- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
مؤمن الطاق محمد بن علي بن النعمان (ت 180 هـ)
بقلم الباحث : م. م. مهدي نعمة علي الجنابي
المقدمة :ـ
البحث هذا يتحدث عن حياة مؤمن الطاق والمُسمى من قبل البعض باسم شيطان الطاق ، وتم فيه ذكر اسمه والقابه وعلاقاته بمعاصريه من ائمة اهل البيت (ع) ومنزلته العلمية عند الامام الصادق(ع) وحقيقة اتهامه بالتجسيم ، ثم الوقوف على تاريخ وفاته .
وتم الاعتماد على مجموعة من المصادر لتغطية معلومات البحث لعل من اهمها اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي للشيخ الطوسي المتوفى سنة 460هـ فهذا المصدر يتكلم عن الرجال وفيه يتبيّن معرفة مدى قرب مؤمن الطاق من الامام الصادق (ع) وثقة الامام به من خلال تقديمه لمناظرة الخصوم، إضافة الى كتاب رجال الطوسي الذي افادنا في معرفة معاصرة مؤمن الطاق للائمة أهل البيت (ع) .
وقد تلقب محمد بن علي بن النعمان بالعديد من الالقاب ، فكان لابن النديم (ت 438هـ)في الفهرست ، ولابن الغضائري (ت450هـ) في الرجال وللنجاشي (ت450هـ) في رجاله ، وللذهبي (ت748هـ ) في تاريخ الإسلام ، ولابن حجر (ت852هـ) في نزهة الالباب ، دوراً في تسليط الضوء على ذلك .
اما المصادر التي تخص الفرق الإسلامية ، منها فرق الشيعة للنوبختي (ت310هـ)ومقالات الإسلاميين للأشعري (ت324هـ) والفرق بين الفرق للبغدادي (ت429هـ ) والفصل في الملل والاهواء والنحل للظاهري (ت465هـ)والملل والنحل للشهرستاني (ت548هـ)، حيث اتهم البعض منها مؤمن الطاق بالتجسيم وفند الاخر هذه التهمة استناداً الى حقائق عقائدية .
اولاً: اسمه وألقابه :ـ
هو محمد بن علي بن النعمان(1) بن ابي طريفة البجلي الكوفي(2) يكنى ابا جعفر الاحول (3) يلقبه الشيعة مؤمن الطاق وصاحب الطاق ، (4) وميمون الطاق وشاه طاق(5) ويلقبه الامام الصادق (ع) احياناً بالطاقي ،(6) وهناك من يلقبه بشيطان الطاق ،(7) وهو القائل :-
ولاتــك فـي الاخـــلاء مفرطـــاًوان انت ابغضت البغيض فاجمل
فانك لاتدري متى انت مبغض صـديقك او تعــذر عـدوك فـاعــقل (8)
واما معنى مؤمن الطاق لغوياً فيقول الفيروز ابادي (9) هو ماعطف من الابنية جمعه طاقات وطيقان واطواق ، وقيل هو في طوقي أي في وسعي ، وطوقني الله حقه أي قواني(10) ، وذكر الزبيدي(11) ان الطاق في اللغة من طوق وهو حلي يجعل للعنق ، وكل استدير بشيء فهو طوق .
وعن سبب تلقيبه بشيطان الطوق ، ولكي يتسنى لنا معرفة الحقيقة وراء ذلك ، وجدنا من الضرورة بمكان الاسترشاد بكل معلومة قد تفيدنا في هذا المجال وهنا نجد ان التنوخي(12) قد اورد مفردة قريبة من (شيطان) وهي (شيطين) وقال انها موضع بين البصرة والكوفة ، واما البغدادي (13) فقال ان (شيطان) محلة بالكوفة تنسب الى بطن من تميم .
وتم ايراد هاتين المعلومتين لارتباطهما بالكوفة - موطن المترجم له - من جهة،كذلكلقربهما من مفردة (شيطان) من جهة اخرى ، الا ان الذي يبدو ان سبب تلقيب محمد بن علي بن النعمان بشيطان الطاق لايعود الى ماذكراه التنوخي والبغدادي ، فالأول ذكر مفردة (الشيطين) وهو موضع لو انتسب اليه ابن النعمان لكان لقبه (الشيطيني) بعد اضافة ياء النسب وليس شيطان ، واما البغدادي فذكر اسم (شيطان) وهي محلة بالكوفة ولو افترضنا ان ابن العنمان من ابناء هذه المحلة ولقبه يعود اليها ، لكان قد لقب (بالشيطاني) نسبة الى المنطقة ، ومما تقدم يتضح لنا ان الاحتمالان مستبعدان .
وحول سبب تلقيب محمد بن علي بن النعمان بشيطان الطاق يوجد هنالك رأيان يقول الاول ان المترجم له كان صيرفيا (14) له دوكان بطاق المحامل بالكوفة ، فيرجع اليه في النقد ، فيرد رداً يخرج كما يقول ، فيقال شيطان الطاق ، وذات يوم شكوا في درهم فعرضوه عليه ، فقال (ستوق) (15) ، فقالوا ماهو الا شيطان الطاق(16) ولعل المراد هنا انه يسألون عن مقدار النقد وكيفيته ، إذ كان صيرفياً يجيب بالتخمين ، فلا يخالف حدسه بعد التحقيق(17) .
اما الراي الثاني فمفاده ان الامام ابي حنيفة النعمان هو الذي اطلق عليه هذا اللقب لمناظرة جرت بين مؤمن الطاق واحد الخوارج بحضور ابو حنيفة كانت الغلبة فيها لمؤمن الطاق(18) .
ويبدو مما تقدم ان هذا اللقب لايراد به الذم، بل يعود الى سرعة بديهيته ودقة ملاحظته وكياسته العالية، وبالرغم من ذلك يذكر الزركلي(19) ان من مؤرخي الشيعة من يرى في هذا اللقب انتقاصاً منه، ولذلك يلقبونه بمؤمن الطاق، ومما يدعم وجهة نظرنا السابقة نجد ان مؤمن الطاق يطلق هذا اللقب على نفسه بنفسه عندما يتغلب على بعض خصومه الذين اختلف معهم في النقد، وهذا ما ذكره ابن النديم(20) والصفدي(21) وابن حجر(22) فلو كان يشكل انتقاصاً لما انتحله لنفسه ونميل الى الراي الاول .
ثانيا : علاقته بأئمة أهل البيت (ع) :ـ
كان مؤمن الطاق ممن عاصر اكثر من امام من ائمة البيت (ع) فذكر ابن النديم (23) ان مؤمن الطاق هو من اصحاب الامام الصادق (ع) يؤيده في ذلك الطبرسي(24) والاربلي(25) ، وقال النجاشي(26) ان مؤمن الطاق ممن روى عن الائمة علي بن الحسين السجاد ، ومحمد بن علي الباقر ، وجعفر بن محمد الصادق (ع) ، ويتفق معه على هذا الراي عدد من الرجاليين واصحاب التراجم والسير(27) اما ابن شهر آشوب(28) فذكر انه من أصحاب الإمامين الباقر والصادق(ع) وقد وثقه الشيخ الطوسي(29) وعده تارة في الفهرست من اصحاب الامام جعفر الصادق (ع) ، واخرى في الرجال من اصحاب الامام موسى الكاظم ، بينما نجد ان العلامة الحلي(30) يصنفه من اصحاب الامام الكاظم ، اما الجواهري(31) فقد عده من اصحاب الامامين الصادق والكاظم .
ويبدو مما تقدم ان مؤمن الطاق كان ممن ادرك الامام علي بن الحسين (السجاد) ومن بعده الامامين محمد الباقر وجعفر الصادق وبقي حتى زمان الامام الكاظم ، كما اكد ذلك النوبختي(32)بانه بلغ درجة عالية من النبوغ العلمي في زمان امامة الإمام جعفر الصادق (ع)، ويتضح ذلك جلياً من خلال كثرة المواقف والنصائح التي قدمها الامام الصادق اليه ، فضلاً عن ثقة الامام العالية بقدرات مؤمن الطاق من خلال الاعتماد عليه في الخصومات والمجادلات التي دافع فيها عن الدين والمذهب .
ثالثاً :علمه :ـ
تمتع مؤمن الطاق بإمكانيات علمية عالية يشار اليها بالبنان حتى شهد له بذلك الكثير ومنهم استاذه الاول الامام جعفر الصادق ، وبهذا الخصوص قال الخراساني(33) عنه ((وكان من الفصحاء والبلغاء ومن لايطاول من النظر والجدل في الامامة ، وكان حاضر الجواب)) ، وجاء عن الشيخ الطوسي(34) قوله (( كان حاذقاً حاضر الجواب)) وتناول ابن داود(35) ذكر علمه فقال ((له من العلم وحسن الخاطر والفضل والدين منزلة عالية)) ، اما الاردبيلي(36) فقال عنه ((كان كثير العلم حسن الخاطر)) .
كان الامام الصادق (ع) يأمر اصحابه دائماً بالابتعاد عن المجادلات والكف عن الخصومات ، وفي هذا المجال قال ((ان الكلام والخصومات تفسد النية وتمحق الدين))(37) وفي هذا الجانب وجدنا في وصية ذكرها الحراني(38) ان الامام الصادق (ع) قال لمؤمن الطاق ((اياك والجدال ، واياك وكثرة الخصومات فإنها تبعدك عن الله)) ، بينما نجد الامام في مواضع اخرى يرسم لمؤمن الطاق الاطار العام للتخاصم والجدال ، فيذكر الشيخ الطوسي(39) ان مؤمن الطاق دخل على الامام الصادق (ع) فقال له الامام : (( بم تخاصم الناس ، فاخبره بما يخاصم فقال له الامام خاصمه بكذا وكذا)) ، بل ونجده احياناً يأمره بالكلام والجدال ، ويمتدحه على ذلك(40)، ويبدي له اعجابه الكبير به لإجادته لهذا الامر ، فيقول له عند تفوقه على الخصوم ((والله لقد سررتني))(41)
ومن جانب اخر نجد ان الامام الصادق قد مدح مؤمن الطاق في مواضع عدة بسبب علميته وقدرته البارعة في الكلام والجدال دفاعاً عن المذهب ، وبهذا الخصوص ذكر الشيخ الكليني(42) قول الامام الصادق (ع) لاحد اصحابه (( انت والاحول قفازان حاذقان))، وهي شهادة عظيمة من لدن الامام له بالحذاقة ، وقال بحقه الامام ايضاً مع مجموعة من اصحابه بانهم احب الناس اليه احياءً وامواتاً(43).
وهنا قد يبدو للقارئ تناقضاً بين نصيحة الامام الصادق لمؤمن الطاق بالكف عن الجدال والتخاصم ، وبين توجيهاته له بكيفية الجدال والتخاصم بل ويأمره احياناً بذلك ، وبهذا الخصوص توجد رواية عن ابي خالد الكابلي(44) قد توضح لنا هذا الامر نصها : ((رأيت ابا جعفر صاحب الطاق وهو قاعد في الروضة ، وقد قطع اهل المدينة ازراره ، وهو دائب يجيبهم ويسالونه ، فدنوت منه ، فقلت : ان ابا عبد الله (ع) ينهانا عن الكلام ، فقال : امرك ان تقول لي ؟ فقلت لا ، ولكنه امرني ان لااكلم احداً ، فقال :- اذهب فأطعه فيما امرك ، فدخلت على ابي عبد الله ، فأخبرته بقصة صاحب الطاق وماقلته له ، وقوله لي : اذهب فأطعه فيما امرك ، فتبسم ابو عبدالله (ع) وقال : يا ابا خالد ان صاحب الطاق يكلم الناس فيطير وينقض ، وانت ان قصوك لن تطير))(45) .
ويعلق الشيخ البروجردي (46) على كلام الامام الصادق بحق مؤمن الطاق قائلاً ((هو كناية عن مهاراته في المناظرة وكياسته في المباحثة ، ذو فطانة قوية ، مأمون من الخطل ، وان باحث مع مخالف لم يضل ، ولن يضل ابداً ، فالمنع من التكلم مخصوص بمن ليس له هذه المرتبة ويلتبس عليه الامر بأدنى عارض شبهة)) .
وقد مدحه الامام الصادق عندما تغلب في المناظرة على زيد بن علي بن الحسين(47) بقوله ((اخذته من بين يديه ، ومن خلفه ، فما تركت له مخرجاً))(48) وهنا يتضح ان الامام الصادق (ع) كان على معرفة ودراية عميقتان بإمكانيات وقدرات اصحابه والفروق الفردية بينهم ، ولذلك نجده يوظف كل منهم حسب علميته فهو بحاجة الى رجال يعتمد عليهم ويثق بتغلبهم على الخصوم ولذلك يشجع البعض وينهى البعض الأخر عن الجدال والتخاصم .
ولم تقتصر علمية مؤمن الطاق على المجادلات والمناظرات مع الخصوم بل ترجمها الى العديد من المؤلفات ، نذكر منها كتاب الامامة ، وكتاب المعرفة ، وكتاب الرد على المعتزلة في امامة المفضول ، وكتاب الجمل في امر طلحة والزبير وعائشة ، وكتاب اثبات الوصية ، وكتاب افعل ولاتفعل(49)
ونحن حقيقة لانعلم ما هو مصير هذه الكتب فلم يصل الينا أي كتاب مطبوع ولم نسمع باي مخطوط لها لحد الان ولعلها قد أتلفت او ضاعت حالها حال العديد من كتب ومؤلفات الامامية التي لم يكتب لها الظهور والانتشار لأسباب قد تكون سياسية .
اما ما جاء في قدحه فقد ذكر الشيخ الطوسي(50) روايتان قد وضعهما تحت عنوان ماورد في مؤمن الطاق من الذم ، جاء في الاولى ((دخل على الامام الصادق يوماً احد اصحابه فقال له الامام : مافعل صاحب الطاق ، اما بلغني انه جدل وانه تكلم في تيم قذر؟ قلت اجل هو جدل ، قال اما انه لو شاء ظريف من مخاصميه ان يخصمه فعل ، قلت كيف ذلك ؟ قال : يقول له اخبرني عن كلامك هذا من كلام امامك ؟ فان قال نعم كذب علينا ، وان قال لا ، قال له : كيف تتكلم بكلام لم يتكلم به امامك ، ثم قال انهم يتكلمون بكلام ان اقررت به ورضيت اقمت على الضلالة ، وان برئت منهم شق علي ، نحن قليل وعدونا كثير ، قلت جعلت فداك ، فابلغه عنك ذلك؟ قال : اما انهم قد دخلوا في امر ما يمنعهم من الرجوع عنه الا الحمية قال فأبلغت ابا جعفر بذلك فقال : صدق بابي وامي ، ما يمنعني من الرجوع عنه الا الحمية)) .
وبهذا الخصوص علق صاحب المعالم(51) على هذه الرواية بقوله ((ان ظاهر كلام الامام الصادق راجع الى ايثار التقية في ترك اصحابه للخوض في الكلام ، واما قوله : ما يمنعهم من الرجوع عنه لا الحمية ، فهو اشارة الى ان الكلام المشار اليه لم يقارنه بنية الاخلاص)) واما السيد الخوئي(52) فيعلق على هذه الرواية قائلاً ((ان هذه الرواية تدل على انه كانت هنالك مناظرات لمؤمن الطاق مبنية على الجدل ، وقد يناظر الخصم بالقياس ، وهذا النحو من الكلام غير مرضي عند الامام الا اذا كانت الضرورة مقتضية له ، وقد كانت الضرورة دعت مؤمن الطاق الى ذلك كما صرح في رواية إلى أبي مالك الاحمسي(53) ، وكان ذلك موجباً لسرور الامام ، ولعل هذا المراد بقول مؤمن الطاق في نهاية الرواية السابقة صدق بابي وامي مايمنعني من الرجوع عنه الا الحمية ، يريد بذلك انه في نفسه لأريد ان يتكلم بالجدل ، الا ان الحماية عن الدين والعصبية له دعته الى ذلك )).
اما الرواية الثانية فقد جاء فيها عن احد اصحاب الامام الصادق قوله ((قال ابو عبد الله ايتِ الاحوال فمره ان لايتكلم، فأتيته في منزله ، فاشرف علي فقلت له : يقول لك ابو عبدالله : لاتتكلم ، قال : اخاف الا اصبر))(54) .
مما تقدم يتضح ان هاتين الروايتين لاتدلان على الذم ، بل على العكس فقد كان كلام الامام الصادق مادحاً له اثباتاً لإيمانه العميق ، فما قال بحقه يعد تبريراً لفعله الذي فعله رغم النهي عنه ، ويكفي تفسيراً لما ورد على انه ذم بحق مؤمن الطاق قول الامام الصادق (( اما انهم قد دخلوا في امر ما يمنعهم من الرجوع عنه الى الحمية)) ، وقول مؤمن الطاق ((اخاف الا اصبر)) مصداقاً على ذلك ، أي حرصه على دينة قد يدفعه الى الجدال .
رابعا : معتقده :
اما عن معتقده فقد وضعه كلاً من البغدادي(55) والمقدسي(56) رئيساً لفرقه الشيطانية بقولهما ((فرقة الشيطانية اتباع شيطان الطاق)) ، وقال عنه الذهبي(57) بانه معتزلي شيعي .
وقال المقريزي(58) ((ان فرقة الشيطانية هم اتباع محمد بن علي بن النعمان شيطان الطاق ، وقد شارك المعتزلة والرافضة في جميع مذهبهم ، وانفرد بأعظم الكفر قاتله الله ، وهو انه زعم ان الله لايعلم الشيء حتى يقدره ، وقبل ذلك يستحيل علمه)) .
وعند ذكر فرق المعتزلة نجد ان المقريزي(59) يضع مؤمن الطاق على راس احدى هذه الفرق بقوله ((هو من الروافض وقد شارك كلاً من المعتزلة والروافض في بدعهم ، وقلما يوجد معتزلي الا وهو رافضي ، انفرد بطامة هي ان الله لايعلم الشيء الا ماقدره واراده ، واما قبل تقديره فيستحيل ان يعلمه ، ولو كان عالماً بأفعال عباده لاستحال ان يمنحهم ويختبرهم)).
ومما تقدم يتضح ان المقريزي وضع مؤمن الطاق تارة رئيساً لفرقة الشيطانية ، واخرى جعله فيها على راس احدى فرق المعتزلة ، وقد علق السيد محسن الامين(60) على ذلك فقال ((والذي زعم انها تنسب اليه الشيطانية ، لم يخلقها الله تعالى ، وهو من اصحاب الامام موسى الكاظم ولقب بشيطان الطاق لأنه كان صيرفياً بطاق المحامل بالكوفة ، وكان يرجع اليه النقد ، فيخرج كما ينقد ، فيقال شيطان الطاق مبالغة في حذقه ، واصحابه يلقبونه مؤمن الطاق ، واما جعله رئيساً لفرقة من المعتزلة فطريف جداّ وفيه من الخبط والخلط مالا يخفى ، كقوله : قلما يوجد معتزلي الا وهو رافضي ، فالرجل امامي اثنى عشري واين الامامي من المعتزلي ، ولكن عدم المبالاة بالكذب والاختلاق يجر الى اكثر من هذا ، ولاشيء اعجب من جرأته على هذا الرجل العظيم بالشتم والنسبة اعظم الكفر بدون مبرر الا قلة في الحياء ورقة في الدين)) .
اما الاشعري(61) فعند حديثة عن الاستطاعة قال ان الشيعة واسماهم الروافض اختلفوا في الاستطاعة ، وان اصحاب شيطان الطاق يقولون ((في الاستطاعة قبل الفعل وهي الصحة وبها ستطيع المستطيع ، فكل صحيح مستطيع ، وكان شيطان الطاق يقول لايكون الفعل إلا أن يشاء الله ، وعند النظر والقياس قال الاشعري يزعم اصحاب شيطان الطاق ان المعارف كلها اضطرار، وقد يجوز ان يمنعها الله سبحانه بعض الخلق فاذا منعها بعض الخلق ، واعطاها بعضهم كلفهم بالإقرار مع منحه اياهم المعرفة)) .
وقد اتهم مؤمن الطاق بالتشبيه ، قال الرازي(62) ((فرقة الشيطانية اتباع شيطان الطاق وهم يزعمون ان الباري تعالى مستقر على العرش والملائكة يحملون العرش ، وهم وان كانوا ضعفاء بالنسبة الى الله تعالى ، ولكن الضعيف قد يحمل القوي ، كرجل الديك التي تحمل مع دقتها جثة الديك )) .
وقال السمعاني(63) ((شيطان الطاق تنسب اليه جماعة من غلاة الشيعة يقال لهم الشيطانية من مذهبه التشبيه)) وجاء لدى ابن الاثير(64) نفس هذه المعلومة ، واما بن تيمية(65) فقد نسب القول بان لله جسم الى مؤمن الطاق .
اما ابن حازم الظاهري (66) فذكر ان شيطان الطاق كان شيعياً ، وقال النوبختي(67) ان مؤمن الطاق قد ساق الامامة بعد وفاة الامام الصادق الى ابنه الامام موسى الكاظم (ع) ، ويضيف انه كان من وجوه الشيعة ، واهل العلوم منهم النظر والفقه ، وثبتوا على امامة موسى بن جعفر .
وقد تصدى الشهرستاني(68) لتهمة التشبيه بحق مؤمن الطاق فقال ((هو تلميذ الامام الباقر ، محمد بن علي بن الحسين ، وافضى اليه اسرار من احواله وعلومه ، ومايحكى عنه من التشبيه فهو غير صحيح)) ، وعلق البروجردي(69) ايضا على هذه التهمة بقوله ((ان هذا القول افتراء واضاف ان مؤمن الطاق قد صنف كتباً جمة للشيعة يذكر فيها كبار الفرق ، ويعين فرقة الشيعة بالنجاة في الاخرة من هذه الفرق)) .
ومما تقدم يتأكد لنا بان مؤمن الطاق كان اماميا اثني عشريا وان ماذكر بحقه من قدح هو افتراء محض ، فليس من المعقول ان يغامر الامام الصادق (ع) ويعتمد على معتزلي لايعتقد بمذهب اهل البيت ، فيضعه واجهة له في المناظرات يدافع عن المذهب ، ويمتدحه الامام على ذلك ، فلم تكن فرقة الامامية الاثني عشرية يوماً عيالاً على اية فرقة اسلامية اخرى ، فقد امدها ائمة اهل البيت بطاقات ثرية من البحوث الكلامية ، فضلاً عن ان لمؤمن الطاق مؤلفات عدة كما ذكرنا سابقاً ومنها ماذكره الطهراني(70) وهو كتاب الرد على المعتزلة في امامة المفضول فلا يعقل ان يكون معتزلي المذهب والمعتقد ويؤلف كتاباً يرد فيه على ما يعتقده من افكار ، اما تهمة التشبيه والتجسيم فهي الاخرى مستبعدة وغير مقبولة ، حيث لم ترد على لسان احد أئمة اهل البيت ، وهو احد تلامذتهم المقربين والمفضلين في عصره .
خامسا : وفاته :
اختلف المترجمين لمؤمن الطاق بتاريخ وفاته حيث هناك روايتان بهذا الخصوص فيذكر الصفدي (71) وصاحب توضيح المقاصد(72) والبغدادي(73)ان مؤمن الطاق توفي بعد عام 180هـ ، اما الرواية الثانية فيذكرها الازهري(74) ومفادها انه توفي سنة 60هـ .
وتبدو الرواية الاولى اصح وادق من الثانية فمؤمن الطاق قد عاصر اربعة من ائمة اهل البيت وهم السجاد والباقر والصادق والكاظم وبذا فمن المنطقي ان يبقى حياً حتى سنة 180هـ ، اما عام 60هـ فيستحيل القبول به حيث ان الامام الصادق لم يولد بعد .