- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
انصفوا كربلاء انها مدينة الحسين (2)
خفف الوطء انها كربلاء، متحف الآثار النبوية والرسوم العلوية والمعاني الفاطمية والكرامات الحسنية والشهادات الحسينية ..خفف الوطء انه التراب الذي سال عليه دم الحسين ونهبت على اديمه خيمة زينب واحرق فسطاط للسجاد .. خفف الوطء انه الصعيد الذي دارت عليه واقعة الطف الفجيعة حيث وقف الحسين ونادى الا من مغيث يغيثنا وهاهنا سقط علي الاكبر وذبح رضيع آل محمد من الوريد الى الوريد..خفف الوطء انها معراج الانبياء ومسرى الاولياء ومعبد الاتقياء ومهبط الملائكة ومهوى القلوب ومجرى الدموع ومحط رحال عاشقي من كان يرتقي صدر المصطفى ويحبو في حضن المرتضى ويرضع الامجاد من الزهراء ، من كان جبرئيل يتشرف بخدمته وميكائيل رهن اشارته والملكوت ساحة فيضه .
ابتداء:
ان جميع الجهود الامنية لمشكورة سلفا على كل ما تقدمه من خدمات جليلة في حفظ الامن وتحقيق الامان وخدمة المولى ابي عبد الله الحسين ..ولكن !!
كل من يزحف الى كربلاء وحين تتراءى امام ناظريه القباب الشريفة الشامخة تتطاول مع الافق الصاعد نحو السماء، تهفو حينئذ القلوب وترنو العيون وتنحني الرؤوس وتشير الايدي بالتسليم لسيد شباب اهل الجنة سبط النبي وريحانته ولأخيه فتى الفتيان وشبل حيدرة الكرار، وحين تلامس قدما الزائر الارض التي شرفها الله بالحسين واهل بيته واصحابه فإن عوارض من الكونكريت الاصم التي تشبه الصم الصياخيد تقف امام الزائرين خاصة اولئك القادمين من خارج العراق في منظر قد لا يتكرر في مكان آخر من العالم اما الآتون من داخل البلاد فلن تكون \"تصوراتهم\" و\"مشاهداتهم\" بأقل غرابة عن القادمين من الخارج وان كانوا قد اعتادوا مشاهدة ومعايشة تلك \"الجبال\" في مدنهم ومناطقهم ولكن ليس بهذه الصورة التي تحيل المدينة ـ أية مدينة ـ الى معسكر او قل ولا \"تخف\" قلعة من تلك التي تشبه قلاع القرون الوسطى غير \"المخترقة \" امنيا.. في حين انه قد يكون من المقدور عليه ان تكون الصورة بشكل آخر واكثر مهنية واقتدارا امنيا واكثر جمالية وتنظيما بما يليق بمدينة الحسين التي تحولت في الوقت نفسه الى مدينة تعج بالفوضى ــ بعد ان اختنقت وشلت ــ والنفايات والازبال والشوارع \"التي لا تصلح للاستهلاك البشري \" والطرق المحفرة والممزقة والمكسرة والارصفة التي تحولت هي بدورها الى \"طابو\" للبعض الذين استولوا حتى على الشارع فضلا عن الرصيف وعلى \"عناد\" بلدية كربلاء فاستحال الهاجس الامني المبالغ فيه حتى الهوس والحذر والحيطة والانتباه والمعالجات الامنية الاستباقية وربما الخوف والهلع والجزع واحتمال الفشل وكذلك القطوعات التي شملت الشوارع والدرابين والازقة والتفرعات وكل شرايين الحياة... استحال كل ذلك الى كابوس من كوابيس اليقظة اقض مضاجع الجميع من مقيمين وزائرين ووافدين وسائحين وعابري سبيل وغيرهم فصارت المدينة القديمة بذلك رقعة غير متناسقة او متجانسة تشبه الى حد ما لعبة \"الحية والدرج\" وهي اقرب الى تنظيم ساحات المعارك المليئة بالخنادق والعساكر والحراب والاوامر العسكرية منها الى تنظيم مدينة عصرية فضلا عن كونها مدينة الحسين ذات المواصفات الكونية والعالمية ..
ولو ان تلك الاجراءات ساهمت مساهمة فعالة وقاطعة في الحد من الارهاب لهان الامر ولتجرع المواطن الكربلائي فضلا عن الزائر مرارة الواقع والاجراءات التي كان القصد منها حماية المدينة المقدسة بعد ان شهدت الكثير من الاعمال الارهابية والعمليات المسلحة للخارجين عن القانون وما أحداث الزيارة الشعبانية العام الماضي الا دليل على حجم التحدي الذي تواجهه مدينة كربلاء باتفاق الجميع، ولكن هذا لا يعني ان يدفع المواطن البسيط ثمن عدم جاهزية او اخفاق الاجهزة المعنية وقتئذ في حفظ الامن وبعد ان كانت المدينة مسرحا لمن هب ودب للخارجين عن القانون والمليشيات اضافة الى الفوضى الامنية التي ادت لاكثر من مرة الى حدوث كوارث امنية فيها فضلا عن سلسلة طويلة من التفجيرات التي استمر بعضها حتى بعد تحويل المدينة القديمة الى قلعة \"حصينة\" ، وفي كل مرة بمناسبة او بدونها يخرج علينا المسؤولون الامنيون وغيرهم ليؤكدوا ان تلك الاجراءات المكثفة والاستعدادات العالية هي لحماية المدينة والمراقد المقدسة وارواح الزائرين ولولاهم ولولاها لازيلت كربلاء من على الخارطة ولتحولت الى اطلال ، شكر الله سعيهم وجزاهم خير جزاء...
ولكن الا توجد صيغة اخرى باعتماد آليات اخرى اكثر جدوى وفاعلية ومهنية من مسألة التفتيش التقليدي الذي يعتمد على \"التلمس\" و\"الحظ\" والصدفة واعتماد ما يسفر عنه التلمس والحظ والصدفة من نتائج كانت في بعض الاحيان في غير صالح المفتشين المتلمسين ..وعملية التفتيش هذه تصاحبها عبارات في غاية اللياقة والكياسة واللطف والاحترام مثل \"بدون زحمة\" و\"مولاي اتفضل للتفتيش\" و\" حجية افتحي العلاقة\" و\"نحن في خدمتكم \" وعبارات اخرى مشابهة تقال للزائرين الاجانب ويعتمد التفتيش مع التلمس الروتيني على اجهزة \"سونار\" والتي كنا نتمنى ان تكون اجهزة اكثر تطورا وفاعلية من هذه التي نشاهدها ... الا يوجد بديل مناسب يعتمد اجهزة متطورة وكادرا متدربا ومتخصصا اضافة الى الجهد الاستخباراتي الذي يستغنى به عن تلك البوابات والعوارض والقواطع التي كلفت الدولة والمواطن مبالغ طائلة وشوهت من ما تبقى من جمالية كربلاء وحولتها الى ثكنة عسكرية بانتظارهجوم مسلح عاصف وتحولت كل بوابة او قاطع بذلك الى مايشبه المخفر او مركز الشرطة او ثكنة مصغرة ؟.
اين الكاميرات التي وعد بها مجلس محافظ كربلاء الاهالي قبل مايقرب الشهرين والتي كان من المفترض شراؤها من المانيا بالاضافة الى التحاق كادر الماني متخصص بها لنصبها في شوارع المدينة وتدريب العاملين عليها ؟ والتي من المفترض ان تقلل من \"الزخم\" الحاصل من القطوعات والعوارض في تلك الشوارع.اين التنسيق بين الحكومة المحلية في كربلاء المقدسة وبين الجهات الامنية المختصة ؟؟ الا تؤخذ بنظر الاعتبار معاناة القاطنين في المدينة القديمة وآراء الزائرين الذين يشعر الكثير منهم بالاهانة والامتعاض من عمليات التفتيش البدائية التي لا تليق بحجم التحدي الذي تواجهه المدينة ومستواها الحضاري الراقي.. انصح جميع المسؤولين في المحافظة بغض النظر عن مواقعهم ومسؤولياتهم بان يتجنبوا الآراء التي تتخذ من المجاملة والمحاباة والتملق جملا(بفتح الجيم والميم) للتعبير عن \"الخدمات الممتازة والامن المتوفر \" وانما بالاستماع الى آراء المواطنين مباشرة من افواههم وليس عن طريق آخر مثل بعض وسائل الاعلام التي تجير توجهها ونشاطها لخدمة هذا المسؤول او ذاك ولاسباب معروفة وعلى النهج ال(....) القديم .
ان الكثير من المناطق داخل المدينة القديمة تضررت بشكل كبير ومنها منطقة \"باب بغداد\" و\"باب السلالمة\" التي رفع فيها بعض الاهالي لافتات ناشدت الجهات المختصة حينها برفع الحيف عنهم والالتفات الى ارزاقهم التي قطعت بفعل الاجراءات الامنية ولكن \"السادة المسؤولين\" حفظهم الله ورعاهم وبفضل ديمقراطية هذه الايام امروا بازالة تلك اللافتات مع التهديد بمعاقبة من يكرر ذلك..اما الاسواق فقد تحول بعضها ـ سوق باب السلالمة نموذجا ــ الى مضمار \"رالي\" سباق لاصحاب الستوتات ،وما ادراك ما الستوتات، والدراجات بكافة انواعها مع استهتار الكثيرمنهم بارواح الناس المتبضعين داخل السوق بسبب قطع الشوارع المحاذية للسوق وخنقها مع سبق الاصرار والترصد، وانا اتمنى من كل من يتصدر المسؤولية في هذه المحافظة التي نكبت وماتزال منكوبة بأن \" يستمتعوا \" بالتسوق داخل هذا السوق ولكن انصحهم بعد اصطحاب اطفالهم الاعزاء او حريمهم المصون معهم في هذه الجولة الممتعة خوفا عليهم مما لايحمد عقباه ، مع العلم ان الكثير من هذه الستوتات المدللات والدراجات التي تسير بسرعة الصوت يدخل السوق اعتباطا والله الساتر ..
الا يستحق اهالي كربلاء خاصة المدينة القديمة ان ينعموا ولو عن طريق الوعود الكاذبة والصفقات الوهمية او المناقصات التي لايعرف سوى الله من يقوم بها او من اية \"جهة\" تنفذ او المشاريع التي \"لا تهش ولا تنش\" بشيء من الرفاهية التي تنعم بها اية مدينة اخرى في العالم كله؟؟...
ان كربلاء وضمنها المدينة القديمة صارت عبارة عن سجن كبير يذكرنا بايام \"زمان\" وابسط شيء ان المواطن داخل المدينة القديمة ليحتار اذا اراد ان يستقل سيارة ــ مثلا ــ من اين وكيف ومتى وانىّ يفعل ذلك سيما اذا صادف عنده حالة طارئة ؟! ناهيك عن معاناة الناس في تنقلاتهم ونقل بضائعهم وعفش بيوتهم واثاث منازلهم ودون ان ترف عين او يتوجع قلب او يتحرك ضمير !!
ختاما
لم اشأ ان انقل المفاضلة التي يتداولها الناس بين عهد مضى ـ ولااحب ان اذكره بالاسم لاني لا يشرفني ذلك ــ حيث كانت كربلاء اكثر نظافة وتنظيما وبين عهد مازلنا نعيشه والذي صرت اسمع فيه آراء وتعليقات اخواننا الايرانيين المقيمين اياما معدودات فقط بان مدينة كربلاء \"خيلي كسيف\" و\" خيلي خراب\" والمعنى في قلب المترجم... وهي مدينة الحسين ايها السادة الذين لاتكلفون انفسكم ولو ليوم واحد بالنزول مرة واحدة الى الشوارع لالقاء ولو نظرة واحدة ـ ان تفضلتم وتكرمتم ـ عن كثب على \"المنجزات\" العملاقة التي يرفل بها الكربلائيون وهم يتنفسون غبار شوارعهم الممزقة التي عبدت منذ عقود طويلة وقبل ان تغادروا مكاتبكم التي وصلتم اليها باصوات الناس البسطاء الذين انتخبوكم واودعوا الامانة في اعناقكم ...
فكيف ستكون التعليقات عن هذا \"الوضع\" باللسان العربي الفصيح لمن قضى عمره فيها وصار يندب حظه مرتين... والحر تكفيه الاشارة...