- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المرجعية الدينية الشيعية : قراءة في مقاصد فتاوى القتال
حجم النص
بقلم:لطيف القصاب فتوى الجهاد الكفائي التي أعلنتها المرجعية الشيعية العامة في الثالث عشر من حزيران هل كانت طوق نجاة للحكومة العراقية الحالية كما يحاول تفسيرها بعض أصدقاء الحكومة وبعض أعدائها أيضا أم إنها طوق نجاة للدولة العراقية التي وجدت نفسها على حين غرة في حالة غيبوبة على اثر اجتياح تنظيم عالمي متوحش؟ الحق أن التاريخ المعاصر للمرجعية الشيعية العامة يشهد لها بتقديم مصلحة الدولة على أي اعتبار آخر بل إن هذه المرجعية تحديدا لم تدخل في صراع مع الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق منذ تأسيس دولته الحديثة عام (1921)إلا في الحالات التي تتحول هذه الحكومة أو تلك إلى معول هدم لكيان الدولة أو الضرب في صميمها. لم يحدث أن اصطبغت المرجعية الشيعية العامة على امتداد ذلك التاريخ الطويل بلون سياسي طائفي فحتى في المواقف التي صارت هي وأتباعها غرضا للطعن والتشويه بل القتل والتشريد جراء سياسات بعض حكومات الأنظمة السابقة لم تقع هذه المرجعية في فخاخ الاستفزاز والمراهنة على ترك خط حيادها العام والانحياز إلى معسكر طائفي بعينه. فظلت متشبثة بجادة طريقها السلمي ولم تتورط بخوض مسارات تحيد بها قليلا أو كثيرا عن دورها الاخلاقي. لكن هذه المرجعية التي فضلت أن تختار الاصطلاء هي وأبناء جلدتها بنيران الحكومات الجائرة درءا لمصير دمار الدولة بصراع طائفي أفتت بحرمة قتال الأكراد في عهد زعيمها السيد محسن الحكيم لأنها أبصرت الخطر المحدق بالدولة العراقية آنذاك حينما قررت حكومة النظام السابق أن تخوض مغامرة سفك دماء المواطنين الأبرياء وتفتيت نسيج المجتمع بذريعة وجود خلاف عربي كردي. لقد كانت أولويتا حفظ الدماء والتماسك الاجتماعي هما أساسا الحركة والسكون لدى هذه المرجعية حين تجد الإلزام الشرعي يحتم عليها إصدار فتاوى القتال منعا أو تجويزا. مع ملاحظة أنها لم تُفت بجواز القتال إلا في مرتين اثنتين على مدى قرن كامل تقريبا، وبعد طول أناة منقطعة النظير، ومن دون حسابات ربح وخسارة قد توفرها لها أو تمنعها عنها هذه الحكومة أو تلك؛ يلاحظ هذا الأمر بجلاء في إفتاء المرجعية الشيعية العامة بقتال المستعمر البريطاني حين غزا الأراضي العراقية بعد انسحاب الجيش العثماني، ومن ثم قبولها بحكومات الأمر الواقع التي أعقبت ثورة العشرين ما دامت تلك الحكومات ملتزمة بإحلال الأمن الأهلي وتتولى مسؤولية حفظ أرواح مواطنيها وممتلكاتهم بنجاح. وهذه الفتوى الأخيرة التي أطلقتها مرجعية السيد السيستاني وأعقبت انهيار الجيش العراقي في الموصل أمام تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) إنما جاءت منسجمة أيضا مع أولويتي الإفتاء بالقتال ألا وهما حفظ أرواح السكان وممتلكاتهم والحيلولة دون انهيار السلم المجتمعي في العراق بصراع مخطط له منذ أمد بعيد ويستهدف إفناء كلتا الطائفتين السنية والشيعية على حد سواء عبر احتراب يبدأ بمتشددين سنة وشيعة أولا؛ ولا ينتهي إلا بإبادة الكل للكل. هذا هو المفهوم من طبيعة الفتوى استنادا إلى سياقاتها التاريخية ومعطياتها الحاضرة، ومن ثم فمن الغريب أن تُوضع هذه الفتوى في صورة تأييد لحكومة عجزت على مدى سنوات عديدة عن تحمل مسؤولية حفظ دماء الناس وأعراضهم وأخفقت في منع انهيارات مجتمعية هائلة، وما تزال - وهذه هي الطامة الكبرى- تفكر بأفق ضيق لا يتعدى الخوف من خسارة رئيسها لولاية ثالثة.
أقرأ ايضاً
- كيف السبيل لانقاذ البلد من خلال توجيهات المرجعية الرشيدة ؟
- المرجعية وخط المواجهة مع المخدرات
- الأهمية العسكرية للبحر الاحمر.. قراءة في البعد الجيوستراتيجي