سالم مشكور
يومان في شهر آب من كل عام يثيران شجوننا وينقلان وعينا الى مفصلين رئيسين في مسيرة التدهور التي عاشها العراق منذ عقود. الثاني من هذا الشهر حيث ذكرى جريمة غزو الكويت عام 1990، والثامن منه ذكرى اعلان وقف إطلاق النار وانتهاء الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثمانية أعوام. تلك الحرب شنها النظام السابق وتصورها نزهة استعراضية لكنها دامت كل تلك السنوات وانتهت بمئات آلاف الضحايا الأبرياء ومثلهم من المعوقين وأضعافهم من الارامل والايتام، فضلا عن دمار اجتماعي واقتصادي مقابل قوة عسكرية وترسانة ضخمة. هنا اقتضت السيناريوهات المرسومة للمنطقة أن تتلاشى هذه القوة، فكان الفخ الكويتي وحماقة الاستجابة لإشارات السفيرة الأميركية أبريل غلاسبي التي فسّرها ـ أو كانت بالفعل- ضوءاً أخضر أميركياً للاندفاع صوب الكويت واحتلالها. أدت تلك الجريمة الى تحشيد دولي وحرب ضارية دمرت القوة العسكرية العراقية وأدخلت العراق في حصار دولي جائر لم يؤثر سوى على الشعب العراقي، فكانت تأثيراته النفسية والاجتماعية والقيمية أكثر قوة مما تركته الحرب مع إيران. الحرب على إيران شنّها صدام حسين في أيلول 1980 – وباعتراف الامم المتحدة - وتأكيد كل الشواهد الواقعية آنذاك، في وقت كانت ايران تعاني من انهيار جيشها بعد انهيار نظام الشاه، بدليل أن القوات العراقية التي توغلت لم تواجهها في البداية أي قوات، ما سمح لها باحتلال عشرات المدن والقرى الإيرانية وقتل وتشريد أهلها (غالبيتهم من عرب ايران الذين كان يدعي صدام الدفاع عنهم) خلال أسبوع واحد، لدرجة أثارت المخاوف لدى قادة القطعات العراقية من وجود كمين لها ليتبين في ما بعد أن لا قوات إيرانية ولا كمائن. لا يمكن التصديق أن استخبارات النظام لم تكن على علم بحال الإيرانيين وضعفهم، فقد تصور صدام أن الحرب ستكون نزهة واستغلالا لحالة الانهيار العسكري لاحتلال مدن وفرض شروط مقابل الخروج منها قوة إقليمية تخلف نظام الشاه في المنطقة كما أوحى له وزراء غربيون أوصلوا له رسائل دفع باتجاه مهاجمة ايران. لكن صدام لم يكن قرأ تاريخ الايرانيين وكيف انهم استمروا بحرب لثلاثين سنة مع الاتراك بسبب مقتل بغل إيراني تابع لشرطة الحدود على يد قوات تركية. من الغريب حقاً أن نسمع الان، وبعد كل الذي حلّ بنا بسبب تلك الحروب الحمقاء، من يفاخر بها ويتغنّي بما حققته من انتصارات وهمية لم تكن في حقيقتها سوى تدمير مكامن القوّة العراقية الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية، وهذا ما يتضح من نظرة بسيطة مجردة من الأحقاد التي زرعها النظام السابق في النفوس ضد الاخرين، بل بين العراقيين أنفسهم.
لننصف أنفسنا على الأقل.