- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
متى تُعاد هيبة الدولة العراقية ؟
عباس الصباغ
الحقيقة التي لايختلف عليها اثنان ان هيبة الدولة كحاضنة للحكومة وللمجتمع الاهلي (المجتمع ) لاتفرض هيبتها من جهة واحدة فقط دون اخرى ولاتتحمل هذه الجهة المسؤولية في فرض سلطة وهيبة الدولة دون مشاركة فاعلة لبقية العناصر في المسؤولية ، والحكومة التي هي : الهيئة التي تمتلك القوة/الشرعية لفرض الترتيبات والأحكام والقوانين اللازمة للحفاظ على الامن والاستقرار فى المجتمع و تنظيم حياة الأفراد المشتركة، وهي جزء لايتجزأ من بقية عناصر العقد الاجتماعي الاخرى كـ ( المجتمع / المواطن ) التي تتحمّل المسؤولية التضامنية في فرض هيبة الدولة وبتفاعل حضاري واخلاقي وظائفي بين هذه العناصر ، وليس من الانصاف ان نحمّل احد هذه العناصر المسؤولية كاملة ونبرّئ العناصر الاخرى من المسؤولية في عدم الالتفات الى احترام الدولة فجميع عناصر العقد الاجتماعي مسؤولة مسؤولية مباشرة عن فرض هيبة الدولة امام المجتمع الدولي وضمن الاعراف الدولية وامام مواطني هذه الدولة وبما يحقق سمعتها الطيبة بين الدول ويبقى المواطن هو العنصر الاهم في هذه المعادلة لكونه اللبنة التي تتكون منها الاسرة والمجتمع اللذين يشكلان الارضية التي تقوم عليها الحكومة الجزء الاكثر الذي يشكل نواة الدولة .
وبتضافر عناصر العقد الاجتماعي مجتمعةَ تتحقق فكرة الدولة وتفرض هيبتها كقوة عليا مشروعة وملزمة ولكن ليست متسلطة حسب المفهوم الميكافللي للدولة الغاشمة والمتجبرة والعابرة لحقوق الانسان ، واي خلل في تراتبية مفاصل هذا العقد يؤدي الى تخلخل وظيفي وبنيوي بين جميع مفاصل العقد الاجتماعي التي بتضافرها تتحقق فكرة الدولة وهيبتها تماما كما حصل غداة التغيير النيساني الذي لم يكن تغييرا حقيقيا ومأمولا ، ويتجسد هذا الخلل عمليا ونظريا في العراق وتحديدا في المرحلة التي لحقت هذا التغيير ،والى الان حيث مازلنا نعيش تبعات اخطاء وخطايا التأسيس الدولتي الاخير الذي رافق هذا التغيير وهو تأسيس لم يكن ناجحا وموفقا بكل المقاييس الدولتية والحكوماتية في العراق الذي مازال يشهد انعدام الثقة بين جميع اطراف العقد الاجتماعي كلها ومن الممكن ان نصف هذا العقد الهش بانه
(اللاعقد) اجتماعي لعدم توفر الانسجام الكافي ببين جميع عناصره ولايمكن العثور ولو بدرجة مقبولة على اي ترابط وظيفي وفعال بين تلك العناصر فالثقة شبه منعدمة في احسن الاحوال ـ بين المجتمع الاهلي (المجتمع) وبين المجتمع السياسي (الحكومة) وهي في ذات الوقت شبه منعدمة بين عناصر المجتمع السياسي المتشظي والمتآكل بين افراد المجتمع الاهلي نفسه بسبب قيام العملية السياسية على اسس رسّخت من التنافر الحزبي والطائفي والشوفيني والاثني والقوماني بين افراد الطبقة السياسية صاحبة القرار انسحب بدوره سلبا على الشارع ،ولايتحقق عقد اجتماعي ـ الذي يقنن العلاقة بين افراد المجتمع الاهلي من جهة وبين المجتمع الاهلي من جهة وبين الحكومة من جهة ثانية تقنينا وظيفيا حضاريا ـ بدون طرح هذه الثقة فرجل الشارع مازال ينظر الى المجتمع السياسي (الحكومة ) على انه مجتمع غير جدير بأصوات ناخبيه ومخيّب لآماله وغير جدير بثقتهم اساسا ولم تأتِ هذه النظرة السلبية من فراغ بسبب تراكم اخطاء التأسيس الدولتي الفاشل والاخير الذي تمأسست على منواله العملية السياسية المتعثرة ووفق المنهج التحاصصي / التشاركي/ التوافقي وما تسبّب من ويلات الفساد الاداري والمالي والهدر المبرمج للمال العام وتبخر ارقام فلكية منه في جيوب الفاسدين وضياع الكثير من فرص التنمية والتنمية المستدامة والاستقرار والرفاه المعيشي لعموم المواطنين الذين وصلت نسب فقرهم الى دون الهامش المقبول به عالميا في وطن لايعدّ فقيرا او معدما بل العكس مع تدني واضح في ابسط خدمات البنى التحتية وهو ماولّد احباطا كبيرا لدى الشارع العراقي وقد اشعل هذا الاحباط فورة التظاهرات المليونية التي ماتزال تقدح بين الحين والاخر مطالبة بالإصلاح الذي صار حلما بعيد المنال وتصحيح مسار العملية السياسية متعثرة الخطى ووضعها على السكة الصحيحة وتشذيبها مما علق بها من اخطاء التأسيس الدولتي الاخير الذي ورث تراكمات التأسيسات الدولتية الفاشلة السابقة وخطاياها الكوارثية فاجتمعت جميعها في بؤرة واحدة هي بؤرة 2003 وما رافق ذلك من تداعيات سبّبها الفشل المتراكم من تلك التاسيسات .
فالعقد الاجتماعي عندما يتحقق بشكل صحيح وبجميع عناصره يكون هو المسؤول عن استعادة هيبة الدولة على الاقل في عيون مواطنيها وامام دولة العراق شوط ليس بالقصير كي تفرض هيبتها شرط ان يتحقق العقد الاجتماعي العراقي بشكل صحيح وبتحقيق حد ادنى من الانسجام ببين عناصره .
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!