- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
في رحاب باب الحوائج موسى كاظم الغيظ
بقلم : عبود مزهر الكرخي
الإمام موسى الكاظم والذي يعرف أيضاً بــ(موسى كاظم الغيظ)وهو من سابع أئمة أهل البيت(صلوات الله عليهم أجمعين)، وهو أحد أعلام الهداية والذي هو خليفة الأرض في زمانه وأحد الرموز الربانية في مسيرة الإسلام، وهو شمس من شموس المعرفة والعلم في دنيا البشرية، والتي لا تزال ولحد الآن تشع بالنور والبهاء في الوجود..، وهو من عترة أهل البيت الطاهرة الذين أستمد علمه وفيضه الإلهي من نور نبينا الأكرم محمد(صل الله عليه وآله وسلم)والذي ورث مواريث الأنبياء وخزائن علوم الأولين والأخرين، وخصه بمحكم التنزيل، وجعلهم قدوة لأولي الألباب وسفناً للنجاة وأمناً للعباد وأركاناً للبلاد...وهو من تلك النسلة الطاهرة والشجرة النبوية الباسقة والدوحة الهاشمية العلوية، ومحطّ علم الرسول وباب من أبواب الوحي والإيمان ومعدن من معادن علم الله، وباب من أبواب الحوائج إلى الله، والذي عند أهل بغداد بـ (أسد بغداد) وطبيب الشيعة، والذي كرامته لا تعد ولا تحصى لكل من طرق باب العتبة الكاظمية المقدسة والتي هي أحدى مساجد الله المقدسة والتي يذكر فيها اسمه بالغدو والآصال كما جائ في محكم كتابه { في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال } (1).
وهو أحد سفن النجاة والتي من ركب هذه السفينة نجا ومن تخلف عنها هلك كما جاء في حديث السفينة للرسول الأعظم محمد(صل الله عليه وآله) بقوله : { مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، فمن قوم نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك، ومثل باب حطة في بني إسرائيل }(2) .
ومدة إمامة موسى الكاظم(عليه السلام)هي كانت ثلاثة عقود من عمره المبارك والحكم العباسي لما يستفحل بعد أن كان في كنف أبيه الإمام جعفر الصادق ولمدة تقريباً عقدين من السنين، وقد عانى من ضغوط وتعسف وإرهاب الحكم العباسي الشيء الكثير، عاصر الإمام الكاظم عليه السلام أكثر حكّام بني العبّاس دمويّة وأكثرهم بطشاً حيث كانت دولتهم في مراحلها الأولى يسعى القائمون عليها لتثبيت مُلكهم من خلال قمع مَن يخشونه عليه. ومن نتائج هذا الطغيان العبّاسي أن الإمام الكاظم عليه السلام تعرّض لمحاولات عديدة للقتل – فضلاً عن السجن وفترات الإقامة الجبرية – كانت تُنجيه منها العناية الربانية.
وقد شهد سيدي ومولاي الامام الكاظم في حياته الكثير من الوان العذاب والظلم وقبل امامته والذي كانت تمارسه السلطة العباسية ضدّ بني هاشم، وكان الاضطهاد يمارس وبالخصوص تجاه أهل البيت، وأول حكام بني العباس الذين عاصروا الإمام في إمامته هو منصور الدوانيقي، والذي عرف بالبطش والقسوة، ولا يتورع عن فعل اي شيء في سبيل تثبيت حكمه الجائر، فأباد حتّى أعمامه وإخوته أو أخضعهم، طوال حكمه الذي استمرّ ثلاثاً وعشرين سنة، فضلاً عن تنكيله بالعلويّين. ففي (عيون أخبار الرضا عليه السلام): «لما بنى المنصور الأبنية ببغداد، جعل يطلب العلويّين طلباً شديداً، ويجعل من ظفر منهم في الأسطوانات المجوّفة المبنية من الجصّ والآجر، ومن مثالب هذا الطاغوت أنه شدّد في النهي في الرواية عن فضائل أمير المؤمنين(عليه السلام)، وعاقب من يرويها، كما أصدر مرسوماً أمر فيه بتعظيم خصوم أمير المؤمنين عليه السلام. وقد آلت الأمور أخيراً إلى اقتراف المنصور جريمته الكبرى بقتل الإمام الصادق عليه السلام بالسمّ في عام 148 للهجرة (3).
المنصور يحاول قتل الإمام الكاظم عليه السلام
وتشير المصادر في أنه قال مشافهةً للإمام الصادق : " لأقتلنك ولأقتلن أهلك حتى لا أبقي على الأرض منكم قامة سيف ، ولأضربن المدينة حتى لا أترك فيها جداراً قائماً . ويقول الطبري في تاريخه : إن المنصور هذا ترك خزانة رؤوس ميراثاً لولده المهدي كلها من العلويين ، وقد علق بكل رأس ورقة كتب فيها ما يستدل به على صاحبه ومن بينها رؤوس شيوخ وشبان وأطفال ! والمنصور هو الذي كان يضع العلويين في الأسطوانات ويسمرهم في الحيطان كما ذكر اليعقوبي في تاريخه ويتركهم يموتون في المطبق جوعاً وتقتلهم الروائح الكريهة ، حتى لم يكن لهم مكان يخرجون إليه لإزالة الضرورة . وكان يموت أحدهم ويترك حتى يبلى من غير دفن ثم يهدم المطبق على من تبقى منهم أحياء وهم في أغلالهم " (4) .
وتذكر المصادر التاريخية أنّ المنصور الدوانيقي أنه حاول قتل الإمام الكاظم عليه السلام مرّتين؛ إحداهما في حياة أبيه الإمام الصادق عليهما السلام.
فقد روى في (الدّرّ النظيم) لابن حاتم العاملي عن قيس بن الربيع، عن أبيه، قال: «دعاني المنصور يوماً وقال: أما ترى ما هو ذا يبلغني عن هذا؟ قلت: ومن هو يا سيّدي؟ قال: جعفر بن محمّد، والله لأستأصلنّ شَأْفَتَه. ثمّ دعا بقائدٍ من قوّاده فقال له: انطلق إلى المدينة في ألف رجل فاهجم على جعفر بن محمّد وخذ رأسه ورأس ابنه موسى بن جعفر!..». ولكن شاءت العناية الإلهية أن ينجو الإمامان عليهما السلام من هذه المؤامرة بمعجزة ربّانية.
المرّة الثانية: بعد شهادة الإمام الصادق عليه السلام مباشرة، حيث أرسل المنصور إلى واليه على المدينة، يقول له: «أنظر إن كان أوصى [أي الصادق عليه السلام] إلى شخصٍ فاقتله وابعث إليَّ برأسه !
فجاءه الجواب أنّ الإمام الصادق عليه السلام أوصى إلى خمسة نفر: المنصور نفسه، ومحمّد بن سليمان (والي المنصور على المدينة)، وعبد الله وموسى ابنَي جعفر الصادق عليهما السلام، وحميدة زوجته.
فقال المنصور: ليس إلى قتل هؤلاء من سبيل (5).
الإمام الكاظم عليه السلام والمهدي العبّاسيّ
كان موكب المنصور في طريقه إلى الحج سنة 158، فأخبر الإمامُ الكاظم عليه السلام بأنّه سيموت قبل أن يصل إلى مكّة، وقال: لَا وَاللهِ، لَا يَرَى بيتَ اللهِ أبداً!
قال أبو حمزة الثّمالي: «فلما نزل بئر ميمون أتيتُ أبا الحسن عليه السلام فوجدتُه في المحراب قد سجد فأطال السجود، ثمّ رفع رأسه إليَّ فقال: أخرجْ فانظُرْ مَا يقولُ النّاس! فخرجتُ فسمعتُ الواعيةَ على أبي جعفر، فرجعتُ فأخبرتُه، فقال: الله أكبر، ما كان ليَرى بيتَ الله أبداً»!
وبايع الناس ابنه محمّداً بعده. وكان الخليفة الجديد – لقّبه أبوه بالمهدي - فتًى مترفاً يتجاهر بشرب الخمر ومجالس الغناء.
وقد اعترف الذهبي، وهو المتعصّب لبني أميّة وبني العبّاس، بأنّ المهدي العبّاسيّ كغيره من خلفائهم منهمكٌ في شهواته. قال في (تاريخه): «والمهدي كغيره من عموم الخلائف والملوك، له ما لهم وعليه ما عليهم، كان منهمكاً في اللذات واللهو والعبيد.
خفّض المهدي قليلاً قرار أبيه بإبادة العلويّين، ولكنّه ظلّ يبغضهم ويعتبرهم أخطر أعداء العبّاسيّين، ويدلّ على ذلك تعامله مع الإمام الكاظم عليه السلام. قال ابن شهراشوب في (مناقب آل أبي طالب): " لما بويع محمّد المهدي دعا حميد بن قحطبة نصف الليل وقال: إنّ إخلاص أبيك وأخيك فينا أظهر من الشمس، وحالك عندي موقوف ".
فقال: أفديك بالمال والنفس، فقال: هذا لسائر الناس. قال: أفديك بالروح والمال والأهل والولد، فلم يُجبه المهدي، فقال: أفديك بالمال والنفس والأهل والولد والدِّين!
فقال: " لله درّك! فعاهده على ذلك، وأمره بقتل الكاظم عليه السلام في السحر بغتةً! فنام فرأى في منامه عليّاً عليه السلام يشير إليه، ويقرأ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ (6)، فانتبه مذعوراً، ونهى حميداً عمّا أمره، وأكرم الكاظم عليه السلام ووصله "(7).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ [ النور : 36 ].
2 ـ كنز العمال: 34170. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٣ - الصفحة ١٢٤. منشورات المكتبة الشيعية. الطرائف: ٣٢. العمدة 187 و 188. المناوي - فيض القدير شرح جامع الصغير - حرف الهمزة الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة:( 519).
3 ـ جواهر التاريخ ( سيرة الإمامين محمد الباقر وجعفر الصادق ع ). المجلد الخامس. الطبعة الأولى 1428. ص 492.
4 ـ کتاب : نظريّة عدالة الصّحابة والمرجعيّة السياسيّة في الإسلام المؤلف : احمد حسين يعقوب الجزء : 1 صفحة : 136. راجع مناقب ابن شهر آشوب ج ٣ ص ٣٥٧ ، والبحار ج ٤٧ ص ١٧٨. حياة الإمام الرضا (ع) - السيد جعفر مرتضى – منشورات المكتبة الشيعية. الصفحة ٨٧.
5 ـ كتاب الإمام الكاظم ( ع ) سيد بغداد نویسنده : الشيخ علي الكوراني العاملي جلد : 1 صفحه : 84. الدر النظيم الشيخ جمال الدين يوسف بن حاتم بن فوز بن مهند الشامي المشغري العاملي. مؤسسة النشر الاسلامي. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩١ - الصفحة ٢٧٩.
6 ـ [ محمد :22].
7 ـ وقد روت عامّة المصادر عزمَ المهدي العبّاسيّ على قتل الإمام عليه السلام وخبر منامه المتقدّم؛ كـ (تاريخ بغداد)، و(تهذيب الكمال)، و(سِيَر) الذهبي و(تاريخه)، و(صفة الصفوة)، و(المستطرف)، و(الفصول المهمّة).
أقرأ ايضاً
- إدمان المخدرات من أسباب التفريق القضائي للضرر
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً
- بابل في بضعة أمتار !