- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
التحديات الاقتصادية للحكومات المقبلة
بقلم: د. بلال الخليفة
العراق بلد ريعي وهذا ويعتمد على الإيرادات النفطية في رفد موازنته العامة الاتحادية لأكثر من 95% رغم وجود أراضي زراعية كبيرة ووجود معامل ومصانع كثيرة متوقفة منذ عام 2003، الغريب بالموضوع ان العراق معظم القادة يقولون بالتنمية لكن لم نرى أي شيء من تلك الوعود.
ان الاعتماد على مصدر واحد من الإيرادات العامة للبلاد في رفد الموازنة هو امر خطير جدا، لان أي مشكلة تقع على ذلك القطاع فانه يأخذ البلد الى حافة الهاوية، من الأمثلة على ذلك ان العراق عانى كثيرا في عام 2014 عندما انخفض سعر برميل النفط الى 27 دولار والذي اقترب آنذاك من كلف انتاجه، حيث أصبحت الحكومة في حرج كبير في تمويل رواتب الموظفين وتمشية الأمور اليومية لحياة المواطنين فذهبت الى الاستقطاعات من رواتب الموظفين.
اما الازمة الأخرى التي تعرض لها العالم بأجمعه والعراق بالخصوص عام 2020 لان يعتمد كليا على النفط هي بأزمة جائحة كورونا، حينما انخفض سعر البرميل كثيرا حتى وصل في بعض الساعات الى السالب، هنا كان التحدي كبير للحكومة، لأنها لم تخطط يوما ما ان الامر سيصبح هكذا، فذهبت لحل المشكلة بعلاجين هما حلول مؤقته أيضا وهما الاقتراض الداخلي والخارجي والحل الاخر هو تخفيض قيمة العملة المحلية فتغير قيمة الدينار من 1182 مقابل الدولار الأمريكي الى 1460 مقابل الدولار الواحد الأمريكي.
الحلول الإستراتيجية هي دائما غائبة، وكل حلولهم هي مؤقته، ان حجم التحديات كبيرة جدا لعدة أسباب منها:
1 – ان حجم الانفاق العام في تزايد كبير فكان حجم الانفاق المخطط في موازنة عام 2004 هو 33 تريليون دينار ثم بدا بالارتفاع 50 تريليون دينار في 2006 ووصل الى 69 في عام 2009 حتى وصل 133 تريليون دينار عام 2019 و129 تريليون دينار 2021 رغم وجود جائحة كورونا.
ان من اهم أسباب زيادة الانفاق العام في الموازنة العامة الاتحادية هي كثيرة منها زيادة المخصصات لرواتب الموظفين والمتقاعدين العسكريين والمدنيين، فان حجم الرواتب من الانفاق العام يكون بحدود 60 % وان حجم الموازنة الجارية الى الموازنة العامة هي بحدود 70 %. وبالرجوع الى الاحصائيات التي تنشرها وزارة التخطيط نلاحظ ان اعداد المتقاعدين يزداد سنويا بحدود 400 ألف سنويا.
2 – ان الحرب الروسية الأوكرانية كانت في صالح الحكومة العراقية لان جعلت أسواق الطاقة ترتفع، فسعر برميل النفط ارتفع من 70 دولار الى أكثر من 120 دولار في بعض الأيام، واوضحنا سابقا ان ذلك الارتفاع أثر بشكل كبير على ارتفاع أسعار معظم السلع عالميا، وبالتالي ان الأسعار كان لها تأثير سلبي على المواطن.
لو فرضنا ان الحرب انتهت، وهذا شيء حتمي، لا توجد بقيت الى الابد، حتى الحرب العالمية الأولى والثانية انتهت وبالتالي مصير الأوضاع ترجع طبيعية وهذا سيعود بالأسعار الى ما كانت عليه قبل الازمة الأوكرانية وسعر برميل النفط بحدود 70 دولار او دون ذلك، وهنا سيكون التحدي الكبير للحكومة القادمة والحكومات التي ستليها، حيث سيكون مجموع الإيرادات العامة وبالذات الإيرادات النفطية غير كافية لتغطية حجم الانفاق الذي يكبر عام بعد عام دون حلول.
ربما ستعمل الحكومات القادمة بالحلول الانية التي اتخذتها الحكومات السابقة وهي تقليل قيمة العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي وزيادة الاستقطاعات من رواتب الموظفين.
التحدي القادم للحكومات هو إيجاد بدائل لرفد الموازنة العامة الاتحادية وبالتالي تقلي اعتمادها على الإيرادات النفطية، لان هبوط الأسعار العالمية دون 75 دولار لبرميل النفط سيضع الحكومة امام تحدي، ولحساب ذلك يكون كالاتي لو كان حجم النفط المصدر هو 3 ثلاث ملايين يوميا لأننا استثنينا حجم الاستهلاك المحلي من النفط الخام وهو بحدود المليون برميل وكذلك حجم ما ينتجه الإقليم وهو بحدود 500 الف برميل سيكون الصافي بحدود الثلاثة مليون وبحسابة على مدى سنه كاملة وبسعر 75 دولار سيكون الإيرادات النفطية المتحصلة هي ١٢٣,١٨٧.٥ مليار دينار أي بعد تحويل الدولار بسعر التصريف الحالي.
للعلم ان موازنة عام 2021 كان حجم الانفاق المخطط لها هو 128.9 تريليون دينار وهو مبلغ أكبر مما يتم تحصيله لو ان سعر برميل النفط 75 دولار. ان الحكومات القادمة ونتيجة الزيادة المطردة في حجم الانفاق وبقاء الاعتماد على رفد الخزينة العامة على الإيرادات النفطية فان العراق سيعاني من ازمة في سداد مبالغ رواتب موظفيه في حال انتهاء الازمة الأوكرانية وهبوط الأسعار العالمية للنفط، وفي حال بقاء نفس الوتيرة الحالية فان عام 2025 ستكون الإيرادات النفطية غير كافية لسد الموازنة التشغيلية التي تكون معظمها رواتب.
الحل هو تقليل الانفاق العام واهم نقطة فيه تقليل الترهل الوظيفي في قطاعاته العامة، الذهاب باتجاه القطاع الخاص بالاستثمار المحلي والاجنبي وبالتالي تقليل الانفاق وتقليل البطالة وخصوصا في القطاعات ذات الانفاق الكبير ومنها الكهرباء.
أقرأ ايضاً
- الشرق الاوسط واحتمالية المواجهة المقبلة !!
- البحث العلمي لمكافحة التصحّر في العراق: ضرورة ملحة لمواجهة التحديات البيئية
- {كوب 28}.. والتحديات المستقبليَّة