حجم النص
بقلم: وليد سعيد إبراهيم البياتي من هناك: ليس من الصعب محاولة فهم مناهج التفكير عند العائلة السعودية الحاكمة، فتاريخ هذه العائلة منذ أكثر من مائتي عام يكشف عن كل أشكال العدوانية والعنف، ونحن هنا لسنا بصدد تكرار السرد التاريخي لهذه العائلة وخفايا نشوئها وظهورها على رمال الجزيرة العربية، فالوثائق البريطانية كافية لدحض اي مقولة او تبرير أي موقف. المهم هنا أن نكشف كيف ان هذه العائلة التي ظهرت من تحت عبائة المخابرات البريطانية تحولت الى أحدى أهم مؤسسات صناعة الارهاب العالمي، ولعل السبب الاول في تأسيسها هو أن تتحول لهذا الشكل عبر مراحل حركة التاريخ. فهذه العائلة التي إدعت الاسلام زيفاً لم تتعلم أن من أهم مبادي الرسالات السماوية وخاصة الرسالة الخاتم، رسالة الاسلام، أنها كيان حضاري في المقام الاول. فالاسلام مثل أهم أشكال الوعي في مسار الرسالات، كما أنه جعل للعقل مكانة وقيمة خاصة تفرد بها عن بقية الوجودات. فهل إستطاعت عائلة آل سعود (كما يسمون انفسهم) أن تفهم الاسلام كمنهج حضاري يرتقي بالانسان من ضحالة التفكير الى مستويات راقية من الوعي والادراك بحقيقة الانسان، ومكانته على الارض والغايات التي ظهر من اجلها؟ فمن الملاحظ أن ثمة تباتين شديد بين منطلقات التفكير لدى منظمة الارهاب الوهابية التي إدعت الاسلام وبين الفكر الاسلامي الاصيل، كفكر رسالي سماوية يدعو لاستنهاض الامم ولاخراجها من قيعان الضحالة الجاهلية الى نور المعرفة الشمولية لعلاقة الانسان بالخالق والوجود، وعلاقتة بالافراد والجماعات من منطلقات رسالية وإنسانية تدعو للتعايش الحر، باعتبار أن الاسلام لم يدع الانسان خاوياً من عناصر المعرفة الكونية بل انه هو أهم اشكال عناصرها. جاهلية التفكير وضحالة المعرفة: منذ ظهورها للمرلة الثالثة (1902م) وتشكيلها الحالي (1932م) وعائلة آل سعود لم تقدم أي شكل من الاشكال الحضارية لبناء الانسان، وما محاولتها للاختباء خلف مسميات (خدمة الحرمين) إلا لاجل كسب تعاطف المسلمين، إلا أن ذلك لا قيمة حقيقية له، فالحرمين (مكة المشرفة والمدينة المنورة) كانتا قبل أن يظهر أجداد آل سعود باكثر من (1400) عاماً. وقد توالت دول عدة عبر هذه القرون حكمت ارض الجزيرة العربية وبقيت تحترم هذين الحرمين على الرغم من بعض الحوادث التاريخية في العصور الاموية والعباسية إلا أن ذلك لم يغير من تاريخ الحرمين ومن قيمهما الروحية والتاريخية والتراثية. إلا أن هذه القيم بدأت تفقد من رصانتها على يد حكام وملوك هذه العائلة، فمنذ البدء كان المنطق السعودي قائم على الانحراف بعيداً عن روحية التسامح والتعايش التي نادى بها الرسول الخاتم في الاسلام. فال السعود لا يشكلون ثرواتهم من النفط فقط بل أن معظم ثرواتهم جائت من مواسم الحج والعمرة، ومهما يمكن أن يدعية البعض من خدمة هؤلاء للحرمين فان ما يدخل من أسباب الرفاهية والمكانة لهذه العائلة إنما جاء بالاصل من قيمة واهمية الحرمين ذاتياً. ومن هنا فلا فضل لهذا العائلة في خدمة الحرمين إذ أن الاصل في الرسالة الخاتم أن تكون بلا أجر، وأن الرسول الخاتم صلوات الله عليه وآله لم يتقاضى من المسلمين أجراً على رسالته، إلا ما نص عليه الكتاب العزيز في قوله: (قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى). سورة الشورى: الاية: 23. هي ما تعرف باية المودة. حيث جعل الله أجر رسالة النبي الخاتم في مودة المؤمنين لاهل بيته عليهم السلام. ولم يطالبهم باي شيء يخصه، فهو كان المثال الاول لكل مسلم، وعنواناً لكل مؤمن. هذا كل ما أراده الله ورسوله من أجر، وهذا كل الفخر والعز. ولهذا لم يمن الرسول على المسلمين بانه قادهم وهداهم بامر الله عزوجل، ولم يمن عليهم بانه أخرجهم من ظلمات الجاهلية الى نور الهدى بامر من الله تعالى شأنه. كما أن التاريخ الاسلامي لم يذكر ان الرسول الخاتم صلوات الله عليه وآله سمى دولته العظيمة باسمه. بل أنه عندما غير اسم يثرب ليصبح اسمها المدينة لم يقل ان اسمها مدينة محمد مثلاً. غير أن آل سعود غيروا التاريخ وقلبوا حقائق الامور، وتسموا بغير حقيقتهم واطلقوا على أنفسهم مسميات الملوك والامراء، وطغوا وتجبروا على الانسان واستعملوا العنف والقتل بحجة الحدود وهم أكثر الناس جهلاً باحكام الحدود وكيفية تطبيقها وموازينها ومعاييرها وأصولها. إذ أن الاصل في الاسلام الاباحة وأما المحرمات فقد وردت بها نصوص ثابته، والحدود ليس أصلاً في الاسلام. الاسلام أنتج مفكرين وفلاسفة وأعلاماً بعد أن حرر العقل من قيود الجاهلية، واستنهض الوعي الجمعي من الركود، وهؤلاء الفلاسفة والأعلام كانت قد غزت شهرتهم آفاق الارض وأيقضت الوعي عند شعوب الارض وأممها، وأظهر الاسلام كتاباً عمالقة وشعراء وأدباء حرروا ملايين الصفحات وحبروا تلالا من صحائف المعرفة في كل الفنون ولم يقفوا عند حد علم ما أو عرق ما أو طائفة ما. ومن الملاحظ أن هذه العائلة لم تخرّج إلا ما هو بعيد كل البعد عن الجانب المعرفي والعلمي والانساني، ولهذا حاولوا سد هذا الجانب واطلقوا جزافاً اسماء وعناوين على مشايخهم ليظهروهم بمراتب العلم وهم أبعد ما يكون عن حقيقة العلم. ففي الوقت الذي كان العراق ومصر وسوريا ولبنان يقودون الفكر المعاصر من خلال جامعاتهم ومدارسهم ومراكزهم العلمية، وفي الوقت الذي خرج العراق ومصر وسوريا ولبنان الاف الادباء والمفكرين والفلاسفة والشعراء والادباء والفنانين، نجد أن آل سعود ودولتهم بالمقابل تغرق في ضحالة التفكير وهي لم تقدم للانسانية أي معرفة فكرية، ولو ارادت الادعاء بانها تكتفي بالاسلام لوجب ان يكون الاسلام حقيقة مصدراً من أهم مصادرهم الحضارية لكنهم تركوا الاسلام وعادوا لجاهليتهم في الحياة والتفكير وهم يعتمدون على الاخرين في كل الناتج الحضاري. صحيح أن العراق وسوريا ولبنان ومصر وغيرهم كانوا هم أيضاً تحت نير الاستعمار البريطاني والفرنسي والايطالي ألا انهم تعلموا كيف يستفيدون حتى من مناهج التفكير الحضاري عند هؤلاء. ولهذا كانت منتجات هذه البلدان تحمل سعراً خاصا في السوق الدولية منذ ثلاثينات واربعينات القرن الماضي. فقد كانت الحنطة العراقية والتمور والشلب (التمن) ومنتجات زراعية أخرى تحتل مكانة في سوق المضاربات في البورصات العالمية (سوق لندن) بالاخص، وكذلك القطن المصري يحتل مكانة عالمية في السوق الدولية، إضافة لمنتجاته (منتجات مصر القطنية أو منتجات المحلة الكبرى) وهي تملك سمعة دولية عالية. وفي سوريا كان الحرير الدمشقي الذي حافظ على أصالته هو الاخر يحتل مكانة عالمية في السوق الدولية. والكثيبر من المنتجات الحرفية كانت الاسواق العالمية تتناقلها. كل ذلك كان موجودا قبل ان يظهر النفط، وقبل ان يصبح آل سعود ملوكاً مزعومين على الجزيرة العربية التي تحتل تاريخاً من الانسانية وتراثا هائلاً تم تدميره بحجج واهية لا تتناسب وحقيقة الاسلام ولا تتطابق ومنهج العقل والوعي. مؤسسة الارهاب: إذا كان العراق ومصر وسوريا يفتخرون بصناعاتهم قبل النفط، فيسحق لآل سعود أن يفتخروا بمؤسساتهم في صناعة الارهاب!! كان أل سعود أول من أعاد صناعة القتل على الهوية الذي اسسته الدولة الاموية وتابعته الدولة العباسية. فثمة ركام هائل من تاريخ الاجرام السعودي منذ التاسيس الاول وعبر دويلاتهم الثلاث وحتى الان. نعم أنها بحق أكبر مؤسسة لصناعة الارهاب وخاصو انها وجدت من يدعمها سياسياً ودولية مثل حاضنتها الولايات المتحدة وإسرائيل وكل المراكز العنصرية في أنحاء العالم. فمن بين كل مائة أرهابي معاصر هناك (75-85%) منهم من السعوديين، هذا وفق تقارير المنظمات الدولية التي نالها الارهاب. وكل ممن يدعي انه يجاهد من اجل الاسلام فهو يتبع فكر وفتاوى الوهابيين السلفيين ممن يدعون العلم زيفاً وبهتاناً. فالتفجيرات في العراق وقتل الاطفال والنساء والشيوخ والذبح وقطع الرؤوس كلها تمت بإسم الاسلام الوهابي السلفي الرجعي. وهذا الامر حدث وما زال يحدث يومياً في العراق وسوريا بالاخص وايضا ليبيا وتونس وبعض الدول في آسيا خاصة باكستان وافغانستان وجنوب شرق آسيا. حاليا باتت كل من أوربا وأمريكا بل وكل الدول الكبرى تصرح بان السعودية هي إحدى اكبر مصادر الارهاب في العالم، فكل حوداث القتل باسم الاسلام في أمريكا وبريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا، يقوم بها أما سعوديون أو ممن يتبعون الفكر الوهابي السلفي السعودي وتقوم السعودية بامدادهم بالمال والفتاوى عبر المساجد السلفية في عموم اوربا، او بشكل مباشر عبر جماعات ارهابية تستوطن الدول الاوربية. لهاث قبل الإنهيار الاخير: بات كل أفراد أل سعود يدركون أن نهايتهم قد إقتربت وأن العمر الافتراضي لوجودهم قد صار يعد ثوانية الاخيرة. فما حرب اليمن والتدخل في البحرين قبلها إلا إنتهاك صارخ لحقوق الانسان، وما دسها السموم وتلويث عقول الشباب بفكرهم المنحرف الا تعبير عن الخوف والهلع قبل ان تحين ساعة الصفر وقبل ان يدق الناقوس دقاته الاخيرة في عمر هذه المملة المزيفة. هم لايمتلكون اي من مقومات الاستمرار والبقاء خارج دولارات النفط، وهم غير قادرين على التعايش مع الاخرين فيما لو قررت الولايات المتحدة تغيير بولصلة تحالفاتها. فالنظام السعودي لم يعد الورقة الرابحة بيد أمريكا بعد أن كشفت عدد من الدول ومنها روسيا عن علاقات بين المخابرات الامريكية والبريطانية وبين منظمات إرهابية منها داعش والنصرة وحتى القاعدة قبلهم كلها تتبع الفكر الوهابي السلفي بعد أن اعطت الولايات المتحدة الضوء الاخضر للسعودية في تدخلاتها في المنطقة وحمايتها ودعمها لللارهاب الذي صنعته بايديها. وقد كشف التحالف الاخير المزعوم الذي تقوده السعودية عن لهاث متسارع قبل السقوط. فهي لا تدري ماذا تفعل بعد فشلها الذريع في اليمن الذي صار مستنقعاً يصعب عليها الخروج منه مهما اسدعت من مرتزقة من بلاك ووتر مرتزقة السنغال والسودان وغيرهم. السعودية لا تملك أي من مقومات البقاء والقدرة على الاستمرار لانها بقيت تعيش خارج التاريخ الحقيقي وحاولت ان تصنع لنفسها تاريخاً مزيفاً ولو بإسم الاسلام. الايام القادمة ستكشف عن الكثير من مراحل الانهيار، والسقوط بات وشيكات، والصراعات صارت الان داخل الحلقات الضيقة حول العرش والعائلة بدأت بالتفكك وثمة عناصر كثيرة تؤكد أن الملك سلمان صار خارج اللعبة السياسية وهذا ما يدركة الجميع وخاصة صناع القرار في البيت الابيض، فهم أيضا يستعجلون انهاء الموقف في شبه الجزيرة العربية ليتمكنوا من إخضاع الملك الجديد أي كان ليكون في خدمة المصالح الامريكية وبقاء السيل النفطي يدر في الخزانات الامريكية بالسعر الذي تحدده رغبات حاكم البيت الابيض. والصراع الان يدور بين إبن سلمان وإبن نايف، وخاصة أن الاخير يمتلك خبرة أكثر من الاول فعلى الرغم من أن إبن سلمان سيستعجل ابعاد أبيه عن العرش إلا أنه يواجه خصوماً أقوى منه وأكثر خبرة، لكن الاهم في كل ذلك من هم المفضل لدى أمريكا؟ وماهية هذه الدولة التي ستظهر بعد تفكك المملكة الحالية وإعادة تشكيلها من جديد؟ *** وليد سعيد إبراهيم البياتي
أقرأ ايضاً
- مابين السلطة الرابعة والمؤسسة العسكرية قضية وطن
- المؤسسة العسكرية وجبة رمضان الدسمة
- طريق الحرير والصناعة المحلية