بقلم: عبد المنعم الأعسم
كانت حشود داعش المغيرة من خلف الحدود التركية على الموصل، وغرب العراق العام 2013 الطور الثاني الهمجي من غارات المغول "العثمانية" على بغداد قبل ما يزيد على سبعة قرون من الزمان.. على ان التاريخ يتهجأ نفسه بالكثير من العِبَر، والقليل القليل من الحذر.
والآن، ثمة تقارير ومعلومات دولية وميدانية موثقة تدق نواقيس الخطر حيال عودة بناء ونشاط عصابات داعش الاجرامية، بعد سلسلة الهزائم التي لحقتها منذ تفكيك بؤرة الخلافة الفاجرة في الموصل ثم صلاح الدين والانبار والفلوجة العام 2015 وما تلاها من عمليات تصفية الخليفة المزعوم وقيادات الصف الاول للتنظيم واعتقال الكثير من كوادره، وبخاصة بعد الضربة القاصمة التي تعرضت لها فلول داعش في سوريا واقتحام آخر اوكارها هناك، حيث صار معروفا ان بقايا التنظيم اختارت اسلوب زرع الخلايا النائمة في المناطق التي نشط فيها سابقا وبخاصة في محافظتي كركوك وديالى واطراف بغداد لكن الامر المهم الذي سهل للتنظيم الانتعاش واحياء نشاط خلاياه يتمثل في انشغال الحكومات واحزابها وزعاماتها والقوى الامنية في معارك على السلطة والامتيازات والثروات وما رافق ذلك من استشراء الفساد في مرافق كثيرة من الدولة، وهي البيئة نفسها التي سهّلت نشاط الوحش، وامّنت له استدراج الآلاف من شبان القبائل المهمشين والعاطلين عن العمل وذوى الوطنية السالبة والوعي المنحط.
وينبغي ان نضيف الى اللوحة غياب الستراتيجية الامنية الرادعة لهذا الخطر والاكتفاء بحملات عسكرية متواضعة ومطاردات ذات نتائج محدودة لوحدات من الحشد الشعبي، لا تُقنع المحللين العسكريين بجدواها، عدا عن الملابسات والاحتكاكات التي ترافقها مع سكان القرى، هذا الى جانب غياب الاتفاقات الامنية مع دول الجوار التي تحللت جميعها من مسؤولية لجم ومنع النشاطات الحدودية للارهابيين الدواعش، بل ان غالبية دول الجوار تغض الطرف عن تلك النشاطات إن لم تقدم بعض التسهيلات لها ضمن "صفقات تعاون" بين الجانبين، وبعض هذه الدول مصنفة كدول صديقة للعراق.
وبموازاة ذلك تراجعت الدراسات الاستخبارية والاجتماعية الميدانية للتوقف عند اسباب انخراط شباب جدد من ارياف العراق في هذا النشاط الارهابي الذي يدخل في موصوف السادية الاجرامية، وتذهب كارين هورني مؤلفة كتاب "صراعاتنا الباطنية" الى ان "القاتل من هذا النوع يُدرب على عمليات اثارة الذعر بين السكان (المعادين) بقتل كل ممن يلقي به الحظ في طريقه" وتضيف: "مثلما يروض البروفيسور هيغينز شخصية اليزا في رواية (بيجماليون) حيث تبرز قرون الشيطان اذا عبّر الضحية المسالم عن اية اشارة الى انه يرغب في الذهاب في سبيل حاله".
والحال فان "النشاط النوعي" الداعشي الجديد المسكوت عنه، او المستغفل حياله، او المدعوم له، مرشحٌ للتفاعل والتوسع والظهور كقوة هولاكية احتلالية على الارض، وربما ستشكل الطور الثالث لمذابح المغول في العراق، في حال "تُرك الحبل على الغارب" حسب قول الأصمعي البليغ.
استدراك:
"ليست حقيقة الإنسان بما يظهره لك، بل بما لا يستطيع أن يظهره".
جبران خليل جبران