منذ نعومة اظفاره تعلق قلب الشهيد "محـمد قاسم طليس" بالحسين (عليه السلام)، فسار على نهجه واثر في عائلته ومحيطه، وكان متميزا بدراسته وخاصة في الدروس العلمية الرياضيات والبيولوجي، حلمه الذي رافقه هو ان يصبح مهندس ميكانيكي للطائرات المدنية، وكان كثير الطلب من امه ان تدعو له بالشهادة فقضى نحبه بقصف لطائرات الكيان الاسرائيلي على بناية يسكنها المدنيون مع سبع آخرون.
بلدة المئة شهيد
تؤكد شقيقة الشهيد "نسرين قاسم" لوكالة نون الخبرية ان" قريتهم "ضيعة بريتال" قدمت (100) شهيد، منذ سنوات القتال والمعارك مع العدو الاسرائيلي وتحملت العائلات القصف للمدنيين وقتل الاطفال والنساء والابرياء، وكل يوم تقدم القرابين من الشهداء، وبالامس استشهد تسعة مواطنين واليوم استشهد ثمانية، من عشيرة بيت طليس وعشيرة بيت مظلوم وعشائر اخرى، واستطيع القول ان عشيرتنا المعطاء منذ سنوات عدة والى الآن قدمت مئة شهيد بمفردها، ومنطقة البقاع معروفة بالتضحيات والقوة وعدم المهابة من الموت، وليس غريبا على ابنائنا بالتصدي للعدو بقوة وشراسة والتقدم وعدم الفرار من الموت، مثلما وقف الحسين (عليه السلام) وأولاده واخوته واصحابه".
طفل مميز
من جانبها قالت السيدة "سنابل محـمد" ام الشهيد عن سيرة ولدها منذ طفولته لوكالة نون الخبرية ان" ولدي "الشهيد محـمد" هو الرابع بين ثلاثة اولاد وثلاثة بنات في عائلتنا، وكان مميزا من طفولته بين اخوانه واخواته، فهو ولد في العام (1984)، وفي دراسته كان له أثر عند معلميه لذكائه وتميزه العلمي منذ طفولته، وكثيرا ما اعلن عن حلمه في ان يصبح مهندس ميكانيك طائرات، وبالرغم من اني كنت اعمل معلمة في مدرسة "محـمد"، الا اني كنت امنع اولادي من اخبار زملائهم الطلبة باني امهم، حتى يعتمدوا على انفسهم ولا يتميزون عن غيرهم ويكونوا سواسية مع باقي الطلبة، وابرز الدروس التي تميز بها "محـمد" هي الرياضيات حيث اخبرني المدرس المختص بالمادة المبهور بمستواه العلمي ان ولدي فاق كل اقرانه حتى وصل الامر به الى ايجاد حلول وقواعد رياضية غير التي اعطيها لهم وتكون حلولها صحيحة للمسائل الرياضية، كما تفوق بشكل ملحوظ في مادة "البيولوجي" وحقق درجات عالية فيها، وميوله علمية في الدراسة".
ابني علمني
الشهيد "محـمد" كان يحرص بشكل لا يوصف عن رضا والديه، هكذا تصف الوالدة المفجوعة بولدها وتضيف ان" ولدي يفعل لي ولوالده اي شيء نطلبه منه حتى وان كان على غير رغبته او لا يقتنع به، وهو مطيع لنا بشكل تام، وكذلك تعامله مع عائلته الصغيرة زوجته واولاده الاثنين وبنته، وولده الصغير نسخه طبق الاصل عنه، وكان يمتلك عقلية نافذة، وعندما يشاهد فلما فيه حبكة بوليسية او جريمة غامضة، كان يتابعه معي ويحلله ويستنتج ويصل الى القاتل قبل ان ينتهي الفلم وتظهر الحقيقة، وتأثر بأدوار البطولة ورسم لحياته طريقا ان يكون شابا مميزا وهكذا صار عليه، واصبحت ميوله للانضباط والحياة المرتبة، حتى الحقته بدورات "الكشافة" للصبية الصغار، وتغيرت كثير من تصرفاته، واصبح التزامه بالصلاة شيئا مميزا بعد ان كان متكاسلا في ادائها، ونفس الامر في الصوم او قراءة القرآن او الترتيب والنظافة، بل استطيع القول وبكل صراحة ان لولدي "محـمد" تأثرا كبيرا على تصحيح مسيرة حياتي حيث كنا نعيش وسط بيروت بمناطق مدنية تصرفاتها تختلف عن المناطق ذات الالتزام الديني، ولم يكن عندي المام بكامل التكاليف الدينية وكنا نعرف ان السرقة والكذب والزنا وباقي الموبقات حرام ونصلي ، وعن طريقه عرفنا ما هو الالتزام الديني للمرأة وماهي واجباتها، وتحولنا الى عائلة متدينة ملتزمة بتعليمات الشرع المقدس، ولا اخجل عندما اقول انا تعلمت من خلال ابني "محمد"، حيث كان يجلب لنا "كتيبات" عن سيرة الائمة الاطهار وتعاليم مذهب محمد وآل محمد".
طلب الشهادة
تبكي ام الشهيد "محـمد" وهي تتذكر طلب ولدها المتكرر بأن تدعوا له بنيل الشهادة، وتصف حالها بالقول " كيف لقلب ام ان يدعوا لحبيبها بالموت حتى وان كان نيل الشهادة، لكنه كرر هذا الطلب علي كثيرا، وكان له ما اراد عندما استهدف طيران العدو الاسرائيلي مبنى سكني كان يتواجد فيه ولدى "محـمد" واستشهد معه سبعة آخرون، وقد استشعرت منذ نهوضي من النوم ان شيئا مخيفا قد حصل، وشعرت بألم وغصة في قلبي، واكثر السؤال عن "محـمد" ولكن الجميع كانوا يخافون علي واخفوا الخبر عني، ووجدت ولدي الاكبر عصبي المزاج وغير متمالك لأعصابه، بينما وقف اخيه الاصغير على مقربة مني وينظر الي وعيونه محتقنه بالدمع، فظننت انهم تشاجروا، واخبروني ان شابا يقف في الخارج وهو يبكي، ووجدته احد اصدقائه ورفض ان يخبرني بالامر وقال ان اخيه حصل له حادث سير وسبق ان تضرر بحادث سابق ويحتاج الى المال، وطلبت من اولادي توفير المال له، وشاهدت ان الناس بدأوا بالتجمع والسيارات تتوقف بكثرة امام دارنا، وهنا ذهبت الى ابني الاكبر وقلت له هل مات "محـمد"، فصرخ بصوت عالي "محـمد" لم يمت ابنك "محـمد" استشهد بالقصف الاسرائيلي، فهنا بدأت بالبكاء والنحيب، وتقول اعرف انه تمنى طريق الشهادة لكن فراق الابن صعب جدا".
علاقته بالحسين "عليه السلام"
للشهيد "محـمد" علاقة وثيقة بالامام الحسين (عليه السلام) تعود شقيقته "نسرين قاسم" لتصف ذلك بقولها ان" اخي الشهيد "محـمد" تعلق قلبه بالامام الحسين (عليه السلام) منذ طفولته، وخاصة عندما التحق بالكشافة، وجعل مسيرة حياته على نهج ابي عبد الله (عليه السلام)، وكان يجمعنا ويتحدث لنا عن الحسين ومواقفه وبطولاته وبطولات اخوته واصحابه وابنائه وعن العقلية زينب (عليها السلام) ومواقفها في معركة كربلاء وما بعدها في السبي، وكان يردد نيته بطلب الشهادة، ورغم ان ضيعتنا (قريتنا) لم يستشهد فيها احدا في معركة (على طريق القدس)، لكنه كان يقول يجب ان اكون انا اول شهيد من ضيعتنا، وكنا نتوسل به ان لا يردد هذا الكلام، وكان يقول لنا اريدكم ان تفخروا بانكم ام واخت واخ الشهيد، وعنده عشق للحسين بشكل لا يوصف، وانتقل هذا الامر الى ابنائه واولاد اخوتي الاخرين، وحصل من هذا العشق على القوة والشراسة بالتعامل مع المعتدي، ولا يخاف حتى وان تعرض للجرح او الضرر، ودخل دورات تعلم فيها الفنون القتالية مثل "الكاراتيه"، واصر على تدريبنا نحن بنات العائلة على الفنون القتالية للدفاع عن النفس، كما استغل هوايته بالصيد دربنا على الرمي بسلاح الصيد ثم بالسلاح القتالي "كلاشنكوف"، مصرا على ان نكون مستعدين للدفاع عن انفسنا لان جيش الكيان الاسرائيلي الغاصب لا يرحم صغيرا ولا كبيرا ولا طفلا ولا إمرأة، وكان قليل الكلام وكثير العمل، وطبعه كتوم لا يتكلم عن احد ولا عن عمله ولا عن علاقاته".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- مكتب السيستاني بدمشق :يد العون العراقية تمتد الى (7) الاف عائلة لبنانية في منطقة السيدة زينب
- كاظم المنظور وحمزة الزغير ابرز خدامه موكب: جمهور الفاطمية يحيي الشعائر الحسينية منذ العام (1970)
- عائلته امتهنتها منذ (250) عاما: كاظم البازي من اقدم صائغي الذهب في كربلاء المقدسة