- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
اجتماع النقيضين في القانون المدني العراقي
بقلم: زينة شاكر خسرو/ ماجستير قانون خاص
ان أصل الأصول هو اجتماع النقيضين محال وارتفاعهما محال، فهي قضية بديهيه من الناحية الفلسفية، فلا يجتمع الوجود مع العدم، وتعد هذه المسألة من البديهيات الأولية التي يتوقف عليها صدق القضية المفروضة، سواء اكانت نظرية او ضرورية، إذ لا يتعلق العلم بقضية إلا بعد العلم بامتناع نقيضها، فمثلاً قولنا الاثنين نصف الأربعة إنما يتم تصديقه، إذا علم كذب قولنا ليست الاثنين نصف الأربعة، ولذا سميت قضية، امتناع اجتماع النقيضين، وارتفاعهما أولى الأوائل، او كما قلنا أصل الأصول، ولكن هل يمكن ان يجتمع النقيضين في القانون المدني؟، فمثلاً هل يمكن ان يجتمع الحق العيني مع الحق الشخصي، في موضوع واحد، وهل يمكن ان يجتمع نظام روماني مع نظام في الفقه الإسلامي في تنظيم موضوع قانوني معين.
ونلاحظ ان التناقض يحدث بين حكمين مختلفين في قاعدتين قانونيتين مختلفتين بحيث يجعل من الوصف مضاد للوصف السابق فمثلاً نص المادة (68) من القانون المدني العراقي عدد (الحقوق العينية الأصلية هي حق الملكية وحق التصرف وحق العقر وحقوق المنفعة والاستعمال وحق الإجارة الطويلة)، اذ ان المشرع جعل حق الاجارة الطويلة من الحقوق العينية الاصلية، والتناقض يكمن في المفهوم المخالف لهذا الحق وهو حق الاجارة القصيرة الذي يعتبر من الحقوق الشخصية، فهذا هو التناقض الذي وقع فيه المشرع.
ولا شك في الفرق الكبير بين الحق العيني والحق الشخصي كون الحق العيني سلطة مباشرة على شيء معين بالذات اما الحق الشخصي فيخول الدائن مطالبة المدين بالقيام بعمل او الامتناع عن عمل كما ان الحق العيني يخول صاحبة حق الأفضلية دون الحق الشخصي، وكذلك نص المادة (740) ق.م.ع نصت (اذا عقد الايجار لمدة تزيد عن ثلاثين سنة او كان مؤبد .......الخ) فمن خلال تحليل النص المذكور نجد ان المشرع العراقي نص الى إمكانية ان يعقد عقد الايجار لمدة مؤبدة أي ان المشرع منح عقد الإيجار احدى خصائص حق الملكية وهي التأبيد وهذا الموقف هو محل انتقاد فكيف يمكن لعقد الايجار الذي هو من عقود المدة ينقلب الى عقد مؤبد تنفصل فيه المنفعة عن الملكية ، وقد يحدث التعارض داخل نص المادة الواحدة فمثلاً نص المادة (219) حيث نصت في الفقرة الاولى ( للحكومة والبلديات والمؤسسات الاخرى ........ مسؤولة عن الضرر الذي يحدثه مستخدموهم .... الخ اما الفقرة الثانية فهي تشير الى ان المخدوم يستطيع التخلص من المسؤولية إذا ثبت انه بذل ما ينبغي من العناية، ووجه التعارض يكمن في ان صدور خطأ من الخادم قرينة قاطعة على ثبوت تقصير في المخدوم لان الأخير يتمتع بسلطة في توجيه التابع ورقابته.
وما تجدر الإشارة اليه ان التناقض يحصل بسبب النقل من القوانين المقارنة بشكل حرفي، و التنوع في مصادر القانون، اذ اعتمد المشرع العراقي على الفقه الغربي والذي بحد ذاته غالباً ما يكون بالنقيض من الفقه الإسلامي، وهذه أدى الى مبالغة في تنظيم الاحكام، مثال ذلك ان المشرع العراقي قد خصص (47) مادة لإحكام المسؤولية التقصيرية وهي المواد من (186 ـ 232) وهو امر تفرد به المشرع العراقي دون بقية التشريعات المعاصرة والسبب في ذلك كما أسلفنا انه حاول الجمع بين أحكام القانون الوضعي وإحكام الشريعة الإسلامية في مجلة الإحكام العدلية خاصة وكتب الفقه الإسلامي بشكل عام.
ومن ثم فأننا نوصي المشرع العراقي في التحلي بالدقة عند سن النصوص القانونية حتى لا تكون متناقضة تؤدي الى عدم انتظام الاحكام القضائية وتعطل سير العدالة.
أقرأ ايضاً
- مصير انبوب النفط العراقي السوري في ظل المتغيرات السياسية
- صهاينة تحت القانون
- الأطر القانونية لحماية البيئة من التلوث في التشريع العراقي