حجم النص
بقلم:سالم مشكور «رواتب موظفي الاقليم»، عبارة يرددها الكثير من السياسيين العراقيين، العرب منهم والاكراد، منذ توقفت الحكومة الاتحادية عن منح اقليم كردستان حصته من الميزانية السنوية العامة في العام ٢٠١٤، بسبب عدم تسليم الاقليم لعائدات النفط المصّدر الى السلطات الاتحادية. العبارة ظهرت أول مرة في تصريحات رئيس الاقليم، وروّج لها الاعلام الكردي، المملوك في أغلبه من الحزب الحاكم (الديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني)، ضمن حملة اعلامية مكثفة لتحريض الشارع الكردي ضد حكومة المالكي آنذاك، وإظهاره بمظهر المحاصِر والمجوِّع للشعب الكردي. الخدعة انطلت على البسطاء، وباتوا يرددون ان «المالكي أسوأ من صدام»، التي كان الاعلام يروجها على نطاق واسع، خصوصاً بعد أن وصل التوتر والاستفزاز المتبادل حافة الصدام العسكري في بعض المناطق. في النظام الفيدرالي هناك نوعان من الموظفين: الموظفون الفيدراليون، وهؤلاء يتبعون المؤسسات الفيدرالية (الاتحادية) اينما كانوا، يعملون بقوانينها وتعليماتها ويحصلون على رواتبهم منها. أما النوع الثاني فهم موظفون على ملاك الاقليم أو الولاية، هؤلاء يعملون بقوانين الاقليم وتعليماته، ويحصلون منه على رواتبهم وفق موازنة تعد على أساس حصة الاقليم من الموازنة الاتحادية مضافا اليها الايرادات المحلية. هنا تكون رواتب موظفي المؤسسات الفيدرالية من مسؤولية المركز، فيما تتحمل حكومة الاقليم مسؤولية رواتب موظفيها، وهؤلاء يشكلون غالبية الموظفين في اقليم كردستان. منذ رفض حكومة اقليم كردستان اداء التزاماتها، واصرارها على التصرف بالثروات الطبيعية (التي هي المصدر شبه الوحيد للواردات الفيدرالية)، بشكل مستقل دون تسليم العائدات للمركز، فان حصة الاقليم من الموازنة توقفت، ومعها توقفت حكومة الاقليم عن دفع رواتب موظفيها، فيما استمرت رواتب موظفي المؤسسات الاتحادية هناك (الشرطة الاتحادية مثلا) على حالها دون أي مساس، كونها تُدفع من بغداد مباشرة. في بغداد، كان كثير من السياسيين والمسؤولين قد ابتلع «طعم» رواتب الاقليم، فبات يرد على اتهامات سلطة الاقليم لبغداد بقطع هذه الرواتب، بالتذرع بعدم وفاء الاقليم بالتزاماته، غافلا عن أن الموضوع، من أساسه، لا يتعلق بالمركز بل بحكومة الاقليم فقط. لم أرَ أحداً يردّ بسؤال: وما علاقة المركز برواتب موظفي الاقليم وهم ليسوا موظفين فيدراليين؟. هكذا باتت الحكومة الفيدرالية متهمة بـ «تجويع المركز لموظفي الاقليم» دون أن يتساءل أحد عن علاقة المركز بذلك؟. وهكذا بات الموضوع مادة بيد سياسيين في أربيل يستخدمونها، ومعهم اعلامهم، في شحن الشارع الكردي ضد المركز، وصرف أنظاره عن المشاكل السياسية الداخلية في الاقليم. ووسط هذا الضجيج حول الرواتب، ومعاناة الموظفين، رغم بدء حكومة الاقليم بدفع جزء من الراتب، يكاد يغيب الحديث عن مسؤولية هذه الحكومة، ومن وراءها من العوائل والشخصيات عن هذا الوضع. يغيب الحديث أيضا عن مصير أموال النفط الذي يباع عبر تركيا وقليل منه عبر ايران. أين تذهب هذه الاموال؟ ولماذا لا تدفع منها رواتب موظفي الاقليم؟. تجويع موظفي الاقليم عمل لا يقبله ضمير، لكن المسؤول عنه، حكومة الاقليم وليس المركز، فهم موظفو الاقليم، ولكي تحصل حكومته على حصتها من المركز عليها الالتزام بما عليها أيضا.. معادلة بسيطة، بشرط توفر النوايا الحسنة.