- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
عناصر ثورة الإمام السجاد عليه السلام
حجم النص
الجزء الأول ... حسن كاظم الفتال حين نعمد إلى تعريف الجريمة نجد أنها تعني الذنب أو المعصية أو كل ما يتسبب بالشر للآخرين. أو هي القيام بعمل مشين محظور شرعا وقانونا يرتكب بسلوك شاذ مناف للأخلاقيات المتعارف عليها في المجتمعات ولعل مخالفة أمر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله يعد جريمة يعاقب عليها مرتكبوها. وكلما كان حجم الجريمة أكبر كلما كانت تحمل أكثر بشاعة والبشاعة: الخشونة والقبح في كل شيء والرداءة والغلظة وكلما لا يستساغ. إذن لنتساءل: كيف يتسنى لنا معرفة مدى حجم البشاعة والفظاعة التي يمكن أن توصف بها أي جريمة معينة ؟ هل من خلال حجم الجريمة وسعتها ؟ أم من خلال ما تتركه الجريمة من أثر سلبي وانتشار ذلك الأثر ؟ هل يحق لنا أن نصف الأمويين بأنهم من أكبر فئة أتصفت بالبشاعة والفظاعة في ارتكاب الجرائم ؟ إذ أنهم ارتكبوا أبشع جريمة تأريخية بحق الدين والعقيدة وبحق الإنسانية بسفكهم دمَ ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وثلة ٍطيبةٍ من أهل بيته الأطهار وأصحابه الأبرار صلوات الله وسلامه عليه أجمعين ولعلهم أي الأمويين أرادوا أن يثبتوا علانية وجهرا بغضهم ليس لأمير المؤمنين علي عليه السلام الذي هو صنو النبي محمد صلى الله عليه وآله ووصيه وخليفته من بعده فحسب إنما اثبتوا بذلك بغضهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وآل بيته الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وبهذا البغض أيضا أعلنوا بغضهم لله. فثمة تصريح واضح لذلك الحقد الدفين أطلق في الميدان بواقعة الطف. يدنو الإمام الحسين عليه السلام من القوم ويخاطبُهم لا لشيء إلا لإلقاء الحجة البالغة عليهم ليدمغ شر نهج باطلهم بنور صراط حقه فيقول عليه السلام: يا ويلكم أتقتلوني على سنة بدلتها ؟ أم على شريعة غيرتها ؟ أم على جرم فعلته ؟ أم على حق تركته ؟ كان يمكن لفاعلية هذا التساؤلات أن توخز ضمائرهم وتوقظها من سباتها وتحرك عقولهم المتحجرة إن كانت لهم ضمائر أو عقول إنما لم يثبت ذلك بل ثبت العكس تماما ساعة حان ميعاد نفث السم وإظهار قوة الحقد وشدة الضغينة ليكون جوابهم بكل صراحة ووقاحة: إنا نقتلك بغضا لأبيك!!! هذا الرد إشارة واضحة وبيان صريح لإعلان الحرب وإن ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وابن قاطع الأصلاب ومفرق الأحزاب قربة إلى الله لا يروق له لا يليق به أن يتردد عن قتالهم ليقوم بقتالهم انحراف الأمة. إذ أنهم طلاب دنيا وهم أكبر وأشد المتشبثين بالدنيا والمتعلقين بها وبملذاتها وهم على أتم استعداد لأن يضحوا بكل شيء من أجل هذه الدنيا التي لا تغاير نظرته عليه السلام لها نظرة أبيه عليه السلام الذي يرى أنها لا ترقى إلى أكثر من تشبيهها بفردة نعل بالية، وما مدى المرور بها إلا مساوٍ لعفطة عنز. والإمام الحسين عليه السلام المعصوم المفترض الطاعة القائل قول الحزم والحكم والحتم لا يقول ما لا يفعل حاشى. فقد وقف يطبق شعاره بنبذه للدنيا الدنية بكل ما تشمل وابتعاده عنها واقترابه بل إتصاله الحقيقي بالله عز وجل دون غيره وشوقه الشديد إلى ملاقاة ربه وراح يصرح بإعلان ذلك إعلانا تاما وواضحا وصريحا بقوله عليه السلام: لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما. وليس أكثر بيانا وتصريحا لما نوى عليه من إنشاده إذ يقول عليه السلام: فإن تكن الدنيا تعد نفيسة فإن ثواب الله أعلى وأجزل وإن تكن الأرزاق قسما مقدرا فقلة سعي المرء في الرزق أجمل وإن تكن الأموال للترك جمعها فما بال متروك به المرء يبخل وإن تكن الأجساد للموت أنشئت فقتل الفتى بالسيف في الله أفضل عليكم سلام الله يا آل أحمد فإني أراني عنكم اليوم أرحل أرى كل ملعون ظلوم منافق يروم فنانا جهرة ثم يعمل لقد كفروا يا ويلهم بمحمد وربُهم ما شاء في الخلق يفعل لقد غرهم حلم الإله لأنه حليم كريم لم يكن قط يعجل وبادر بالشروع لأن يكون الأول في تطبيق شعاراته التي أطلقها تطبيقا تاما قبل غيره وهو الأصدق في ذلك والقدوة الحقيقية لكل من اتبعه وانتهج نهجه الشريف. وإن أولئك القاصدين محاربة نهج رسول الله صلى الله عليه وآله الرسالي بمحاربة سبطه المنتجب عليه السلام والمعلنين عن ذلك لم يكن ينمو في أرواحهم وأنفسهم وأجسادهم شيء أكثرُ من نمو بغضهم لأمير المؤمنين علي عليه السلام. ولو كان إثبات ذلك بحاجة إلى شاهد فليس أقرب مما أثبتوه عمليا من خلال فعلتهم التي صارت سبة عليهم وألحقت بهم وبمن اتبع منهجهم العار لذلك صاروا مصداقا لقول الشاعر: قسما بمكة والحطيم وزمزم ** والراقصات وسعيهن إلى منى بغض الوصي علامة مكتوبة * * كتبت على جبهات أولاد الزنا من لم يوال من البرية حيدرا * * سيان عند الله صلى أم زنا ويعتنق سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام براق الشهادة وتعلو روحه وتسمو نفسه الزكية الطاهرة إلى السماوات العلا لتستقر بموطنها الطبيعي وهو الجنة مع جده وأبيه وأمه وأخيه مغادرا دنيا رافضا أشد الرفض البقاء فيها والعيش مع حبابيها والبائعين من أجلها كل القيم والمبادئ والمثل العليا التي تبرز إنسانية الفرد وتميزه عن سواه من المخلوقات.يغادر الدنيا جسدا وتظل روحه الطاهرة ترعى أسمى المبادئ والمتمسكين بجلالتها. الجزء الثاني لا شك أن رحيل ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله سيد الشهداء عليه السلام ترك أثرا كبيرا وواضحا على كيان الأمة ومكوناتها ومعنوياتها بأدق التفاصيل وعلى نفوس الناس بمختلف إتجاهاتهم وتوجهاتهم وتبعياتهم وأهوائهم. من المؤكد أن حدوث أي صراع بين جلالة وشدة نبل وعظمة الخير وقوة وغلظة وشراسة الشر لابد من ظهور نتائج أو إفرازات ولا يمكن أن تتساوى النتائج في الصراعات. وليس أبرز صراع من ذلك الذي حدث في واقعة الطف يوم سعى الشر وأعوانه المتمثل بيزيد وابن زياد وأعوانهما من الأرذلين والأسفلين إلى اغتيال روح الخير المتمثل بسبط رسول الله صلى الله عليه وآله الإمام الحسين عليه السلام. أُجِجَت نار الصراع والمقتدحة شرارته من اجتماع السقيفة كما يصف هذا الصراع ويُعَرِفه الجميع. استعرت النار في أرض كربلاء المقدسة وهي بالحقيقة لم تخمد بعد. انبثق أوار زفير هذه النار من أتون الحقد والضغينة ولعل الجانب الآخر الذي أدى دورا عبثيا سيئا هو الحسد على من استحق استحقاق صادقا ارتقاء أعلى المراتب دون غيره واعطيت هذه المراتب من الله جل جلاله. هذا فضلا عن رجحان كفة الجشع والطمع في النفوس التي تُغَلِب المصلحة الخاصة على أية مصلحة عامة وتذوب في المنافع وتتفاعل معها وترفض رفضا قاطعا أية مصلحة عامة لأنها تتقاطع مع مجريات المنفعة الخاصة. هذه الصورة أصبحت واضحة كل الوضوح وراح يشاهدها الجميع بالبصر والبصيرة وهذا مما سبب حدوث ردة فعل معاكسة لا تحمد عقباها في أحيان كثيرة. لذا فإن ثمة أصوات احتجاجية وافتضاحية هنا أو هناك راح الحق يطلقها وتعددت واختلفت أسباب إنطلاقها. إنما باتت جميعها تصب في مصب واحد يكوِّن ظاهرة استنكارية تدعو إلى المطالبة بأخذ ثأر المقتول والمسفوك دمه ظلما وإثما وعدوانا وهو سبط رسول الإنسانية ومنقذها من الضلالة والجهالة النبي الأكرم المصفى محمد صلى الله عليه وآله. وباتت هذه الأصوات المنطلقة تمثل أجراس خطر تنذر بهز عروش السافكين دم الطهر والطهارة. وكادت أن تأجج نار الثورة بل أججت وأفرزت انتفاضات وثورات عديدة. فما كان على أولئك الحكام إلا أن يجهدوا في إخماد هذه الأصوات وبطرق عديدة ومختلفة تنسجم مع التوجهات والإتجاهات والميول والقناعات والأهواء والمزاجات. فأعدوا السيف القاطع المذخور لحز الرقاب لمن يرفع صوتا بحق وصدق وإصرار وعزيمة، ولوَّحوا بالدينار للصوت المتذبذب أو المهزوز أو ما يماثله وما أكثر المغريات. هذا من جانب أما من جانب آخر فقد أُجبر الحكام على الوقوف عند مفترق سبل وفرض الواقع عليه أن يختاروا سلوك سبيل ينجيهم وتحتم عليهم أن يخيروا أنفسهم بين الرضوخ إلى رأي وقناعة أصحاب الأصوات التي أطلقها الحق والإستجابة بقناعة تامة لصداها المدوي وبين أن يقدموا كل ما بوسعهم من أجل أن يُحكِموا قبضتهم على كل مجريات الأمور. وأولوا جل اهتمامهم بالخيار الأخير واعتماد هذا الخيار والذي هو الصراع من أجل البقاء حتى وإن احتاج إلى عناصر تعينهم على نيل مرادهم هذا. فراحوا يستخدمون من الوسائل والأساليب ما يرونه مناسبا في تحقيق الأهداف. وتحقيق ذلك دفعهم إلى أن يحاولوا إعادة المجتمع إلى عصر عبادة الأوثان بتغيير كل المجريات الفكرية والروحية والنفسية ومن خلال صرف الناس إلى الملذات الدنيوية وإشغالهم عن عبادة الله سبحانه وتعالى. ولم يتردد أي من أولئك الحكام عن استخدام أي وسيلة أو سبيل لقتل القيم والمبادئ والمثل العليا ومكارم الأخلاق التي تسمو بالفرد إلى سامقات الذرى ومحو كل ما هو متعلق بمعالم الحق والخير والسعادة والكرامة حاولوا أن يغتالوا كل ذلك في روح الفرد ليسلخوه عن ذاته المقدسة ويجردوه من المروءة ونقاهة الوجدان وصحوة الضمير ولعلهم أفلحوا في تحقيق أهدافهم في كثير من المواطن. إذ أن للباطل وسائل جذب كثيرة ومتعددة يعكس التماع صورها بريقا يخدع الأبصار وإن كان منطلقا من واحات السراب البعيدة الخادعة. إنما الحق المرتكزة صلابته داخل النفوس والضمائر يبث إشعاعات الطمأنينة لتنتج الأمن والأمان. هذا الحق يمنح تابعيه قوة لا تتزعزع أبدا ولا يبدي حاملها أي تراجع أو تردد. وليس اتباع الحق بعملية يسيرة خصوصا حين يكون الطريق موحشا لقلة سالكيه. فالسالك طريق الحق يمتطي التحدي والقوة والعظمة والعزيمة والإصرار امتطاءً ويسوق كل المغريات والمعطيات ولا تسوقه المغريات والإغواءات. يقتحم الميادين وهو متقلد القيم والمبادئ والمثل العليا وكل ما يرمز للقوة الربانية. وهذا التقلد والامتثال يجعله مرتبطا ارتباطا روحيا وثيقا بالله عز وجل وحين يكون الحال هكذا فمن البديهي أن يرفض الملبي نداء الحق كل ما يرمز إلى الإنحراف الذي يدعو له الظلمة بأساليبهم ووسائلهم المتعددة والمتنوعة للظلم والجور ويرفض كل من يدعو لذلك. ولما كادت الأمة أن تخلو من وجود أي منقذ أو مغيث أو مخلص لها من الجهالة والضلالة وأصبحت أي الأمة بحاجة إلى وخزة توقظها أو تذكرها بما فاتها من فرص الاكتساب لأحسن الدروس وأبلغ العبر وظلت تترقب بحنين وتوق لظهور أي امتداد حسيني يواصل عظمة الهزة التي أحدثها سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام بنهضته العظيمة المباركة ولابد لآثار ذلك الزلزال أن تظهر وتؤدي فاعليتها. وهذا ما حتم على الإمام المعصوم والمفترض الطاعة علي بن الحسين السجاد عليه السلام أن يتصدى لكل ذلك ويعيد القوة والصلابة لأواصر العلاقة بين العبد وربه ويحارب كل الأفكار المنحرفة التي تصدر من هنا وهناك. وتقلدت نفسه الزكية بأسلحة عظيمة لا تشبه أسلحة الطغاة العتاة فهي ليست سيوفا قاطعة تحز الرقاب كما يفعل الظلمة بل هي الأكثر فتكا والأقوى والأقدر على سحقهم وسحق أسلحتهم مهما كانت قوية وقاطعة. سلاح جاهد به غاية الجهاد وأحرز به أفضل النتائج المرجوة. كان سلاحه الأول والأبرز البكاء: وكم أصبحت الدمعة أبلغ وأكبر وأعظم من أي خطاب آخر.
أقرأ ايضاً
- الذكاء الاصطناعي الثورة القادمة في مكافحة الفساد
- الرسول الاعظم(صل الله عليه وآله وسلم) ما بين الاستشهاد والولادة / 2
- الرسول الاعظم(صل الله عليه وآله وسلم) ما بين الاستشهاد والولادة