قولوا ما شئتم عن حسني مبارك، ولاحقوا ملايين الدولارات التي سرقها، وانتقدوا حجم التخريب المتعمد الذي ألحقه بالحياة المصرية، وألّفوا عشرات الكتب التي تفضح حياة رجل أذل العرب، وانشروا قصائد الهجاء لسيرة خائن، وتابعوا فضائح نظامه التي ستكشفها الأيام، ولكن عليكم أن تتذكروا أنه أشرف ألف مرة من القذافي، وذلك للأسباب التالية:
حسني مبارك لم يقدم نفسه زعيماً للأمة، ولم يقدم نفسه قائداً ثورياً، حسني مبارك قدم نفسه رئيساً بسيطاً فاشلاً فاسداً، بينما مارس معمر القذافي على أرض ليبيا ما هو أسوأ من مبارك، وفي الوقت ذاته يدعي أنه قائد ثورة، وزعيم أمه، ورافع شعار التقدمية.
حسني مبارك كان يلتقي مع الإسرائيليين علناً، ويقدم لهم التسهيلات الاقتصادية، والمساعدات الأمنية، ويحمي حدودهم، ويخجل من نفسه قليلاً، ويدعي أن ذلك ضمن اتفاقيات كامب ديفيد، بينما الزعيم الليبي معمر القذافي يمارس سراً ما يخجل منه مبارك علانية، ويقدم أجل الخدمات الإستراتيجية للإسرائيليين بالشعارات الزائفة، والعمل الجدي على إشغال الإنسان الليبي بهمومه، بعد أن أفسد كل طيب في حياته.
حسني مبارك سرق مليارات الدولارات، التي يمكن استرداد بعضها، وتتبع الباقي، ولكن الرجل لم يدع يوما أنه أبو الشرف، بينما القذافي أهدر ثروة ليبيا، ودمر غازها، وبدد نفطها، وأهان مقومات حياتها، ونهب كرامتها، ثم يأتي ليبيع الأمانة والشرف على الشعب الليبي، ويقدم نفسه للعرب على أنه نصير الفقراء، وداعم المظلومين.
حسني مبارك اعترف بضعفه، وحاجة نظامه إلى أمريكا والغرب، ونفذ لهم سياساتهم كما يتمنون، وقال علناً هو ومن سبقه: إن أوراق الحل بيد أمريكا، ولا طاقة لنا فيها، بينما معمر القذافي يقول: طز في أمريكيا وقت الضحى، وفي الليل يقبل حذاء وزيرة خارجيتها.
حسني مبارك لم يقصف المصريين في ميدان التحرير بالطائرات، ولم يطلق الرصاص الحي بالكثافة نفسها التي مارسها نظام معمر القذافي في المدن الليبية.
حسني مبارك أطلق الحريات إلى حد ما، وسمح للكتاب وللإعلاميين بانتقاد نظامه، وأجرى انتخابات برلمانية شكلية، تحايل فيها على الناس، بينما معمر القذافي لم ير في ليبيا شعباً يستحق أن يكذب عليه، ويجري له انتخابات ولو شكلية، القذافي رأى في نفسه ليبيا، وحسب نفسه ربها المعبود. لذلك كان هتاف الجماهير الليبية، لا إله إلا الله، والقذافي ليس الله.
سيقول بعضكم: إنهم جميعهم عطن. ولكنني أقول: إن العطن درجات. وإذا كانت إسرائيل قد نزفت الحزن على رحيل مبارك، فإنها ستنزف الحسرة على رحيل القذافي.