- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
كربلاء المقدسة وبقيعها البائس
حجم النص
بقلم:كاظم جواد الحلفي خلق الله الإنسان وكرّمه حيّاً وميتاً حتى جعله خليفته في الأرض، وجاء الإسلام ليؤكد على هذا التكريم والإحترام، وسارت شعوب الأرض ومقابرها وكأنها جنائن يرتاح بها المكدود من صخب الحياة وضجيج المدنيّة، ففتحوا فيها الشوارع الهندسية وزرعوا الزهور العجيبة على الجانبين وبجوار القبور وكم كان سكانها زهوراً عندما كانوا أحياءً يُرزقون وأشرافاً يعيشون وكيف يتعاملون مع الحياة وهم ما بين علماء وأُدباء ووجهاء ونبلاء (ولا يخلو الزور من واوي) كما يقول المثل الشعبي، إذ نجد بين الأموات مَن قد لفظتهم الأرض وهم فوق ظهرها فكيف بهم وهم الآن في بطنها من سرّاق وجبناء وقتله وخَوَنَة، لكن هذا ليس سبباً مقنِعاً في جعل مقبرة كربلاء المقدسة مَزبلةً تملأها النفايات والأدغال ونباتات الطرطيع وانتشار الحفر هنا وهناك ولا يستطيع الفرد القاصد لها من أنْ يسير خطوة واحدة براحتِه وبِلا أذى من أجل أن يقرأ الفاتحة على روح عزيزٍ سبقَ وأن دفنه هنا في مقبرة البقيع، بقيع كربلاء، البقيع الذي لم يعطوه حقّه وإضافة لذلك، فقد تحولّت واجهات المقبرة إلى مكان لرمي أحشاء الحيوانات وما تحوي والمذبوحة من قبل بعض القصابين (المؤدبين حتى الكِشر) وما فيها من روائح تزكم الأنوف مخلوطة مع روائح المزابل المُتعفّفه ومحتويات القماقم. ولي مجرد سؤال أقواله، أَوَ هكذا تُقدَّر أموات أهالي كربلاء الكرام؟ّ وفيهم الأدباء والعلماء والفضلاء المحترمون، ثم أين الأعلام؟ وأين الأوقاف الدينية؟ وأين المتفقهون في الدّين؟ وحُماة الشريعة في تكريم موتاهُم... وأين وأين؟ أين دولة القانون والنظام؟ أيها المسؤولون الكرام؟ فربما أن أحدكم سوف ينام بعد حين بهكذا مقابر، أم أن مقابركم محجوزة بدول الجِوار؟ أم في دول أوربا التي قدَّست ونزّهَتْ قبور أمواتها وجمّلتها بالحدائق الغنّاء والأشجار الظليلة... وحقاً إنني أبدو خجلان عندما يقولون لي أنت من بلاد الشرق... بلاد الإسلام ومن بلدة الحسين(ع) وكعبة المسلمين ومدينة الصابرين، وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم... متى تنتبهون؟ متى تستيقظون من سُباتٍ طال عليه الزمن وملَّتهُ الحِقَب وغلّفه الحزن، ثم أين أهالي كربلاء الأشاوس وأصحاب النجدة والفداء والولاء؟ أين شبيبة الحق وحُماة التراث، ومقابرنا تراثنا... ثم أين البلدية؟ التي ملأت الشوارع باليافطات وبعبارات (لأجل كربلاء أجمل وأبدع وأنظف)؟ أليست مقبرة كربلاء القديمة جزء من كربلاء؟ أو أنها قطعة من منطقة الربع الخالي بالسعودية؟ وما لنا كلما انتقدنا وضعاً سلبياً بدائرة أو مؤسسة يخرج علينا مديرها المسؤول ليصرّح ويقول: حصل هذا بعهد المدير الذي سبقني وليس بعهدي، وما هذه إلا اسطوانة (مجروخة). ألم تكن مقابرنا من تراثنا الذي يضمّنا؟ فهي تاريخنا مثل كتبنا ومؤلفاتنا... ثم أين مجلس محافظتنا الموقَّر؟ من هذه المأساة التي دامت سنين طويلة، ولا مَنْ يلتفت الى ما حَلَّ برُفات أهلنا وأجدادنا ورجالات مجالسنا السابقين الذين قارعوا الاستعمار وأوجدوا بكربلاء كلّ إعمار... فتعساً لنا إنْ لم نكن لهم أوفياء. والأعجب من ذلك فإننا نطالب بشوق في بناء بقيع شهداء الإسلام الأوائل بالمدينة المنورة الذي تحت السلطة الوهابية وعلى أمتار منّا بُعداً بقيع كربلاء المقدسة. نُطالب بقيعٍ حارَبَتْهُ عقولٌ قد تَحَدَّتْ جاهليه، ولكن كربلاء حَوَتْ بقيعاً يعيش اليوم حالاً مأسَويّة، تراكمت المزابل فيه حتى لقد أضحى خرائبَ بابليّة، فهبّوا يا رجال العزم هبّوا لتعطوا للقبور الأقدسية حقوقاً قد أضعناها زماناً بكل صفاقةٍ وبسوء نيّة.