بقلم: عبدالمنعم الأعسم
من دون لف ودوران: منتهى الصفاقة ان يتحدثوا عن مكافحة الفساد ويطلقوا سراح نصاب كبير احتال على الدولة وسطا على أموالها علنا وبوضح النهار، وباعترافه (واعترافهم)، والصفاقة الثانية نتعرف عليها في ذريعة إعطاء النصاب الفاسد «حرية مشروطة» لإعادة المنهوبات الى خزائنها المحروسة جيدا وبرعاية موظفين نزهاء (جداً ايضا) فيما الصفاقة الثالثة تتمثل في استمرار الحديث عن قوانة مكافحة الفساد، وعن تشكيل لجان عليا للتحقيق في مصائر املاك الدولة وعقود التسليح والنفط والكهرباء ومؤونة السجون والمنافذ الحدودية. اما الصفاقة الرابعة، وليس خاتمة الصفاقات، فهي محاولة اقناع الجمهور بان «كبار» المسؤولين مشمولون بمكافحة الفساد التي ستكون «على مسافة واحدة» من جميع العناوين السياسية للمتورطين.
الصفاقة في ادارة الشؤون العامة لا تصل الى هذه الحدود “الصفيقة” في بلد يخوّض عقوداً في دوامة النزاعات والصراعات والانشقاقات الدينية والطائفية والقومية والعقائدية إلا حين تكون محمية من منظومة جهنمية، سياسية قضائية وتشكيلات مسلحة لا سلطة للدولة عليها، ومن جهات خارجية في المقام الاول، ويمكن ان يضاف لها صمت (او ذهول) الرأي العام الذي يتعرض الى ارهاب منظم على مدار الساعة.
والحال، فان الصفيق إذ يرتكب الشنائع يخونك أو يغشك أو يغتابك أو يهاجمك وانت آمن في عقر دارك، لكنه يتصرف كما لو ان العالم ينسى وحتى القريبين من عظم رقبته، ما ارتكبه، وقد يعتبر تلك الموبقات بمثابة خدمات انسانية يلزم ان يُكافأ عنها.
قصة “جيكل وهايد” المعروفة التي الفها الاسكتلندي لويس ستيفنسن قبل قرن ونصف من الزمان تدور حول شخصية احترفت الاحتيال على القوانين والاعراف لكنها (وهنا الصفاقة) تُظهر سلوكا غاية في الطيبة والورع واعمال الخير والعبادة، وفي مسرحية عن القصة يسأل الشاعر: ماذا تخبئ في حقيبتك أيها الوجه الصفيق، أشهادة الميلاد؟ أم صك الوفاة؟ أم واحدة من نياتك الشريرة؟.
نقرأ في معجم المعاني الجامع معنى “الصفاقة” بانها “الجنون الخلقي” وصفيق الوجه: وقح، لا حياء له.. ونقرأ ايضاً: وقح غليظ، ومجامل. مبتسم في الفواجع والافراح معاً، وفي تلك وهذه لا يبالي بمن يفرح، أو من اصابه الاذى، ولا يدخر الصفيق مناسبة دون ان يستغلها في ازجاء الوعود (ونقرأ)؛ تجتمع فيه كل الصفات الدنيئة، لكنه لا يتصرف تحت إملاء تلك الصفات، حيث يُظهر لك نقيضها كلما امعنت النظر في سلوكه الوقح وأفكاره الشريرة. لا يملّ ولا يكلّ عن صناعة الايذاء، لكن يحرص على ان يظهر رحيماً، اليفاً، لا حدود لرغبته في الخدمة والشفقة والمؤانسة وحتى الخِفّة، و(المهم)؛ في إشغال العامة بسلسلة من المفاجآت المسلية والمخَدِّرة.
في السياسة.. حين يمسك الصفيق أقدار البلاد والعموم، فاقرأ عليها.. وعليهم.. السلام.
استدراك:
« المخادع ذئب يبكي تحت أقدام الراعي”.
ألبير كامو
أقرأ ايضاً
- البكاء على الحسين / 4
- عْاشُورْاءُ.. السَّنَةُ الحادِية عشَرَة (14)
- عْاشُورْاءُ.. السَّنَةُ الحادِية عشَرَة (4)