حجم النص
عباس عبد الرزاق الصباغ حملتِ الأخبار الأخيرة التي وردت عن سير أعمال البرلمان العراقي إشارتين في غاية الأهمية، الاولى "مريحة" جدا وتبعث على الاطمئنان والشعور بالرضا النسبي للرأي العام ورجل الشارع للمؤسسة التشريعية التي شهدت إخفاقات وتعثرات كثيرة لاسيما في الفصل التشريعي الأخير من الدورة البرلمانية المنصرمة (الثانية) التي انتهت في الإخفاق في التصويت على الكثير من القوانين او مشاريع القوانين وبالأخص مشروع الموازنة العامة الذي تم ترحيله الى الدورة البرلمانية المقبلة (الثالثة) اي التي نعيش في غمار فصلها التشريعي الاول ويكمن السبب في هذا "الارتياح" هو ان هذا البرلمان قدم انجازين مهمين جدا وغير مسبوقينِ نوعيا وكيفيا وفي فترة قياسية نوعا ما وهما اختيار رئيس جديد للجمهورية ورئيس جديد للبرلمان نفسه اي اختيار رأسي هرمي السلطتين التنفيذية والتشريعية في البلاد في "مرحلة " تشريعية قصيرة قياسا الى المراحل السابقة التي لم تشهد انجازات نوعية مهمة كهذه وبعيدا ـ كما يبدو ـ عن المناكفات السياسية والمماطلات والمعرقلات والمطبات والعصي التي توضع في الدواليب والكيديات المسبقة والشروط والاشتراطات التعجيزية المتقابلة او التي لايمكن تحقيقها، وبقيت الأمنية بانتخاب رئيس جديد للوزراء بهذه الكيفية والسرعة مؤجلة سواء بانتخاب مرشح جديد يحظى بتوافق مقبول من الجميع او بتجديد ولاية السيد المالكي لهذا المنصب، وهناك سبب ثان يدعو للارتياح هو ان الوضع المعقد في المشهد العراقي وتداعيات الوضع الأمني الخطيرة الأخيرة لايحتمل المزيد من المناكفات السياسية والاحترابات الحزبية والتخندقات الكتلوية او المناطقية او الطائفية وغيرها إذ يجب ان يكون الفرقاء السياسيون في درجة ومستوى المنعطف الخطير الذي يمر به العراق ويتحملوا مسؤولياتهم التاريخية الملقاة على عواتقهم وان لاينزلقوا في مساجلات غير محمودة العواقب خاصة في هذا الظرف العصيب والحساس. والإشارة الثانية التي حملتها فحاوي أخبار البرلمان والتي لاتبعث على ارتياح رجل الشارع هو لكون ان الاختيار لهذه المناصب الحساسة جاء بذات السيناريو الكلاسيكي الذي تمأسست عليه العملية السياسية في العراق بعد التغيير النيساني بجعل المنصب الفلاني من حصة كتلة معينة بذاتها وعدم العبور الى كتل أخرى ليس لها " الحق" في هذا المنصب حتى وان قُدمت أسماء اخرى أكثر كفاءة من الأسماء صاحبة "الحق" بالترشيح من قبل كتلهم كونها هي المعنية بذلك وليست غيرها..لان الحصص الثابتة بحسب منهج التحاصص هي خطوط حمر لايمكن تجاوزها من اي طرف على حساب طرف آخر فالكل لهم "حصصهم" ولهم خطوطهم الحمر ولايوجد خط اخضر الا بالتوافق او التراضي واحيانا بالتنازل، ويصدق الحال في بعض الأحيان حتى داخل الكتلة الواحدة او التحالف الواحد، كما ان هنالك خطوطا حمرا عريضة بين الكتل السياسية لايمكن القفز فوقها او حتى التفكير في ذلك، هنالك خطوطا حمرا اصغر منها داخل الكتل او التحالفات او الائتلافات الواحدة ومع هذا يبقى اختيار رئيسي الجمهورية والبرلمان بهذه السرعة والسلاسة والمرونة انجازا إستراتيجيا وتاريخيا كبيرا يُحسب للبرلمان العراقي في دورته البرلمانية الثالثة مع بقاء أماني اخرى مؤجلة مطلوبة من هذا البرلمان من ضمنها العمل على تسوية الملفات المرحَّلة للقوانين او مشاريع القوانين المركونة التي بقيت حبرا على ورق بانتظار ان ترى النور بنفس السرعة والكيفية التي تم بها اختيار رئيس الجمهورية والبرلمان على سبيل المثال لا الحصر قانون الموازنة الاتحادية وقانون النفط والغاز القانون الذي ينظم علاقة السلطة الاتحادية المركزية بإقليم كردستان ويزيل التوتر المستديم فيما بينهما وقانون الأحزاب الذي يقنن الفعاليات الحزبية في البلد وغيرها الكثير من القوانين المعطلة التي تمس أهم مفاصل الدولة العراقية والأمن القومي وحياة المواطنين ومعيشتهم وهي أماني مشروعة وتمثل الحد الأدنى من طموح المواطن العراقي البسيط.. إعلامي وكاتب مستقل [email protected]
أقرأ ايضاً
- المسرحيات التي تؤدى في وطننا العربي
- وللبزاز مغزله في نسج حرير القوافي البارقات
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته