سالم مشكور
في تراثنا الديني الكثير مما يشير أو ينص على عدم تولية المناصب لمن يسعى اليها بل يُكلف بها الكفوء الزاهد فيها، فالرسول الكريم (ص) ردّ على رجلين جاءاه مع أبو موسى الاشعري يطلبان منه توليتهما بالقول: إنّا لا نولّي هذا الأمر من سأله، ولا من حرص عليه"، والامام علي (ع) يقول: "والله إن خلافتكم هذه لا تساوي شسع نعلي إلاّ أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً". استحضرت هذين النصين وأمثالهما الكثير وأنا أتابع تقارير عن إنفاق مرشحين ملايين الدولارات من أجل مقعد نيابي لا تساوي مجموع رواتب وامتيازات من يشغله خلال أربع سنوات الا جزءاً يسيراً مما ينفقه هذا البعض في حملاته الانتخابية. هو هنا يسعى بحماس وينفق بسخاء من أجل المقعد النيابي بما يثير شبهات حول هدفه من ذلك. المرشح قد يكون ثريّاً ويريد الوجاهة وبريقها بعدما شبع من بريق المال؟ ربما، وربما أيضا يريد النيابة لأجل الحصانة التي تغطي عمليات مراكمة المزيد من المال عبر طرق تحتاج الى الحماية مقابل الملاحقة القضائية، والتجربة أثبتت أن أغلب الأثرياء يريدون هذا أكثر من حرصهم على المصلحة العامة وخدمة البلاد. الشبهات تزداد عندما يكون المرشح فقيراً لكنه ينفق الكثير من أجل الوصول الى المقعد النيابي. مصدر ماله هنا هو إما الاقتراض وهذا نادر وإن حصل يثير سؤالاً حول كيفية وفائه، أو أن يكون دعماً من أصحاب مصالح اقتصادية أو غيرها، وهنا تقع الشبهة حول هدف هؤلاء وما ينتظرونه من هذا المرشح في حال فوزه من "خدمات" لمصالحهم. لا يتوقف الامر عند بعض المرشحين للبرلمان، بل يشمل كل من ينفق مالا وفيراً من أجل الوصول الى منصب تنفيذي أو تشريعي أو قضائي، فالوزير الذي يدفع ملايين الدولارات لزعيم كتلته مقابل ترشيحة لمنصب وزاري، لن يكون نزيهاً في عمله قطعاً، بل سيسعى الى تحصيل أضعاف ما دفعه، من خلال منافذ الفساد المتاحة والعصية على الحصر. هذا الفساد نفسه ينزل الى مستويات أدنى أيضاً، إذ ان الكثير من المواقع العسكرية والمدنية تشترى بثمن يعتمد على ما يدرّه من مردود حرام. كل هذا لا يعني أن لا يوجد بين الساعين الى موقع معين من يريد فعلا تقديم انجاز وترك أثر بدوافع إنسانية أو دينية دون التفكير بالمكاسب الشخصية، لكن هؤلاء يوضعون – في ظل تفشي الفساد- أمام خيارين: الانخراط في عملية الفساد، أو الاقالة، وهذا ما يدفع الكفوئين النزيهين الى التهرب من الضغوط عليهم لتوليتهم. إذا أردنا البناء فعلاً فلا مناص من حملة شاملة ومستمرة لمعالجة ظاهرة الفساد ولو على مدى سنوات، مع جلب الكثير من أصحاب الخبرة والكفاءة ممن يعملون بدافع الضمير ولا يخشون إقالة، لان قيمة المنصب عندهم كقيمة شسع نعل الامام علي عنده، إذا لم يستطع تسخير المنصب لخدمة البلاد والعباد وليس خدمة الذات أو الحزب.
أقرأ ايضاً
- ارتفاع سعر صرف الدولار .. استمرار الغلاء الفاحش
- القوامة الزوجية.. مراجعة في المفهوم والسياق ومحاولات الإسقاط
- الرسول الاعظم(صل الله عليه وآله وسلم) ما بين الاستشهاد والولادة / 2