- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الحسين جوهر الإسلام وهوية التشيع
في عاشوراء الفائت كتبت مقالا بعنوان (الحسين خط احمر لا تتجاوزوه رجاء) ردا على مقالة لأحد الكتاب العراقيين المغتربين من ذوي الاتجاهات العلمانية او اليسارية (وهو عينة مصغرة من شريحة كبيرة من الانتلجنسيا العراقية والعربية وحتى العالمية) ومن كافة الاتجاهات ومنها الإسلامية، تناول فيها القضية الحسينية العظمى من خلال بعض مظاهرها (المستحدثة منها خاصة والتي لم تكن موجودة في حياة المعصومين والأجيال المرجعية التي جاءت بعدهم) وفي خلط مفاهيمي مشوش ومفبرك حاله حال الكثيرين ممن اختلطت عندهم جوهر وأعراض هذه القضية واشتبكت مفاهيمها وأهدافها وحقائقها ومآلاتها وذلك مع ما موجود على السطح (الشارع) أي بامتزاج القضية الحسينية مع ممارسات ومظاهرات الشارع وهذا الامتزاج كان يفترض أن يكون امتزاجا مابين هوية الحسين ومابين العزاء الحسيني ونقول \"يفترض\" وهذا الافتراض يعرض \"المفترِض\" الى سوء فهم وربما الى ابعد من ذلك للأسف!! .
وقلنا في عاشوراء الماضي ونقولها الى الأبد إن الحسين خط احمر بحجم السموات والارضين، احمر بلون الدم الزاكي الذي سفك ظلما وعدوانا وجرأة على الله ورسوله على صعيد كربلاء في ظهيرة العاشر من محرم بعد إحدى وستين سنة من هجرة جده النبي الى يثرب ليؤسس أول قاعدة للدين الذي هو عند الله الإسلام والحسين كله بدون تجزئة خط احمر لا يتجزأ.
للإسلام المحمدي الاصيل هويتان: الأولى الهوية التأسيسية فخرجت بإمضاء محمد والثانية الهوية الوجودية وخرجت بإمضاء الحسين وكان علي بن أبي طالب مشاركا أساسيا في الهوية الأولى ومشاركا ممهدا في الهوية الثانية فهو مرتكز الهويتين وهو المؤسس الثاني والممهد التالي بعد محمد ولا هوية لأي مسلم بدون إمضاء محمد والحسين ومن لم يكن حسينيا فهو ليس بمحمدي ومن لم يكن محمديا فهو ليس بمسلم وهذه هي دائرة الإسلام والإيمان تبدأ من محمد وتنتهي بمحمد ولابد من أن تمر بالحسين وبإمضاء علي أمير المؤمنين.
هنالك حد أدنى مشترك بين اغلب المسلمين في التعاطف مع قضية الحسين بغض النظر عن ماهية التعاطي الابستمولوجي مع كينونة هذه القضية كرسالة حفظت (إن الدين عند الله الإسلام) من الاندثار أدراج الرياح وكي لا تكون رسالة خاتم الأنبياء وتلك التضحيات الجسام محل استهزاء يزيد الذي صرح للجميع حتى الذين يعدونه \"ولي أمر\" حسب نظرية الإمامة التي يعتنقونها بان لاوحي جاء من السماء ولاخبر نزل ولو لم يضحِّ الحسين بنفسه المقدسة لضاعت جميع الجهود من آدم ولماتت جميع الرسالات من إبراهيم ، وهذا التعاطف الإسلامي الشعبوي العارم عند جميع المسلمين وعلى مدى القرون الأربعة عشر التي خلت كان في حده الأدنى إن الحسين هو ابن رسول الله وسيد شباب أهل الجنة وابن أمير المؤمنين وابن فاطمة البتول وحسب المرء من الدنيا هذا الحسب والنسب والمجد الذي لا يضاهى والشرف الذي لا يدانى (فكيف بالحدود العليا حيث يتمظهر الحسين بجميع تمظهراته ويتجلى الحسين بجميع تجلياته وتتكامل حقائق الحسين وتتكاشف سيمياءاتها القدسية والروحانية وحتى المادية من عالم الملكوت الى صعيد كربلاء ) ولم يكن وما كان هذا التعاطف يحتاج وما احتاج يوما ولن يحتاج أبدا الى تسويق او دعاية او ترويج فالحسين لم يكن تجارة (وهذه إحدى حقائق الحسين الكامنة ) او إيديولوجيا متبناة فهو الرسالة المحمدية ذاتها وهو الإسلام نفسه وهو الامتداد النهضوي لمحمد فضلا عن كونه الامتداد البايلوجي له فـ(من) التبعيضية في (انا من حسين وحسين مني انا) لها أكثر من امتداد رسالوي ونهضوي وبايلوجي بل هي الامتداد الواصل بين الأرض والسماء وهو الحلقة الموصلة مابين الثقلين الأكبر والأصغر والحسين هو مرتكز هذين الثقلين وهو الثقل الأكبر بعينه كونه عدل القرآن وهو الثقل الأصغر بالنص الصريح وهذه هي هوية الحسين التي يجب أن تتمظهر فيها وتستنبط منها هوية العزاء الحسيني بما يتناسب مع الحسين كموسوعة حضارية ومعرفية متكاملة للنهضة والثورة والشهادة والتضحية وعلى جميع المستويات الإستراتيجية التي حفظت (إن الدين عند الله الإسلام) من الضياع فالعزاء الحسيني يجب أن ينطلق من الحسين نفسه بما هو الحسين وكونه من محمد ومحمد منه أي ينطلق من الرسالة نفسها ومن محمد نفسه فهو أي الحسين اكبر واهم واجل وأعظم قدرا من مسألة عاشوراء(وهي إحدى حقائق الحسين وما أكثرها وما خفي كان أعظم حتى من عاشوراء) وملحمة الطف التي سطرها بدمه الشريف وروحة المقدسة، ويجب أن يتسم العزاء الحسيني بما اتسم به الحسين نفسه كونه موسوعة كاملة متكاملة من المعارف والأخلاق والسلوك القويم والمبادئ والقيم التي تمثل هوية الحسين كما يجب أن تمثلها هوية العزاء الحسيني، وهذا العزاء ليس تذكيرا بالمأساة فقط أو إشعارا بالفاجعة فحسب فالحسين لاينسى كي يذكر وهو أصل من أصول الدين (الإمامة) فلو نسي الحسين او تناسته امة جده (وهذا محال) فلا يبقى للمسلمين أي أصل من أصول الدين فضلا عن فروعه فلا يبقى توحيد ولانبوة ولامعاد ولاعدل وتصبح الصلاة والصوم والزكاة نسيا منسيا وكما يتوهم يزيد ومن سار على سنته السيئة (لاخبر جاء) . فمن يبكي او يلطم على الحسين او يمارس أية شعيرة إنما يفعل ذلك ليكون خير زاده التقوى لان الحسين باعتباره شخصيا واعتباريا أصلا من أصول الدين ضحى بنفسه المقدسة كي يكون خير الزاد هو التقوى لوحشة الطريق وبعد السفر، وهذه إحدى أهداف القضية الحسينية عامة ومنها عاشوراء وليس كلها عاشوراء لان قضية الحسين قضية الإسلام كله وعاشوراء جزء من الحسين وليست كل الحسين ولتتطابق الهويتان الحسينية والعزائية في مصداق واحد ؟؟
نعود الى هوية الحسين وهي القاعدة التي تنطلق منها هوية العزاء الحسيني بتواشج وتلازم وتناسق وتناغم وتجسد فان حصل (انفصام) او انفصال بين الهويتين (وهذا ما يعاني منه اغلب نخب الانتلجنسيا) فهذا مأزق بنيوي ومطب مفاهيمي التبس على الكثير وتتحمل الأجيال بكل مستوياتها مسؤوليته فالبعض وجد إن القضية الحسينية بسماتها الموسوعية تختلف (او يختلف عنها) بعض الشيء بعض مظاهر العزاءات الحسينية تلك العزاءات التي أسست تأسيسا عقائديا في حياة النبي وكان اول عزاء فعلي على عرصة كربلاء ومازال ساري المفعول حتى الآن وسيبقى الى يوم القيامة لان الحسين حفظ الثقل الأكبر وهو شخصيا الثقل الأصغر وهما باقيان الى الابد رغم انف كل من قلبه مرض او شك سيما الوهابية ومن سار على ضلالاتهم وأباطيلهم .
الشيء الذي يؤسف له إن البعض حين يشيرون مجرد الإشارة الى أن تكون هوية العزاء الحسيني مصداقا لهوية الحسين ذاته يجعلون أنفسهم غرضا للشتائم واللعنات والقذف الذي يعاقب عليه الحسين نفسه كونه احد مفاعيل الشرع المقدس فهذا يرميهم بالكفر والزندقة وهذا يتهمهم بالإلحاد او اليسارية او البعثية وحتى بالتهم اللااخلاقية التي لايجوز أن يطعن بها اي مسلم (لاتكونوا سبابين او طعانين او فحاشين...) وهذا المشهد لا يتكرر إلا في العراق مع وجود الكثير من الاغلبيات او الأقليات الشيعية في الكثير من الدول فما الفرق مابين شيعة العراق عنهم وما الفرق مابين هوية العزاء الحسيني العراقي عن غيره في بقية دول العالم وهل هناك أكثر من حسين ام أكثر من هوية للحسين ام أكثر من هوية للعزاء الحسيني اسئلة تبحث عن اكثر من جواب؟؟
باحث وكاتب عراقي [email protected]
أقرأ ايضاً
- مكانة المرأة في التشريع الإسلامي (إرث المرأة أنموذجاً)
- البكاء على الحسين / الجزء الأخير
- البكاء على الحسين / 4