بقلم: حسين فرحان
إن كنت أيها (المدني المتحرر) لاترى قدسية لكربلاء فهذه مشكلتك أنت، وعقدتك أنت وعقدة من هم على شاكلتك، فالذي تراه لايعني أنها غير مقدسة.
إن كنت أيها الرويبضة الناعق وراء كل معتوه خرف لاترى قدسيتها فهذا لايعني أنها غير مقدسة إذ لا اعتداد بما تردد كما لا اعتداد بمن يلقنك بثقافة الانحلال.
ذات يوم أنشد الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم - وهو من نسل الوزغ - أبياتا حين أخذ المصحف وفتحه فأول ما طلع له "واستفتحوا وخاب كل جبارٍ عنيدٍ" قال: "أتتوعدني؟" علقه ولا زال يضربه بالنشاب حتى خرقه ومزقه وهو ينشد:
«أتتوعد كل جبار عنيــد، فها أنا ذاك جبـار عنيـد.
إذا لاقيت ربك يوم حشرٍ، فقل لله مزقني الوليد
ياترى هل كان هذا الوزغ الصغير يعتقد بقدسية القرآن وهل أن نباله التي مزقته وأبيات شعره التي تشدق بها نفت القدسية عن كتاب الله ؟ فاليد التي أطلقت النبال تقابلها أياد لا تمس أحرفه دون وضوء.
وذات يوم (أيها المدني المتشنج) رميت الكعبة بالمنجنيق عندما تولى يزيد بن معاوية الخلافة وذلك في سنة ٦٤ للهجرة، فهل أن استهتار إبن هند نفى عن الكعبة قدسيتها ؟
وذات يوم (يا دعاة التحرر) استباحت الحركة الوهابية مدينة كربلاء فقطعت الرؤوس بنزعتها الوحشية التي جبلت عليها وانتهكت حرمة كل شيء فيها، فهي بنظرهم ليست مقدسة.. فهل سقطت قداستها بفعل الوهابية من أعين عشاقها ؟
القضية هي ماتعتقده أنت وما نعتقده نحن، فالقداسة اعتقاد وعليك أن تحترمه ولو أننا لم نجد في عقيدتك (أيها المثقف!) شيئا مقدسا لكن عليك أن تقف عند حدك عندما ترى من يعتقد بقدسية المكان والزمان والرموز.
لا تحتقن لمجرد الأحتقان ولا تتشنج لمجرد التشنج ولو أننا سلمنا بأنك إمعة وذيل للثقافات المستوردة لكن مع ذلك ندعوك للكف عن التطاول على ما نعتقد به.
من حيث المبدأ نحن نؤمن بأنك (مغسول المخ) وقد تقطعت أوصال ثقافتك وتمزقت على أعتاب تلك الثقافات الداعية للإنحلال، لكن مايؤلمنا حقا هو تلك الأصوات التي رافقت صوتك فصارت تردد مقالتك البائسة وصارت تنبش في ذاكرة اليوتيوب والفيس بوك لتخرج علينا بأمثلة لانتهاكات هنا وأخرى هناك لم تقابل بردود أفعال كالتي قوبلت بها افتتاحية ملعب كربلاء.. وقد كان هذا متوقعا فتدوير النفايات أمر اعتاد عليه دعاة التحرر وبؤساء الفكر..
صار البعض يتبجح فيسأل عن حدود قدسية هذه الأرض.. هل هي المدينة القديمة ؟ هل هي منطقة الحرمين ؟ هل هي كل المحافظة ؟ وما هي إلا محاولات لتجزئة الأرض وتهيئتها لاستقبال الانحلال..
صار البعض يستعين بأمثلة لحوادث وقعت هنا وهناك يرى فيها انتهاكا للقدسية التي نؤمن بها دون فهم بأن الحوادث المسيئة التي تقع في الأماكن المقدسة لاتعني أنها بلا قدسية.. إذ ينبغي الفهم والإدراك - والكلام موجه إلى من ركب الموجة دون وعي - بأن نبال الوليد التي مزقت القرآن لم تفقده قداسته..
يسألونك عن كربلاء.. ويسألونك عن هذه الأرض فتأمل:
- عن الإمام السجاد عليه السلام، أنّه قال: «...اتّخذ الله أرض كربلاء حرماً آمناً مباركاً، قبل أن يخلق الله أرض الكعبة ويتّخذها حرماً بأربعة وعشرين ألف عام، وأنّه إذا زلزل الله تبارك وتعالى الأرض وسيّرها، رُفعت كما هي بتربتها، نورانية صافية، فجُعلت في أفضل روضة من رياض الجنة، وأفضل مسكن في الجنة، لا يسكنها إلّا النبيون والمرسلون ـ أو قال: أُولو العزم من الرسل ـ وأنّها لتزهر بين رياض الجنة كما يزهر الكوكب الدرّي بين الكواكب لأهل الأرض، يغشى نورها إبصار أهل الجنة جميعاً، وهي تنادي: أنا أرض الله المقدّسة الطيبة المباركة، التي تضمّنت سيد الشهداء، وسيد شباب الجنة».
- و عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «...خلق الله كربلاء قبل أن يخلق الكعبة بأربعة وعشرين ألف عام، وقدّسها وبارك عليها، فما زالت قبل أن يخلق الله الخلق مقدّسة مباركة، ولا تزال كذلك، وجعلها الله أفضل الأرض في الجنة».
- عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «...شاطئ الوادي الأيمن الذي ذكره الله تعالى في القرآن هو الفرات، والبقعة المباركة هي كربلاء».
قد لا تلائم الأحاديث الواردة أمزجة البعض وهي بكل تأكيد غير موجهة إليهم فمن آمن بأن الدين أفيون الشعوب وأن الطبيعة هي من تكفل بخلق كل شيء وآمن بالصدفة التي تأسس بها الكون ولم يترحم يوما على ميت إلا بعبارات (المجد والخلود) لا تنفع معه مقدمات تستند إلى معتقدات دينية، لكنه كلام موجه إلى هذه الإمعات الناطقة بغير فهم ووعي رغم انتماءها للمنظومة الدينية والمذهبية لكنها في اللحظة التي ارتفعت بها موجة (دعاة الانفتاح) فقدت أدواتها الفكرية التي ينبغي امتلاكها لتقف بوجوه هؤلاء وتقدم اعتقادها بقدسية هذه الأرض على كل اعتقاد آخر مزيف يدعو لسلب ثقافتنا التي نعتز بها مستعينا بأمثلة بالية وشواهد لوقائع تحدث في كل مدن العالم - المقدسة وغيرها - وتعميم حكم جائر يؤسس لثقافة الجدل البيزنطي الذي لاطائل منه.
كربلاء مقدسة.. اعتقدتم بذلك أم لم تعتقدوا.. وعدم التفات المسؤول إلى ما يتنافى وقدسيتها لايعني أنها أرض مباحة وعرضة للانتهاك.. ويا حبذا لو استمات (دعاة التحرر) في الدفاع عن وطنهم حين احتلت أرضه قبل أعوام كاستماتتهم اليوم في الدفاع عن عازفة الكمان المستوردة.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً