- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
أهمية التحقيق المالي الموازي في الجرائم المالية
بقلم: القاضي محسن عبد الجابري
إن التحقيق في الجرائم المالية وخاصة ما يتعلق منها بقضايا الفساد المالي والإداري التي تقع من الموظف اثناء اداء الوظيفة العامة يعتبر اصعب التحقيقات نظرا لطبيعة هذه الجرائم وخطورتها ولكونها تؤدي الى ضعف الثقة بأعمال الوظيفة العامة مما يترتب على ذلك اهتزاز المركز السياسي والاداري للدولة، وكذلك تكمن الصعوبة في مرحلة جمع الادلة؛ لان هذه الافعال تعتبر من جرائم الحق العام والتي تختلف عن جرائم الحق الشخصي والتي يقع الاثبات فيها على الطرف المتضرر من الجريمة (المشتكي) حيث يتم تكليفه من سلطة التحقيق بإبراز الادلة التي تؤيد الشكوى، بينما في الجرائم المالية وخاصة التي تقع على المال العام غالبا ما يتم تحريكها عن طريق الاخبار لذلك تقوم سلطة التحقيق بدور اساسي في جمع الادلة وبيان مقدار الضرر في المال العام موضوع الجريمة من تلقاء نفسها.
ولان هذه الجرائم ازدادت بشكل كبير ومتسارع واخذت الاساليب التي ترتكب بها تلك الجرائم تتطور، لذلك اصبح من الضروري ايجاد حلول مؤثرة تساعد في التحري للبحث عن مصير المال موضوع الجريمة لغرض استرداده، لأنه بغير ذلك لا تتحقق الغاية المتوخاة من التحقيق ولان القصاص من الجاني في تلك الجرائم لا يكفي ما لم يُضف لذلك اعادة المال سواء للدولة خاصة في جرائم الوظيفة العامة وفق قانون النزاهة رقم (۳۰) لسنة ۲۰۱۱ المعدل بالقانون (۳۰) لسنة ۲۰۱۹ او اعادة المال للطرف المتضرر في الجرائم المالية ذات الطابع الشخصي خاصة في جنايات السرقة المهمة او جرائم النصب والاحتيال اذا تصرف الجاني في المال.
ولان التحقيق المالي الموازي هو احد الإجراءات التي تلجأ اليها محاكم التحقيق عند المباشرة بإجراءات التحقيق في الجرائم المالية الأصلية، والذي يتناول مصير المال الذي حصل عليه الجاني ومتابعته وفيما اذا نتج عن ذلك تحقق جريمة غسل الأموال وذلك من خلال اتخاذ سلسلة من الإجراءات التحقيقية، وذلك بالبحث عن اموال المتهم ومطابقة ذلك مع مصادر دخله الحقيقي في حال عدم إقرار المتهم بانه تصرف بذلك المال، فإذا ثبت أن هنالك زيادة في اموال المتهم لا تتناسب مع مصادر دخله يكلف المتهم بإثبات تلك الزيادة، فاذا عجز عن ذلك يعتبر ذلك دليلا على تحقق جريمة غسل الأموال وفق المادة ٣٦ من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب رقم ۳۹ لسنة ٢٠١٥، ويتم اتخاذ الاجراءات القانونية عن هذه القضية بشكل مستقل عن القضية الأصلية التي تم اجراء التحقيق فيها.
وبذلك فان التحقيق المالي المركزي يعتبر ضمانة لعدم تهريب المال الذي حصل عليه الجاني من الجريمة الأصلية لان اغلب المتهمين في قضايا الجرائم المالية يقومون بمحاولة اضفاء الصفة الشرعية على ذلك المال من خلال القيام بسلسلة من التصرفات من خلال شراء عقار أو منقول أو نقل المال إلى أشخاص آخرين.
والسؤال المثار هو ما مصير القضية المفردة من القضية الأصلية عند اكتمال التحقيق فيها قبل إكمال التحقيق في القضية الأصلية؟ هل يتم حسم القضية التي تخص جريمة غسل الأموال قبل حسم القضية الأصلية؟
الرأي الراجح هو أن يتم استئخار هذه القضية لحين حسم القضية الأصلية؛ لان الفصل فيها متوقف على الفصل في القضية الأصلية، وتختلف الإجراءات التحقيقية الخاصة بالتحقيق المالي الموازي عن الإجراءات التحقيقية في قضايا الكسب غير المشروع وفق المادة (۱۷) من قانون هيئة النزاهة رقم (۳۰) لسنة ۲۰۱۱ المعدل، والمتضمن حصول زيادة في أموال الشخص المكلف لا يتناسب مع مصادر دخله.
ونجد أن الفرق هو أن التحقيق في قضايا الكسب غير المشروع يتم ابتداءً ضمن قضية اصلية سواء شكوى او اخبار عن شخص حصل تضخم في امواله، ويتم تكليفه اولا بإثبات مصادر الزيادة، وفي حالة عجز عن ذلك يتم اعتباره متهم وفق المادة (19) من القانون اعلاه، بينما في قضية غسل الاموال الناتجة عن التحقيق المالي الموازي والتي يتم فردها من قضية اصلية تخص الجريمة المالية المرتكبة من المتهم.
وحيث انه في جريمة تضخم الاموال لا يشترط تحقق جريمة مالية نتج عنها تضخم الاموال وانما قد يتم محاسبة الجاني عن عدم اثبات مشروعية الزيادة في أمواله فقط.
لذلك تعتبر الاجراءات التحقيقية الخاصة بالتحقيق المالي الموازي ضرورة لا غنى عنها لضمان عدم تهريب المال واسترداده خاصة ان التأخير في تلك الاجراءات تودي الى صعوبة استرداد المال المتحصل من الجريمة لان جرائم غسل الاموال او ما يسمى دوليا (تبييض الاموال) اصبحت جريمة دولية تتطلب التعاون الدولي للسيطرة على انتقال الاموال وذلك لكونها تتنقل عن طريق المصارف الدولية والتي لها خاصية عدم الإفصاح عن المعلومات التي تخص الاشخاص الذين يتعاملون مع هذه المصارف لذلك تظهر أهمية اجراءات التحقيق المالي الموازي ولذلك اصبح ضرورة لا غنى عنها في الوقت الحالي.
أقرأ ايضاً
- جريمة الامتناع عن معاونة السلطات التحقيقية في القانون العراقي
- العملة الرقمية في ميزان الإعتبار المالي
- ماهو مصير من ارتكب هذه الجرائم النكراء في غزة ؟؟؟