- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
*قراءة المجلس الحسيني مناجاة لا هتافات*
بقلم:حسن كاظم الفتال
بسم الله الرحمن الرحيم ( وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ) ـ طه /108 يبدو أن فيما مضى من الزمن الخالي كانت بعض المهام العامة التي يقوم بها الأفراد أو الممارسات المجتمعية أو كل ما له علقة بممارسة العادات والتقاليد التي تخص المجتمع أو حتى ممارسة الشعائر كل ذلك يخضع لضوابط ومعايير محددة . تلك المعايير هي أدبيات تحدد كيفية القيام بالمهام وتلزم القائم بها أو بتأدية بعض الأعمال أن يتقيد بها. لذا كان الكل يأخذ ذلك بعين الإعتبار ويضع ما يحدده المجتمع في الحسبان إن صح التعبير. هذه الضوابط والشروط والمعايير موجودة يلمسها الجميع ويتحسسونها إذ هي تطبق دون أن يخطها أحد على ( يافطة ) أو يضعها على شكل إعلان .أو أن تذاع بوسيلة معينة إنما كان الواقع العام يفرضها ولا يتاح لأحد تجاوزها . ولعل أبرز ما كان يعنى بتلك المعايير والضوابط والشروط غير المعلنة عملية ارتقاء المنبر لإلقاء محاضرة دينية ثقافية أو قراءة مجلسٍ حسيني . لذا فقد كانت صيغة قراءة محاضرة أو قراءة مجلس حسيني تكون أشبه بالمناجاة أو مناغاة المشاعر والأحاسيس وليس بصرخات تخترق الآذان فتصمها. فإن تغذية العقل وتنويره والسعي لنموه وتغذية الروح ينبغي أن يكون بالمناجاة لا بالهتافات أو المناداة. أذكر ذات يوم بينما ارتقى أحد الخطباء المنبر لمح أحدهم بدأ ينظم ويضبط جهاز الصوت واستغرق وقتا لمعالجته وتنظيمه . فسأله الخطيب : ماذا تصنع ؟ أجاب : ( أُصلِح السِماعة) أي مكبرة الصوت . فقال له الخطيب : أنا أريد ( سَماعة ) بفتح السين وليس ( سِماعة ) بكسر السين . أي لا حاجة لي بالجهاز بل أحتاج إلى إصغاء ممن يستمع القول فيتبع احسنه وأنا أسمتع لقراءة معينة في أحدى الليالي الرمضانية قدح زند الذكرى فخطت ومضاته اسم الخطيب الحسيني الشيخ هادي الكربلائي رحمه الله * فهو قد كان طيلة شهر رمضان المبارك وعلى مدى عقود من الزمن يحيي مجلسا داخل الصحن الحسيني الشريف للوعظ والإرشاد ويخصص وقتا قصيرا للنعي بصوت شجي حنين خاشع حزين هادئ منخفض واضعا في الحسبان حرمة الصحن الحسيني الشريف ومراعاة وضع الزوار الذين قدموا لتأدية مراسيم الزيارة وقراءة الأدعية المخصصة لليالي في هذا المكان المقدس. كان يحيي المجلس دون صراخ وضجيج أو تصنع أو بافتعال بتلميحات معينة أو استعراضات للقدرات ودون أن يؤثر في قراءته على أداء أعمال الزائرين الكرام ثم تبعه المرحوم السيد صدر الدين الشهرستاني . ومن بعده المرحوم السيد عبد الجبار الموسوي وهما قد سارا على النهج نفسه فهم جميعا كانوا يحددون وقتا معينا للمحاضرة أو قراءة المجلس والختام بقراءة المراثي الحسينية بصيغة مشوقة بذكر الجانب المأساوي والعاطفي وبدقائق يستشعرون بها الألم والأسى بذكر مصيبة سيد الشهداء عليه السلام ويجتذبون من خلال ذلك دمعة سخية ساخنة تكسب الجميع أجرا وثوابا مما يستدعي أن يزداد الناس اشتياقا للحضور لمجلس اليوم التالي . فيأتونه بشوق وحنين ليتزودوا بما يضيف إلى ثقافتهم ووعيهم * وكذلك اكتساب الثواب .