
بين القرارات السياسية والظروف الطارئة، يجد المواطن العراقي نفسه عالقاً في دوامة العطل المتكررة، وبالرغم من وضوح قانون العطل الرسمية الذي أقره مجلس النواب العام الماضي لتنظيم آلية منح العطل، إلا أن تعدد القرارات المحلية، ومنح العطل من قبل المحافظين، خلق فجوة قانونية أرهقت الاقتصاد، وأضعفت أداء المؤسسات الحكومية، وفق متخصصين.
وفي خضم موجة البرد التي اجتاحت العراق خلال الأيام الماضية، أعلنت عدد من الحكومات المحلية عن تعطيل الدوام الرسمي، لتتزامن تلك العطل، مع قرارات مشابهة خلال تشييع جنازة الأمين العام السابق لحزب الله اللبناني السيد حسن نصر الله في لبنان.
وحول هذا الأمر، يقول النائب عارف الحمامي، إن “كثرة العطل في العراق تعود إلى تعدد القوميات والمذاهب التي لديها مناسباتها الدينية المختلفة، وهذا ما يحصل في كثير من دول العالم، لذلك فإن كثيرا من العطل تعتبر فرضا وواقع حال لا يمكن تغييره، خصوصا عطل المحافظات التي تقام فيها المناسبات الدينية، وما ينتج عنها من غلق الطرق بسبب زحام الزائرين”.
ويضيف الحمامي، أن “هناك إمكانية لعرض دراسات من قبل المختصين على مجلس الوزراء، تتناول حجم الخسائر التي يتكبدها البلد بسبب العطل، وبناء على ذلك، قد يتم اتخاذ قرار بإلغاء عطلة يوم السبت من كل أسبوع، مما سيلزم جميع المؤسسات بالعمل وفق هذا التعديل”، مبينا أنه “في حال التزم المواطن بأيام الدوام الرسمي والعمل بصورة حقيقية خلال ساعات الدوام فإن هذا الأمر سيعوض عن الأيام المفقودة جراء العطل”.
يذكر أن تكرار العطل في المحافظات خلال الأسبوع الماضي، أثار انتقاد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي وجه المحافظين بضرورة تقديم أسباب حقيقية وموجبة لتعطيل الدوام، خاصة خلال تقلبات الطقس، مشددا في بيان على ضرورة الالتزام بالتوقيتات المثبتة للعام الدراسي وتوفير الوقت الكافي لإتمام المناهج التعليمية.
يشار إلى أن العشرات تظاهروا السبت الماضي، في البصرة، مطالبين بتعطيل الدوام الرسمي، وذلك للمشاركة في تشييع جنازة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، قبل أن تعلن إدارة المحافظة الاستجابة لمطالبهم.
وكان البرلمان، أقر العام الماضي، قانون العطل الرسمية، وشمل 11 عطلة في السنة، فضلا عن العطل الرسمية العامة وهي يومي الجمعة والسبت، مع إعطاء صلاحية لمجلس الوزراء بالغاء عطلة يوم السبت عند الضرورة، وجاءت العطل كالتالي: الجمعة والسبت من كل أسبوع، 1 محرم الحرام، 10 محرم الحرام، 12 ربيع الأول، (1-3) شوال عيد الفطر، (10-13) ذي الحجة عيد الأضحى، 18 ذي الحجة عيد الغدير، 1 كانون الثاني رأس السنة الميلادية، 6 كانون الثاني عيد الجيش، 21 آذار عيد نوروز، 1 أيار عيد العمال العالمي، وبعد التصويت، قرر أعضاء البرلمان، إضافة عطلة جديدة يوم 16 آذار (جرائم البعث والانفال والهجوم على حلبجة).
من جهته، يؤكد الخبير الاقتصادي، عبد الحسن الشمري، أن “العطل الرسمية خلال العام هي قرابة 140 يوما، بما فيها الجمعة والسبت، ولكن في الواقع هي أكثر من ذلك بكثير، بسبب الطوارئ، حيث يتكبد العراق خسائر في كل يوم عطلة أكثر من 170 مليون دولار”.
ويوضح الشمري، أنه “يجب على البرلمان تعديل قانون العطل الرسمية بشكل معقول، دون زيادات أخرى، كون العطل في الزيارات الدينية تجاوزت الحد المسموح في القانون، وذلك عبر قرارات الإدارات المحلية”.
ويتابع أن “تحديد أيام العطل يجب أن يكون بيد الحكومة المركزية وليس بيد المحافظات، لأنها توسعت في هذا الأمر وأصبحت اعداد العطل لا تحصى، وتقر لأسباب غير موجبة”، مطالبًا بـ”زيادة عدد ساعات الدوام الرسمي لساعة أوساعتين لتعويض أيام العطل والخسائر الفادحة الناتجة عن هذا الأمر”.
جدير بالذكر، أن تعطيل الدوام الرسمي في العراق، يشمل بدوره كافة السفارات والقنصليات في دول العالم، وهو ما أثر سلبا على الدول التي تحتوي جالية عراقية كبيرة، حيث تأثرت هذه الجالية بتوقف عمل السفارات، لاسيما بقضايا منح الجوازات المرتبطة بالإقامة في تلك الدول، وبعض الأوراق الرسمية الأخرى التي يحتاجها المقيم العراقي، وهو ما لم تضعه تلك الدول في الحسبان، خاصة في المعاملات التي فيها موعد محدد لإنجازها.
وتحولت العطل الرسمية، إلى شبه ظاهرة في العراق، وباتت تمنح بسبب غزارة الأمطار في الشتاء أو ارتفاع درجات الحرارة في الصيف، فضلا عن المناسبات الدينية العديدة أو الوطنية.
إلى ذلك، يؤكد الخبير القانوني علي التميمي، أن “ملف العطل الرسمية في العراق مرسوم بشكل دقيق في قانون العطل الرسمية رقم 12 لسنة 2024، إذ خول المحافظات التي تضم مراقد دينية، كالنجف وكربلاء، وقضاء الكاظمية، وسامراء صلاحية تعطيل العمل في الدوائر والمؤسسات للمناسبات الدينية”.
ويتابع التميمي، أن “القانون أوضح العطل الدينية للمسيحين والأيزيديين، كما أجاز لمجلس الوزراء تقرير عطل رسمية مؤقته لمناسبات خاصة دون أن تتجاوز 7 أيام في السنة”.
وينفي “وجود نص قانوني يجيز للمحافظين إعلان العطل كونها ليست أقاليم”، لافتا إلى أنه “بموجب المادة 78 من الدستور، فإنها أعطت صلاحيات واسعة لرئيس الوزراء لتعطيل الدوام في البلاد، لذلك فإن منح العطل هو من اختصاص مجلس الوزراء حصرا”.
يشار إلى أن الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، كشف في منشور له، العالم الماضي، عن خسائر العطل الرسمية في العراق، وأكد أن مجموع العطل الرسمية وغير الرسمية، أي عطل الجمعة والسبت والتي تعلن بشكل اضطراري فضلا عن المناسبات الثابتة، بلغ 140 يوماً، ليكون مجموع أيام العمل السنوية 225 يوماً، وفيما يبلغ مجموع الرواتب 70 ترليون دينار (وهذا الرقم عند نشره المنشور آنذاك) أي أن معدل الرواتب لليوم الواحد هو 192 مليار دينار، وهو ما تخسره الدولة في كل يوم عطلة رسمية واضطرارية، لتكون قيمة الخسائر لهذه العطل باستثناء الجمعة والسبت 8.4 ترليون دينار.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- العطش في العراق.. أزمة المياه تدفع السكان للهجرة الى كربلاء والنجف والبصرة
- التجارة الإلكترونية في العراق.. "ثغرات وبيروقراطية" تهدد الباعة الصغار
- "التناقض" يتسيد البيانات الرسمية تجاه الضغوط الأمريكية