حجم النص
بقلم:عاصف الجابري أقول بكل إصرار كما يقال: العرب واليابان تشابه البدايات واختلاف النتائج، وإذا تحدثنا عن العراق نقترب أكثر من الواقع الملموس، في ماضي تجارب الحكم بعد الحرب العالمية وانتهاء بالعراق الجديد. دكتاتورية إمبراطورية وحروب وضربات نووية، ثم احتلال لليابان عام 1945-1952م، أنتفض بركان من كوامن الطاقة الى الثورة الصناعية التكنلوجية اليابانية، تصيبك الدهشة حين المقارنة، تعتقد إنهم من كوكب لم يكتشف عند بعض قادة العراق الجديد. تصدى للموقف السياسي الياباني خلال سبعة أعوام قادة، لم يستنكفوا أن يطلق عليهم عملاء من البعض، يبذلون جهودهم لإعادة بلادهم الى الواجهة، صادقين الأفعال بلا شعارات. سقطت اليابان بعد الحرب العالمية الثانية بيد الاحتلال الأمريكي، بعد حروب مدمرة وقنابل نووية، لا تملك في وقتها بنية تحية، وليست من البلدان النفطية، حتى جاع الشعب وتظاهر ليعرف ماذا يأكل الإمبراطور والقادة، ولم يجدوا اختلاف عن طعام الفقراء. تلك القنابل أيقظتهم الى نهضة العقل الوطني، حتى أرسل الأف البعثات الدراسية وتطوير الشهادات، تطابق تفكير ساستها مع القيود الدولية بمنع صناعة السلاح واستيراده او عسكرة المجتمع، وتوجه البوصلة نحو التطور التكنلوجي الخادم لاقتصاد بلادهم والتنمية البشرية. بعد 7 سنوات استطاعوا أن يقولوا للأمريكان لا حاجة لنا بكم؛ اليابان تم بنائها. قادة لم يكونوا معارضة في الخارج، ولم تأتي امريكا لإسقاط رأس النظام الإمبراطوري، لم يذوقوا مرارة الغربة والعيش مع معاناة الفقراء والمحرومين قبل الاحتلال؛ كي يقاسمهم الفقير رغيف خبر أطفاله، أسسوا للديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة. بعد 2003 م فاجأتنا تجاربهم وتطورهم خلال ما ينقل لنا بأجهزة الصناعات اليابانية.عرفنا من حق أي مواطن أن يكون له الطموح السياسي، سمح الدستور للجميع ممارسة العمل سواء بالصوت الانتخابي او الترشيح خدمة للوطن، نعتقدها من ثمار تضحيات كبرى على مذابح الحرية، شارك الرجال والنساء بجهاد لا مثيل له ضد الطاغوتية والاستبداد والتفرد والمصالح الفئوية؛ الأمهات المحرومات مرملات صابرات على فقدان الأبناء والأزواج، يتحملّن كدّ العيش في النهار وإيواء المجاهدين في الليل والسهر على راحتهم، بينما تنام المومسات حتى الظهيرة في سراديب المزارع الرئاسية ودهاليز القصور بعد الليالي الحمراء، تحمل سلاح رجولة الثمالى وتفرغ غرائز الخنازير.من مساوئ ترجمة الديموقراطية أن لا يفرق بين الجهاد والرذيلة؛ حتى تعتقد الماجنات من حقها ان تشمل بمكرمة المعاناة السياسية ورد الشرف المباح، يسمح لبعضهن في فوضى الديموقراطية الترشيح لتكون برلمانية تعالج بواسيرها، او تصليح أسنانها المتأكلة من التدخين و المشروبات، تجمل وجه الماضي القبيح، وأنف يشم به روائح الفساد الإداري على خطى المنتفعين، تحتاج الى تبيض وتضيق ما عاد يصلحها (الشب) ومستحضرات التجميل المستوردة، فتحت للرذائل والانحطاط كل ابواب الشرف، وفتح السماسرة لها صندوق أموال المحرومين و حصة مرضى نتائج الحروب والفقر.اليابانيون يتبادلون التحية بالخضوع لبعضهم، وعند شعورهم بالغريب من بلد أخر تحيتهم أشبه بالركوع، ينتحر المسؤول حينما لا يكمل المشروع في سقف زمني يضعه لنفسه يساوي نصف الفترة المحددة، دفعوا شرف بلادهم الى الأمام، والفائض من الأموال يجمع لمساعدة الشعوب النائمة، برامجهم تطوير ودراسات وبناء مدارس ومستشفيات وقضايا إنسانية. الشعب الياباني صنع قادة بهذا الطراز، اختار لدولته أن تكون مضرب أمثال لنا، يتضارب برلمانهم بالكراسي (والبو كسات) حفاظاً على العملية السياسية الناجحة. عشرة سنوات بعد سقوط الدكتاتورية، سباق على الرذائل، الرابح الوحيد، سماسرة تقودهم فتيات الظلام، بقاياهم اطنان نفايات يعتاش عليها ثلث شعب يعيش تحت خط الفقر، قتله دخان مخلفات البترول. الاقتصاد الياباني من بين الدول الثمانية الأغنى، والكمبيوتر يقفز كل يوم مئات الخطوات، في وقت نعجز عن صنع قلم يعلم أطفالنا الكتابة، وبقدر حبة قمح استطاع اليابانيون ان يسجلوا تاريخ أمتهم وتضحياتها العظيمة ورجالها على مرّ العصور، وإذا أردنا اللحاق باليابان، لابد ان نعد قائمة طويلة من المفسدين للانتحار على أنفسهم.
أقرأ ايضاً
- مسؤولية الأديب في زمن الاحتضار.
- المسؤولية المدنية المترتبة عن استخدام الذكاء الاصطناعي
- فلسطين والجامعات العالمية والصدام الكبير