حجم النص
بقلم :هادي جلو مرعي
يبدو أننا نتجه لمثل هذا الخيار في ظل تصاعد حمى الرغبة لدى جماعات بشرية ومن كافة القطاعات لولوج ميدان العمل الصحفي في بلاد الرافدين خاصة خلال السنوات القليلة الماضية التي شهدت أوسع عملية ظهور إعلامي بمختلف الأوجه والأشكال من خلال التأسيس لقنوات فضائية بالعشرات تحتل رقما مهما في معادلة السبعمائة قناة فضائية عربية، وهي تزرع الفضاء بالديناميت العربي الطائفي والقومي، وأصناف من الرقص الشرقي والدعارة المقننة ،عدا عن قنوات لأحزاب وقوى سياسية وقراء القرآن ومنشدين وقنوات إعلانات مختلفة ،عدا عن قنوات إخبارية ترمي ب(شرر كالقصر) تحرق الأخضر واليابس بدءأ من جنوب تركيا عند الحدود الشمالية لسوريا ،وليس إنتهاءا بالشمال الأفريقي، وآخر بقعة عربية على المحيط الأطلسي الهائج المائج ،تساندها قنوات لأشخاص ومجموعات دينية وقومية وقنوات تعليمية وترفهية، وربما عدد يفوق الحصر من قنوات الغناء العربي الأصيل والفصيل والردح على الطريقتين الشرقية والغربية .
في العراق يفوق عدد الذين يتجهون للعمل الصحفي نظراءهم من الراغبين في العمل في قطاعات أخرى. ولعل واحدة من الأسباب الدافعة لهذا التوجه إن هذا العمل لايحتاج بالضرورة لشهادة جامعية أو تحصيل علمي كما هو الأمر مع الذين يتقدمون لطلب وظائف في وزارات الدولة الأخرى التي لاتوجد فيها درجات وظيفية لكنها تفتح باب التعيين غصبا وإكراها من أجل حل أزمة سياسية أو أمنية ..عدد الراغبين في الزواج من العراقيين لايتجاوز سنويا عدد المنتمين لمؤسسات إعلامية، وهم لايفقهون شيئا من الإعلام ،ولاثقافة تسند سعيهم، وربما كان هناك العشرات منهم الآن يتخبطون كمراسلين ومراسلات، ومذيعين ومذيعات، ومقدمي برامج ومقدمات، ومحرري أخبار ومحررات، وواحدهم وواحدتهن لم يقرأ أو تقرأ في كتاب منذ سنوات أو لعلها لم تقرأ سوى ماأكرهت عليه من كتب المناهج الدراسية العقيمة وهي لاتفرق بين كلمتي ( ينحصر وينحسر)لا في اللفظ ولا في المعنى، ولاعلم لها بمعاني الكلمات ومخارج الحروف ،وهولاء أيضا لم يفقهوا شيئا من اللغة التي يكتبون ويحررون ويقرأون بها ،وهو نوع من انواع المصائب غير مكترث به من أحد في بلد يشهد أمرا لايحدث في بلد آخر أبدا.... غريب إن وزيرا وغفيرا وسائقا وعاملا في محطة بنزين وفلاح وعاملة خدمة ومنظفة وطبيبة ومهندسة وربة بيت كلهم يملكون هويات العمل الصحفي التي توزع بالمجان من هذا الكيان الإعلامي أو ذاك، فتجد الغانية والزانية والقواد وبائعة الهوى تحمل بطاقة العمل الصحفي وسائق التكسي ( يتكشخ ) فيها على ( المكاريد ) من عناصر الشرطة في السيطرات، بينما يحرم الصحفيون الممتازون والصحفيات من ذلك ،ولعل الغريب أن كل هولاء في الداخل يسرحون ويمرحون لاهين ويحملون تلك البطاقات الصحفية في حين أن صديقا يملك ويدير مؤسسة إعلامية عراقية تعمل في قلب أوربا وبلغات متعددة ومعه خبراء ومختصون في الشأن الإعلامي ياتي ويروح ويستهلك الوقت والجهد والأموال ليصل بلده العراق ولثلاث مرات ليحصل على هوية صحفية إعتزازا ببلده وشعبه ولايحصل عليها.
نقابة الصحفيين العراقيين التي تسجل أعلى عدد من الصحفيين في العالم ب ( ستة عشر ألف) صحفي تعجز الآن عن التعامل مع أربعة آلاف ملف مقدمة لها من صحفيين محترمين و(عربنجية وكلاوجية) ولاتدري ماتفعل؟ فإذا لم تمض المعاملات فهي متهمة، وإذا أمضتها فهي متهمة، خاصة وأن كل تلك الملفات وطلبات الإنتساب قانونية ومدعومة بكتب تؤيد عمل أصحابها ،وسألني عن هذا مسؤول في النقابة،وقال ،بربك وأنت المختلف معنا ،لو كنت المسؤول ماتفعل؟ ،قلت ،نعم قد أختلف معكم وألومكم على أشياء وأشياء في إدارة العمل الصحفي، لكني لن أفعل الكثير، وربما طالبت البرلمان بتشكيل وزارة لاتخضع للمحاصصة بإسم (وزارة الصحفيين العراقيين ) أسوة بباقي القطاعات الوظيفية في البلاد ،والوزارات التي قد لايتوفر ببعضها عشرات من الموظفين .
ملاحظة أخيرة،في بلد أوربي يبلغ عدد العاملين في جهاز المخابرات مائة موظف فقط .