- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
بيانات السيستاني في القضية الفلسطينية
بقلم: د. شامل محسن هادي مباركه
وصف الكثيرُ من الصحفيين والكتّاب سماحة آية الله العظمى علي السيستاني، دام ظله الوارف، بالعالم الهادئ الذي لا يمارس السياسة، حيث كتبت الاستاذة لندا بريدج أن السيستاني تجنب أي مشاركة في السياسة.
هذا جاء مطابقاً للكاتب شميدت الذي وصف السيستاني "بالهادئ اساساً" (راجع بحث "دور الدين في السياسة، حالة الإسلاموية الشيعية في العراق"، The Role Of Religion In Politics. The Case Of Shia-Islamism In Iraq، ١٠ تشرين الاول ٢٠٠٩).
أما دكتورة كارولين مرجي فترى غير ذلك في بحثها الذي نُشِر في كلية إليوت للشؤون الدولية في واشنطن (Elliott School of International Affairs) تحت عنوان "آية الله السيستاني: أكثر من مجرد مرشد للعراقيين (Ayatollah Sistani: Much More Than a “Guide” for Iraqis، دكتورة كارولين مرجي).
وافقها في الرأي الاستاذ روبرت غليف حيث قال ان السيستاني أقل تحفظا في الانخراط بالسياسة المجتمعية والدولية مقارنة بالمراجع الاخرين في العراق. (راجع بحث "مفاهيم السلطة في الشيعة العراقية باقر الحكيم والحائري والسيستاني في الاجتهاد والتقليد والمرجعية"، Conceptions of Authority in Iraqi Shi’ism Baqir al-Hakim, Ha’iri and Sistani on Ijtihad, Taqlid and Marja’iyya، للباحث روبرت غليف في آذار ٢٠٠٧).
يتعامل السيستاني مع المشهد السياسي بأسلوب حذر يتناسب مع رؤيته للأحدث الاقليمية والدولية. أوضح مرارًا وتكرارًا أنه سيكون بمثابة "مرشد"، مما يؤكد فلسفة حوزة النجف الأشرف، باعتبارها موقعًا دينيًا وليس سياسيًا. وعليه، فكلما توغل المرجع في شؤون الدول، كلما كان دخوله اكثر في السياسة.
هناك مساران لخط سماحة المرجع السيستاني في التعامل مع الاحدث التي فُرِضت عليه:
١- الابتعاد عن التدخل في شؤون الدول، وانحساره على العراق.
٢- التدخل في شؤون الدول التي تعاني شعوبها العربية والإسلامية من الظلم والاضطهاد.
كلاهما يمثلان التحدي المستجد لمرجعية النجف الاشرف.
ضمن هذه المعطيات تبنّى السيستاني رؤيته والتي تقوم على الموازنة بين حضوره القوي داخل العراق، وبين قيادته الروحية للمسلمين في العالم.
يتابع السيستاني الاحداث الدامية التي يتعرض له الفلسطينيون، مطالباً المجتمع الدولي بإنهاء الاحتلال الصهيوني وارجاع الأرض إلى أصحابها الفلسطينين.
لأكثر من سبعة عقود، تتعرض فلسطين المحتلة إلى جرائم يندى لها جبين الإنسانية، من تقطيع أشلاء وإعدامات ميدانية، إلى قضم أراضيها، و اعتقالات تعسفية وتجويع شعبها، مع دعم دول كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية للكيان الصهيوني المحتل، وسكوت مطبق من الدول العربية والإسلامية الخانعة للإرادة الأمريكية، بل ذهب بعضها لتصفية القضية الفلسطينية تحت إتفاقية إبراهام.
أكّدت بيانات السيستاني أحقية الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة يعيش شعبها الحرية الاستقلال.
في كانون الاول من عام ٢٠٠٨، سقط مئات من الفلسطينين قتلى وحصار ظالم استمر لأشهر عديدة. اصدر مكتب السيستاني بياناً في ٢٨ كانون الاول ٢٠٠٨ جاء فيه:
يتعرض الشعب الفلسطيني العزيز في قطاع غزة إلى هجمة (اسرائيلية) شرسة واعتداءات متواصلة أسفرت لحد الان عن سقوط مئات الضحايا بين "شهيد" وجريح
ان تعابير الادانة والاستنكار لما يجري على اخواننا الفلسطينيين في غزة والتضامن معهم بالالفاظ والكلمات "لا تعني شيئا" امام حجم الماساة المروعة التي يتعرضون لها .
ان الأُمتين العربية والاسلامية مطالبتان اكثر من اي وقت مضى باتخاذ "مواقف عملية" في سبيل وقف هذا العدوان المتواصل وكسر الحصار الظالم المفروض على هذا الشعب الابي.
كما أدان السيستاني الولايات المتحدة الأمريكية إعترافها بمدينة القدس عاصمة للكيان الاسرائيلي في بيان مكتب السيستاني في ٧ كانون الاول ٢٠١٧ جاء فيه:
ان هذا القرار مدان ومستنكر، وقد اساء الى مشاعر مئات الملايين من العرب والمسلمين، ولكنه لن يغير من حقيقة ان القدس ارض محتلة يجب ان تعود الى سيادة اصحابها الفلسطينيين مهما طال الزمن ، ولا بد ان تتضافر جهود الامة وتتحد كلمتها في هذا السبيل.
كما كان للسيستاني موقفاً في المواجهات التي حصلت في فلسطين المحتلة في آيار ٢٠٢١، جراء إستيلاء الكيان الصهيوينة المحتل على اراضي من القدس المحتلة والضفة الغربية، حيث جاء في بيان مكتب السيستاني في ١٢ آيار ٢٠٢١:
تؤكد المرجعية الدينية - مرة أخرى - مساندتها القاطعة للشعب الفلسطيني الأبيّ في مقاومته الباسلة للمحتلين، الذين يسعون الى قضم المزيد من اراضيه وتهجيره من اجزاء أخرى من القدس الشريف، وتدعو الشعوب الحرة الى دعمه ونصرته في استرجاع حقوقه المسلوبة.
ان المواجهات العنيفة التي تشهدها ساحات المسجد الأقصى وسائر الاراضي المحتلة هذه الايام تظهر بلا شك مدى صلابة الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال الغاشم واعتداءاته المستمرة وعدم تخلّيهم عن أراضيهم المغتصبة مهما غلت التضحيات.
أما اليوم وما تتعرض لها غزة الأبية والضفة الغربية من حرب مدمرة فقد فاق التوقعات، وكشف إزدواجية الدول الكبرى والعربية. خلال اربعة أيام فقط، ما بين ٧-١١ تشرين الاول، سقط آلاف الضحايا مضرجين بدمائهم الزكية. اصدر السيستاني بياناً في ١١ تشرين الاول ٢٠٢٣، جاء فيه:
يتعرّض قطاع غزّة في هذه الأيام لقصف متواصل وهجمات مكثّفة قلّ نظيرها، وقد أسفر - حتى هذا الوقت - عن سقوط أكثر من ستة آلاف من المدنيين الأبرياء بين شهيد وجريح، وتسبب في تهجير أعداد كبيرة منهم عن منازلهم، وتدمير مناطق سكنية واسعة.
في الوقت نفسه يفرض جيش الاحتلال حصاراً خانقاً على القطاع شمل في الآونة الأخيرة حتى الماء والغذاء والدواء وغيرها من ضروريات الحياة، ملحقاً بذلك أكبر الأذى بالأهالي الذين لا حول لهم ولا قوة، وكأنّه يريد بذلك الانتقام منهم وتعويض خسارته المدويّة وفشله الكبير في المواجهات الأخيرة.
يجري هذا بمرأى ومسمع العالم كله ولا رادع ولا مانع، بل هناك من يساند هذه الأعمال الإجرامية ويبرّرها بذريعة الدفاع عن النفس!
إن العالم كله مدعوّ للوقوف في وجه هذا التوحش الفظيع ومنع تمادي قوات الاحتلال عن تنفيذ مخططاتها لإلحاق مزيد من الأذى بالشعب الفلسطيني المظلوم.
إنّ إنهاء مأساة هذا الشعب الكريم - المستمرة منذ سبعة عقود - بنيله لحقوقه المشروعة وإزالة الاحتلال عن أراضيه المغتصبة هو السبيل الوحيد لإحلال الأمن والسلام في هذه المنطقة، ومن دون ذلك فستستمر مقاومة المعتدين وتبقى دوّامة العنف تحصد مزيداً من الأرواح البريئة.
أما بيانه الأخير في ١٠ آب، في مجزرة مدرسة التابعين، فكان له وقعٌ ومداولات أخرى، حيث جاء فيه:
مرة أخرى ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي مجزرة كبرى في قطاع غزة الأبية باستهداف من تؤويهم (مدرسة التابعين) من النازحين والمشرَّدين، أدّت الى سقوط أعداد كبيرة من المدنيين الأبرياء بين شهيد وجريح، في جريمة مروعة تضاف الى سلسلة جرائمه المتواصلة منذ ما يزيد على عشرة أشهر.
وقد اشتملت في المدة الأخيرة على عمليات اغتيال غادرة استهدفت قيادات بارزة في مقاومة الاحتلال وأدّت إلى استشهاد عدد منهم، وقد خرق بها سيادة عدد من دول المنطقة، وزادت بذلك مخاطر وقوع مصادمات كبرى فيها تتسبب لو حدثت - لا سمح الله - في نتائج كارثية على مختلف دول هذه المنطقة وشعوبها.
إن الكلمات لتقصر عن إدانة هذه الجرائم النكراء التي باءت بآثامها وحوش بشرية تجرّدوا من كل القيم الإنسانية والمبادئ السامية، ومن المؤسف أنهم يحظون بدعم غير محدود من عدد من الدول الكبرى يمنع من أن تطبق عليهم القوانين الدولية الخاصة بمرتكبي الجرائم ضد الإنسانية.
إننا ندعو العالم - مرة أخرى -للوقوف في وجه هذا التوحش الفظيع ومنع تمادي قوات الاحتلال عن تنفيذ مخططاتها لإلحاق مزيد من الأذى بالشعب الفلسطيني المظلوم، كما ندعو الشعوب الإسلامية - خاصة - الى التكاتف والتلاحم للضغط باتجاه وقف حرب الإبادة في غزة العزيزة وتقديم مزيد من العون إلى أهلها الكرام.
فلو تتبعنا ما جاء في البيانات الخمسة، نستطيع أن نضعها في نقاط:
١- اعتبار قتلى الفلسطينين في معاركه مع الكيان الصهيوني المحتل "شهداء"
٢- القدس عربية عاصمة فلسطين
٣- تؤكد المرجعية الدينية مساندتها القاطعة للشعب الفلسطيني الأبيّ في مقاومته الباسلة للمحتلين
٤- إدانة الولايات المتحدة الأمريكية بوقوفها مع الكيان الصهيوني المحتل
٥- التضامن مع الشعب الفلسطيني بالالفاظ والكلمات "لا تعني شيئا"
٦- مطالبة المجتمع الدولي والعربي والإسلامي إرجاع فلسطين إلى شعبها الفلسطيني
٧- الأمّتان العربية والاسلامية مطالبتان باتخاذ "مواقف عملية" في سبيل وقف هذا العدوان على فلسطين المحتلة
٨- مطالبة الحكومات العربية والإسلامية تقديم الدعم والإسناد لشعب فلسطين
٩- دعوة الشعوب الحرة الى دعم الشعب الفلسطيني في استرجاع حقوقه المسلوبة، بل ومقارعة الاحتلال
١٠- أحقية الشعب الفلسطيني بمقاومة الاحتلال
١١- مع بقاء الكيان الصهيوني المحتل في فلسطين، ستستمر المقاومة ضده
١٢- إزالة احتلال الكيان الصهيوني عن أراضي فلسطين المغتصبة هو السبيل الوحيد لإحلال الأمن والسلام
١٣- إدانة اغتيال الكيان الصهيوني المحتل قيادات بارزة في مقاومة الاحتلال، مع خرق لسيادة عدد من دول المنطقة كالجمهورية الإسلامية في ايران، وهذا ما جاء مطابقاً لما ذكرته صحيفة الأسوشيتد برس سابقاً، حيث نشرت مقالاً في ٦ شباط ٢٠١٩ بعنوان: "رجل دين عراقي كبير يرفض خطة ترامب للقوات الأمريكية في العراق"، (Top Iraqi cleric rejects Trump’s plan for US troops in Iraq).
يذكر المقال: قال آية الله العظمى علي السيستاني في رده على تصريح ترامب بجعل العراق دولة تراقب الجمهورية الاسلامية في ايران، "إن العراق يتطلع إلى علاقات جيدة ومتوازنة مع جميع جيرانه على أساس المصالح المشتركة ودون تدخل في الشؤون الداخلية، و يرفض أن يكون العراق منصة انطلاق لإلحاق الأذى بأي دولة أخرى".
نعم هكذا هو السيد السيستاني، يستشعر ألم الفلسطينيين، ويرى سلب أراضيهم، و فظائع الكيان الصهيوني بحقهم، فأوكل للشعوب العربية والمسلمة الوقوف معهم واسترجاع حقوقهم، وايقاف سفك دمائهم ومناصرتهم بكل ما يستطيعون لتحريرها.