
في السوق الشعبية لمنطقة حي العامل غربي العاصمة بغداد، يجلس أبو علي، القصاب الستيني، على كرسيه الخشبي، يراقب قطع اللحم المعلقة أمامه وهي تتأرجح بفعل الرياح الخفيفة التي تتسلل إلى محله من دون مشتر، فيما كان متجره قبل أسبوع فقط يعج بالزبائن.
يقول أبو علي، انه “منذ انتشار أخبار الحمى القلاعية التي تصيب الدواب، والناس تخشى شراء اللحم، حتى لو كان سليما”.
ويضيف الرجل الستيني، أن “الناس تحتاج إلى طمأنة حقيقية من وزارة الصحة، لكي تعود لشراء اللحم، خصوصا بعد الأحاديث الطبية عن عدم تأثيرها على صحة الإنسان وعدم انتقالها كعدوى، وكإجراء احترازي لم نعد نجلب كميات كبيرة من المجازر لكي لا تتسع خسارتنا”.
الحمى القلاعية المتوطنة في العراق منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وفق ما تقول وزارة الزراعة، عادت بقوة مجدداً، لتفرض نفسها كخطر داهم يهدد الثروة الحيوانية، خاصة بعد أن ضربت المواشي في عدد من المحافظات العراقية، وهو ما أثار موجة هلع بين المربين والتجار والمستهلكين على حد سواء.
في البياع، المنطقة المحاذية لحي العامل، يقف محمد الأنباري (45 عاما) صاحب أحد محال بيع اللحوم، أمام ثلاجات ممتلئة، لكنه يدرك أن البضاعة قد تبقى لأيام دون تصريف.
ويشير الجزار الأنباري، إلى أن “رغبة واتجاه الشراء حاليا تحول من اللحوم الحمراء إلى البيضاء، فهي لا تفرق بين اللحم المصاب والسليم، كل شيء أصبح مشبوها بنظرهم”.
والحمى القلاعية من الأمراض المعدية، تظهر الإصابة في الأبقار والجاموس على شكل قزح في اللثة ويتسبب بسيلان اللعاب، ويفقد الحيوان على إثره شهية الأكل والشرب، ويصبح هزيلاً، كما أنه يصيب حوافر الحيوان بالتهابات تصل إلى درجة قلعها، ولذلك سمي بالحمى القلاعية.
ومؤخرا، ارتفع معدل الإصابات بين الحيوانات بمرض الحمى القلاعية ليصل إلى 3 آلاف إصابة، مع نفوق 654 حيواناً، بحسب ما أعلن وزير الزراعة عباس المالكي، الذي أشار إلى أن مرض الحمى القلاعية لا ينتقل إلى الإنسان ولم نسجل أي إصابة بين صفوف المواطنين، مؤكدا أن استهلاك اللحوم ومنتجات الحيوانات آمن ولا يشكل خطرا على حياة الناس.
كما شدد وزير الزراعة على أن “الفرق البيطرية الجوالة التابعة للوزارة تعمل حاليا ليل نهار على تعقيم الحظائر وتلافي انتقال الفيروس بين الحيوانات”، مؤكدا على “توفير اللقاحات والأدوية بشكل مجاني لمربي الحيوانات”.
لكن على خلاف الحديث المطمئن للوزير المالكي، تؤكد لجنة الزراعة في مجلس النواب، “عدم السيطرة على المرض”، الذي انتشر في العديد من المحافظات، بما في ذلك العاصمة بغداد، إذ أكد عضو اللجنة ثائر الجبوري، عدم السيطرة على وباء الحمى القلاعية الذي انتشر في مناطق واسعة من البلاد، خاصة في مناطق الرصافة ببغداد، مبيناً أن دائرة البيطرة كانت متأخرة جداً في الإجراءات الاستباقية لتجنب مثل هذه الأوبئة التي تؤثر بشكل مباشر بالثروة الحيوانية.
ومن جهته، أطلق رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، بتوجيه تضمن تشكيل لجنة تحقيقية، بخصوص “ما أشيع من إصابات الجاموس والأبقار بالحمى القلاعية”، لافتا إلى أن “اللجنة باشرت أعمالها في متابعة حالات نفوق الحيوانات، وتحديد أسبابها من خلال الزيارات الميدانية، وسحب النماذج المرَضية للحمى القلاعية بالاستعانة بالخبرات المحلية والدولية، وبالتنسيق مع وزارة الزراعة ومنظمة الغذاء والزراعة الدولية (الفاو)، لغرض فحص العينات في المختبرات المرجعية العالمية”، بحسب بيان لمكتبه.
وفي هذا الصدد، يحذر الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه، من “التداعيات الاقتصادية لاستمرار تفشي الحمى القلاعية في العراق، فعدم السيطرة على هذا المرض قد يؤدي إلى خسائر كبيرة في الثروة الحيوانية، خصوصاً لصغار المربين الذين يعتمدون على المواشي كمصدر رئيسي للدخل”.
ويضيف عبد ربه أن “الحل يكمن في تنفيذ حملات تطعيم واسعة، وتعويض المربين المتضررين، بالإضافة إلى تسهيل استيراد المواشي واللحوم من دول خالية من المرض، وذلك للحد من تأثير الأزمة على الأسواق المحلية”.
ويشير إلى أن “أسعار اللحوم قد تشهد ارتفاعاً يتراوح بين 10 – 20%، مما قد يشكل عبئاً إضافياً على المواطنين”، لكنه يلفت إلى أن “الهايبر ماركت الذي استحدثته الحكومة مؤخراً قد يخفف من الأزمة، حيث يوفر لحوماً بأسعار منخفضة نسبياً، فضلاً عن كونها مفحوصة بشكل دقيق وخاضعة للرقابة البيطرية، مما يضمن سلامتها وجودتها”.
وكان رئيس الوزراء وجه وزارة الزراعة بجرد الأضرار وحصرها ومتابعة معدلات حدوثها وظهورها، فيما طمأنت اللجنة المشكلة، المواطنين بأنّ هذا المرض الذي يصيب الماشية لا ينتقل إلى الإنسان من خلال استهلاك المنتجات الحيوانية كاللحوم والحليب ومشتقاته، ولا يشكل خطراً على صحّة المستهلك.
وفي إطار الجهود الرامية للحد من انتشار الحمى القلاعية، التي تهدد الثروة الحيوانية، شهدت محافظات عراقية عدة إجراءات مشددة لمنع دخول المواشي إليها، فقد أعلنت محافظات بغداد، واسط، بابل، نينوى، البصرة، ذي قار، الديوانية، والمثنى، عن منع دخول المواشي إليها للحد من انتشار مرض الحمى القلاعية.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- بعد اللحم الأحمر.. السمك يغادر سفرة المائدة العراقية
- موجات كورونا جديدة قد تضرب العراق.. وزير الصحة يحدد الإجراءات المتوقع اتخاذها في رمضان ويتحدث عن خطة تشمل الموظفين
- فتاة من الموصل: داعش يأكل اللحم البشري