- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ملاحظات اوربية لانتخابات عراقية
بقلم: مازن الزيدي
جاء تقرير الاتحاد الاوربي صادماً ومؤلماً وهو يسجّل ويوّثق بالأرقام والمعطيات حجم الخروقات التي شهدتها الانتخابات البرلمانية العراقية التي اُجريت في ايار 2018.
وهذا ما يفسّر الاستنفار والارتباك الذي انتاب مؤسستين عراقيتين طالتهما سهام انتقادات تقرير بعثة الاتحاد الاوربي، أعني المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وشبكة الاعلام العراقي. اذ شكّك التقرير الاوربي بـ"استقلالية" مفوضية الانتخابات، فيما انتقد انحياز شبكة الاعلام الى جانب قائمة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي اثناء فترة الانتخابات.
حقائق ومعطيات كثيرة وعديدة تضمنها التقرير الاوربي تستحق البحث والتحليل على أعلى المستويات، لمنع انزلاق النظام السياسي في مطبّات مجهولة. فعندما كانت الكتل والقوى السياسة تنشغل باحتساب النتائج وتتبادل الاتهامات بالوقوف وراء الفوضى التي شهدتها الانتخابات، من تلاعب بالنتائج واحراق لمراكز العدّ والفرز، ولاحقاً تنشغل بتشكيل الحكومة وتقاسم وزاراتها، كان الحريصون يحذّرون من مخاطر كل ذلك على مصداقية الديمقراطية الناشئة في العراق، وتراجع ثقة المواطن والاحزاب بجدوى العمل في إطارها.
حتى الساعة لم تبد القوى السياسية ولا الحكومة ولا السلطات المعنية، مؤشرا حقيقياً لمعالجة الاختلالات التنظيمية والتشريعية التي شابت عملية الاقتراع. لا بل ان كل هذه الاطراف لم تبدِ مؤشرا حقيقيا لحصر وتوثيق هذه الخروقات لدراستها سعياً لتلافيها ومعالجتها في الانتخابات المقبلة، بما يضمن حقوق المواطن بالتصويت الحرّ لاختيار من يمثلونه تحت قبة البرلمان.
وأبرز ما تضمنه التقرير الاوربي، الذي تم تداوله على نطاق واسع مؤخرا رغم انه اعدّ ليكون محدود التداول، حرمان 20% من الناخبين العراقيين من ممارسة حقهم الدستوري بسبب عدم تسليم المفوضية لاكثر من 5 ملايين بطاقة انتخابية. وبحسب التقرير ذاته، فإن اجراءات المفوضية حرمت نحو 2.5% من المقترعين ممن تواجدوا داخل مراكز الاقتراع ولم يسعفهم الوقت للإدلاء باصواتهم، بسبب اغلاق اجهزة التصويت في تمام الساعة السادسة.
يضاف الى ما تقدم، رصد التقرير تراخي المفوضية بإكمال اجراءات التسجيل البايومتري، فمن اصل 24 مليون ناخب، هناك 13 مليوناً لم يسجّلوا. وبلغت نسبة التسجيل البايومتري بين النازحين 35% فقط، ما ادى الى السماح لـ 65% ان يصوتوا تصويتاً مشروطا. أما فئة المغتربين فمن اصل 900 الف، لم يسجّل بايومتريا سوى 30 الفاً فقط، ولم يشارك في الانتخابات سوى 179 ألفاً منهم.
ولهذا السبب تحديداً حُرم الكثير من الناخبين داخل العراق من الادلاء بأصواتهم. وبفعل هذه الاجراءات يمكن تفسير تراجع نسبة المشاركة في الانتخابات التي بلغت 46% ممن يحق لهم الاقتراع.
ولاحقاً ادّى هذا الخلل الى إلغاء التصويت المشروط للنازحين والمغتربين، بعد تصاعد مزاعم التزوير والتلاعب بأصوات هذه الفئات. اذ يرصد التقرير الغاء نتائج 1021 محطة تمثل 1.8% من اجمالي المقترعين، بعد عملية اعادة العدّ والفرز. ويلفت التقرير الى قيام المفوضية وبمبادرة شخصية بإلغاء نتائج 852 محطة داخلية، و67 خارجية من دون ورود شكاوى بشأنها.
ومن أخطر ما تضمنه التقرير الاوربي، هو التشكيك بالعدد الحقيقي لمن يحقّ لهم الاقتراع، البالغ 24 مليون ناخب بحسب السجلات الرسمية لمفوضية الانتخابات. اذ تتحدث تقديرات بعثة الامم المتحدة في العراق عن ان العدد يقلّ بنحو 3 ملايين ناخب، اي بواقع 21 مليوناً!
لكنّ التقرير يعود لينوّه الى ان عدد اعضاء مجلس النواب الحالي والبالغ 329 عضوا، لا يتناسب مع العدد الرسمي لنفوس العراق الذي يتراوح بين 37 – 39 مليون عراقي. فعلى ضوء النص الدستوري الذي يحدد نائبا واحدا لكل 100 الف نسمة، فإن عدد النواب يجب ان يتراوح بين 370 – 390 نائبا!
كما ينتقد التقرير بصورة غير مباشرة الكوتا النسوية التي رأى انها تخرق مبدأ التنافس العادل حتى بين مرشحي القائمة الواحدة، وترجح احياناً المرشحات الخاسرات على زملائهن الفائزين في حال عدم تحقق الكوتا.
يستثنى من كل هذه الحقائق، الخطأ الذي تضمنه كتاب وزارة الخارجية عن تاريخ تسلّمه ممثلها تقرير الاتحاد الاوروبي الذي ذكر انه 4 / 2 / 2018 بدلا عن 4 / 2 / 2019 على ما يبدو. اذ ان الانتخابات البرلمانية اجريت بتاريخ 12 / 5 / 2018، ومن غير المتصوّر اعداد تقرير وتسليمه قبل اجراء الانتخابات ذاتها.
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- فزعة عراقية مشرّفة
- اهمية ربط خطوط سكك الحديد العراقية مع دول المنطقة