرباء جراء توقف إمدادات الغاز الإيراني، الأمر الذي انعكس سلبا على حياة أصحاب الورش والمعامل والمزارعين وسبب خسائر كبيرة لهم، في حين تجد وزارة الكهرباء نفسها عاجزة عن حل هذه الأزمة.
خسائر مالية
إذ شكا عدد من المزارعين في كربلاء، اليوم الأربعاء، من انعكاس أزمة تجهيز الطاقة الكهربائية على واقع الزراعة مؤكدين أن ذلك تسبب بخسائر مالية كبيرة.
وقال المزارع محمد العطار في حديث لوكالة نون الخبرية، إن "الخسائر التي نتعرض لها بسبب انقطاع الكهرباء لا يمكن تحملها"، مبيناً "نحن مضطرون لاستخدام المولدات الخاصة، في الوقت الذي لا نحصل على الوقود (الكاز) بسهولة، ونشتريه من السوق السوداء بأكثر من ضعف سعره الرسمي، بسبب الشحّة، مما يرفع التكاليف علينا".
من جانبه يقول المزارع مرتضى الكريطي في حديث لوكالة نون الخبرية، أنه "يتم تزويدهم بالطاقة الكهربائية لمدة تتراوح بين ساعة وساعتين فقط خلال اليوم الواحد وهي مدة لا تكفي لسقي 20% من المزروعات"، مؤكداً "صعوبة سقي المحاصيل بسبب نقص الطاقة ما أدى الى هلاكات كبيرة في المحاصيل".
مطالباً بـ"توفير الوقود من أجل تشغيل مولداتهم لغرض سقي المزروعات".
نصارع الموت
علي الجنابي، مزارع آخر من كربلاء يتحدث لوكالة نون الخبرية، ويطالب الحكومتين المركزية والمحلية بـ"الحل الفوري لمشكلة الكهرباء في قضاء عين التمر"، مبيناً "أننا تضررنا بشكل كبير في الموسم الحالي".
وأكد الجنابي، "نحن نصارع الموت البطيء لزراعة الحنطة"، مضيفاً، "نطالبكم بتزويدنا بالطاقة الكهربائية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه".
وتشهد محافظة كربلاء، منذ أسابيع، انقطاعاً غير مسبوق للتيار الكهربائي، حيث تتجاوز ساعات الانقطاع 18 ساعة يومياً، في الوقت الذي تحصل كربلاء اقل حصة من الطاقة بين بقية محافظات البلاد.
وسجلت ساعات تجهيز الكهرباء انخفاضا كبيرا في بغداد والمحافظات مع الهبوط الحاد بدرجات الحرارة وبدء موسم الشتاء وبالتزامن مع توقف تصدير الغاز الإيراني إلى العراق في 24 تشرين الثاني الماضي.
إجراءات ترقيعية
من جهة أخرى، أكدت عضو لجنة الكهرباء والطاقة النيابية سهيلة السلطاني، أن الإجراءات الترقيعية لحل نقص التجهيز بالكهرباء قد فاقمت من الأزمة، مبينة أن الأزمة لن تنتهي ما لم نعتمد على الغاز العراقي.
وقالت السهلاني في تصريح تابعته وكالة نون الخبرية، إن "الحديث عن الكهرباء هو حديث ذو شجون وحديث الساعة دوما سواء كان في الصيف والشتاء"، موضحة أنه "دائما ما تخرج هذه الازمة للعلن بين فترة وأخرى ومحاولات حلها هي حلول ترقيعية وقتية".
وأضافت أنه "بالنتيجة النهائية نحن نحتاج الى حلول جذرية في مسألة الكهرباء"، مؤكدة أن "الازمة في الشتاء تكمن في انقطاع او نقص تجهيز الغاز الإيراني وانقطاع الغاز يكون بسبب الصيانة للمنظومات والانابيب او حاجتهم لكميات أكبر في فصل الشتاء".
ولفتت السلطاني الى أن "المشكلة في العراق لا تنتهي إذا ما لم نعتمد على الغاز العراقي ويجب ان يستثمر وبشكل كامل"، مضيفة "لدينا نوعين من الغاز، الأول غاز حر وكذلك الغاز المصاحب".
وأردفت "هناك بحوث لاستثمار الغاز الحر وحسب ما صرح به وزير النفط في 2028 سيتم استثمار كامل الغاز العراقي"، مؤكدة أنه "قبل عام 2021 لم يكن العراق مهتما بمسألة الغاز وكانت جولات التراخيص الشركات تنتج النفط الغاز وكان الغاز يحرق بالجو، ويحسب لهذه الحكومة فكرت بهذا الاتجاه".
واعتبرت أن "الغاز الإيراني يعتبر قريبا علينا والارخص سعرا"، مشيرة الى أن "قانون الاستيراد يخضع الى الأعراف الدولية والبنود والاتفاقات وكذلك هناك جهات تراقب الاتفاقات".
وبشأن التوزيع في وزارة الكهرباء، قالت السلطاني، إن "شركات التوزيع في العراق بائسة جدا واغلب الهدر في الطاقة الكهربائية يتم في شركات التوزيع".
وتابعت أن "التجاوزات على الشبكة عالية جدا والاسلاك متهالكة ومتهرئة"، مضيفة "حتى الاسلاك الجديدة التي تستخدم نوعيات رديئة وهذه تسبب هدرا في المال العام والطاقة".
وكان وزير الكهرباء زياد علي فاضل وصف، قبل أيام، شركة الغاز الإيرانية بأنها "لا تلتزم بالعقد المبرم مع العراق"، فيما أشار الى ان "الكاز المنتج من قبل وزارة النفط في العراق لا يكفي للاستهلاك لذلك لا يمكن تزويد وزارة الكهرباء ببعض الكميات".
ووصل انتاج العراق مؤخرا الى 27 ألف ميغا واط، لذلك فان خسارة 9 الاف ميغا واط ما يعني خسارة حوالي 35% من الإنتاج.
يشار الى أن وسائل إعلام إيرانية ذكرت مؤخراً، أن العديد من محطات إنتاج الطاقة الكهربائية في إيران توقفت عن العمل بسبب نقص الوقود الذي تفاقم بسبب موجة البرد التي تستنزف إمدادات الطاقة.
ويشكو مواطنون، منذ أسابيع من قلة ساعات إمداد الطاقة من شبكة منظومة الكهرباء، فيما طالبوا الوزارة بإيجاد حلول جدية لهذه الأزمة، ووضع حد للفساد وهدر المليارات على العقود السنوية والمحطات التي يتجاوز عددها الـ 36 محطة في بغداد فقط.
وتعد أزمة الكهرباء هي واحدة من أبرز الأزمات التي شهدتها البلاد منذ الغزو الأميركي عام 2003، ولم تتمكن من تجاوزها، على الرغم من إنفاق نحو 41 مليار دولار في هذا القطاع، وفقا لتقارير رسمية.
ويستورد العراق في فصل الصيف 70 مليون متر مكعب من الغاز الإيراني في اليوم لتغذية محطات توليد الكهرباء في البلاد، ويولّد نحو 5000 ميغاواط من الكهرباء بهذه الإمدادات، ويعني هذا التدفق، إلى جانب عمليات الشراء المباشرة للكهرباء من إيران، أن طهران تلبي 40 في المائة من احتياجات العراق من الكهرباء بتكلفة 4 مليارات دولار سنوياً.
ولكن غالباً ما تخفض إيران إمدادات الغاز للعراق، ويساهم ذلك في انقطاع التيار الكهربائي والاستياء العام والمشاكل السياسية، وتعزى هذه التخفيضات إلى الطلب المحلي الإيراني.
وفي شباط 2024، قال الرئيس العراقي عبداللطيف رشيد، إنه مع الأسف الشديد دخل الفساد في الكهرباء، هذا السبب الرئيسي للأزمة وأنا لا أخفيه، مشدداً على حاجة شبكة الكهرباء في البلاد إلى عملية تطوير شاملة.
ومنذ العام 2003 ولغاية اليوم، لم تشهد الطاقة الكهربائية في العراق أي تحسن ملحوظ، وفي كل صيف تتجدد التظاهرات في مدن الوسط والجنوب، احتجاجا على تردي تجهيز الطاقة.
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- في حي البلديات ببغداد: تجاوزات ومعاناة من الكهرباء والمجاري ومعامل تلحق الضرر بصحة الناس (صور)