- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
ذكرى مرور ثمانية وستين عاماً على النكبة:كانت نكبة فصارت نكبات!!
حجم النص
د. ابراهيم العاتي (اكاديمي وباحث) حينما يحل يوم الخامس عشر من آيار تعود بي الذاكرة الى الأمس البعيد حينما كنت طالباً في إعدادية النجف في العراق أواخر الستينيات، حيث يُدعى المدرسون والطلاب لاجتماع في قاعة الاحتفالات، ويلقي مدير المدرسة خطبة حماسية بالمناسبة، لكنها ممزوجة بنبرة حزن وأسى لما حل بفلسطين والشعب الفلسطيني من مآسي وويلات، ولأنه بعد كل تلك السنين مازال يعيش مشرداً في الخيام، بينما كان يتصور أنه سيعود الى وطنه بعد أن تضع الحرب العربية الصهيونية أوزارها خلال شهرين على الأكثر!! وكانت قلوبنا الفتية آنذاك تعتصر ألماً وتنتفض توثباً من الاستعمار وأعوانه الذين كانوا سببا لتلك النكبة، ويزداد تفاعلنا مع تلك القضية المحورية حينما يبدأ مدير المدرسة، أستاذنا السيد جعفر الموسوي - رحمه الله - بقراءة منتخبات من قصيدة الشاعر الكبير بشارة الخوري الملقب بالأخطل الصغير (ت 1968) في نكبة فلسطين، وهي من أروع ما كتب في القضية الفلسطينية، يقول فيها: سائل العلياء عنا والزمانا هل خفرنا ذمَّةً مُذْ عرفانا المروءاتُ التي عاشت بنا لم تزل تجري سعيراً في دِمانا قل (لجونْ بولٍ)إذا عاتبتَهُ سوف تدعونا ولكن لا ترانا يا جهاداً صفّق المجد له لبس الغارُ عليه الأرجوانا شرفٌ باهتْ فلسطينٌ به وبناءٌ للمعالي لا يُدانى إن جرحاً سال منْ جبهتها لثمتهُ بخشوعٍ شفتانا *** لم تبدأ النكبة بإعلان الدولة اليهودية عام 1948، بل بإعطاء وعد بلفور لليهود من قبل بريطانيا عام 1917 بأن الحكومة البريطانية سوف تساعدهم في انشاء وطن قومي لهم في فلسطين دون الإخلال بالحقوق المدنية والدينية للجماعات غير اليهودية الموجودة في فلسطين. لكن هذا الوعد يناقض نفسه منذ البداية، ذلك لأن قيام دولة يهودية في فلسطين يؤدي بالضرورة الى الإضرار بحق العرب والمسلمين!! ولكي يوضع هذا الوعد موضع التنفيذ بدأت الهجرة اليهودية المكثفة الى فلسطين مستغلة الجرائم التي ارتكبها هتلر ضد اليهود وبقية الشعوب الأوروبية قبل الحرب الكونية الثانية وبعدها. فقامت الاحتجاجات في فلسطين في العشرينيات والثلاثينيات، وبلغت ذروتها في ثورة 1936 التي لجأ فيها الشعب الى خيار المقاومة المسلحة ضد مشروع توطين اليهود في فلسطين الذي كانت سلطة الانتداب البريطاني ضالعة فيه. وقد استمرت تلك الثورة لثلاث سنوات، أي حتى قيام الحرب العالمية الثانية عام 1939. واستمرت الوكالة اليهودية والحركة الصهيونية في سعيها الدؤوب لوضع مشروع الدولة اليهودية الذي حلم به هرتزل موضع التنفيذ،وما أن حل عام 1947 حتى أعلن عن تقسيم فلسطين إلى دولة يهودية وأخرى فلسطينة، لكن الشعب الفلسطيني رفض التقسيم وتمسك بفلسطين موحدة. وفي منتصف مايو (آيار) 1948 اعلنت إسرائيل عن قيام دولتها، ثم حصلت الحرب العربية الإسرائيلية التي توقفت نهائيا عام 1949، غير أن نضال الشعب الفلسطيني لم يتوقف رغم تعثره أحياناً أو خموده في أحيان أخرى، خاصة في الفترة من 1949 وحتى سنة 1966 حيث بدأ الكفاح المسلح من جديد بتأسيس حركة فتح في هذا العام. وحتى لو توقف النضال المسلح فان النشاط السياسي والديني والثقافي لنصرة القضية الفلسطينية بقي حياً، وذلك بتجميع طاقات الشعوب العربية والإسلامية حول فلسطين وجعلها القضية المركزية للعرب والمسلمين ولكل الشعوب المضطهدة في العالم. وقد حصل ذلك أيام النكسات وأيام الانتصارات. فمنذ وقت مبكر من تاريخ الصراع الفلسطيني ضد المخطط الاستعماري بإقامة كيان قومي لليهود على ارض فلسطين، وبعد أزمة حائط البراق الذي ادعى اليهود أنه جزء من هيكل سليمان، تحركت القيادات الدينية في فلسطين سنة 1931بزعامة الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين لإقامة مؤتمر إسلامي في القدس يحضره علماء من كافة المذاهب والأقطار الإسلامية، وحضره مائة وثلاثة وخمسون مندوبا يمثلون 22 بلدا عربيا واسلاميا، من أصحاب الرأي والنفوذ. فدعي له الإمام الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، والشيخ محمد بهجة الاثري، والشيخ حبيب العبيدي من (العراق)، والشيخ رشيد رضا والشيخ مصطفى الغلاييني (لبنان)، والسيد محسن الأمين (جبل عامل)، والشيخ محمد مصطفى المراغي (شيخ الجامع الأزهر السابق)، وكذلك الشيخ عبد العزيز الثعالبي من (تونس)، الشيخ مفتيج سالم (رئيس مجلس علماء البوسنة والهرسك)، الشيخ محمّد عبد اللطيف درّاز، والشيخ محمّد الغنيمي التفتازاني، مولانا شوكت علي، غلام رسول مهر، عبد الرحمن صديقي، والشاعر الفيلسوف محمّد إقبال. ومن الكتاب ورجال السياسة: شكري القوتلي، سعد اللّه الجابري، رياض الصلح، عمر الداعوق، محمّد جميل بيهم، علي ناصر الدين، سعيد الشيخ ثابت، محمّد بنونة، محمّد مكي الناصري، محمّد علوبة باشا، عبد الرحمن عزام، الأمير سعيد الجزائري، خير الدين الزركلي، محمّد عزة دروزة، عجاج نويهض، ووفود من سيلان وكاشغر والقفقاس وجاوة ونيجيريا وأورال وألبانيا ويوغسلافيا.وشارك في المؤتمر رئيسان سابقان للحكومة هما حسن خالد باشا (الأردن)، ضياء الدين الطباطبائي الصدر الأعظم السابق لإيران (1). فكان بذلك من أعظم المؤتمرات التي عرفتها فلسطين وربما المنطقة العربية كلّها حتّى ذلك الوقت. والواقع أن أهمية المؤتمر لم تكن في عدد الحضور الكبير فقط، بل وقبل ذلك في نوعيتهم ومكانتهم الفعلية بين الناس. وكذلك لأنه وضع الأساس الاستراتيجي لتكوين جبهة عربية إسلامية مناصرة للقضية الفلسطينية، وأن الشعب الفلسطيني لن يحارب الحركة الصهيونية والداعمين لها في الغرب لوحده، بل ستقف معه الشعوب العربية والاسلامية مجتمعة. وقد بقيت هذه السياسة قائمة لنصرة الشعب الفلسطيني وهو: بين نار الاحتلال البريطاني ونار الهجرة اليهودية! فسياسة جمع الكلمة هي الصخرة الصماء التي كانت تتحطم عليها مؤامرات الأعداء، بينما التفرقة والتناحر هو السلاح الاخطر بيد العدو الذي قد يهزم به خصومه دون ان يحتاج لشن الحروب او تقديم الضحايا! وبعد ثمانين عاماً ونيف من هذا التاريخ، تتغير السياسات العربية والإسلامية، وتنقلب انقلاباً مخيفاً. فصار الذي يقاتل الصهاينة مغتصبي الأرض إرهابياً، وأصبح الكيان الغاصب صديقا وحليفا للدول العربية (السنية)!...لا بل ان اسرائيل لم تعد تتكلم عن تضامن إسرائيل مع دول الاعتدال العربي، ولكنها أصبحت تركز على مساندة الدول (السنية) في مواجهة إيران (الشيعية). وفي تصريح أخير لرئيس الوزراء الإسرائيلي ذكر أن بلاده تسعى لإقامة علاقات وطيدة مع الدول (السنية) المعتدلة في الشرق الأوسط، في مواجهة الإرهاب وتمدد النفوذ الإيراني!! (2). انه لعجب عجاب، ونكبة جديدة، ان تتحدث اسرائيل بخطاب طائفي تظهر فيه وكانها تنسق مع (السنة) وبخاصة الدولة التي ترفع لواءهم وتحمي حماهم!..فهل كان الفلسطينيون الذين اغتصبت ارضهم، وارتكبت المجازر بحقهم، وشردوا في اصقاع الارض، إلا (سُنّة)؟!..فعلى من يضحكون، وأي عار يجمّلون؟..وحقا ما اشار اليه الاستاذ فهمي هويدي من ان (الملعوب ليس جديدا، لأن عرضه مستمر لاكثر من عام)، وقد جاءت لقاءات مدير المخابرات السعودية السابق الامير تركي الفيصل مع عدد من المسؤولين الصهاينة، وحديثه عن السلام والعلاقات المستقبلية بين حكومة (حامي الحرمين) وبين مغتصبي القدس (اولى القبلتين وثالث الحرمين)، وكذلك لقاءات اللواء انور عشقي رجل المخابرات السعودي، لتؤكد سياسة التطبيع بين الكيان الصهيوني ومشيخات الخليج، وان (كامب ديفيد) سعودية- صهيونية قادمة في الطريق! لكن هذا الخطاب الودي والمسالم الذي تستخدمه السعودية مع الكيان الصهيوني، يقابله خطاب عنيف وتحريضي وممارسات دموية في التعامل مع جيرانها العرب والمسلمين، وسياستها في اليمن وسوريا وتدخلاتها ومفخخاتها في العراق تؤكد ذلك، متوهمين ان تنفيذهم لمطالب الصهاينة يضمن بقاء عروشهم التي بدأت تهتز مؤخرا على وقع انفضاح ادوارهم في دعم الارهاب وتصنيعه، وخاصة في واقعة تفجير برجي التجارة في نيويورك. ولكننا نذكرهم بأن مصيرهم لن يكون احسن من مصير الذي قام بزيارته المشؤومة الى القدس، وداس على دماء الشهداء الذين حطموا خط بارليف في ملحمة العبور عام 1973(فاعتبروا يا أولي الابصار) (صدق الله العلي العظيم). ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) محمد حافظ يعقوب: في مواجهة العزلة، القدس والنجف في المؤتمر الاسلامي العام، ص73، ضمن كتاب (النجف الاشرف- اسهامات في الحضارة الانسانية)، ج2، لندن، 2000. (2) فهمي هويدي: إسرائيل السنيَّة، بوابة الشروق المصرية، 8/1/2016
أقرأ ايضاً
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!
- الآثار المترتبة على العنف الاسري
- الضرائب على العقارات ستزيد الركود وتبق الخلل في الاقتصاد