بات العراق يعتمد بشكل كلي على الاستيراد ولم يقتصر هذا على المحاصيل الزراعية والسلع والبضائع فقط، بل تجاوزها إلى اللحوم والدجاج والأسماك، فبعد أن كان يحقق الاكتفاء الذاتي من سمك “الكارب” سابقا بات الآن يعاني من السيطرة على أسعاره في السوق المحلية حتى وصلت إلى نحو عشرة آلاف دينار للكيلو غرام الواحد.
وبهذا الصدد، يقول السماك علي البغدادي (44 عاما)، وهو من باعة السمك القدماء في سوق الشواكة ببغداد، إن “أسعار السمك ارتفعت بشكل كبير ما اضطر الكثير من باعته إلى إغلاق محالهم بسبب عدم تحقيق الأرباح اللازمة لتغطية أجور اليد العاملة وباقي متطلبات الحياة اليومية”.
ويضيف “ارتفاع أسعار الأسماك سببه عمليات غلق وردم العشرات من البحيرات، هذا الإغلاق جاء من أجل فتح أبواب الاستيراد للسمك بحجة شحته محليا وارتفاع أسعاره”.
ويؤكد البغدادي أن “غالبية السمك المستورد يدخل من إيران من خلال منافذ إقليم كردستان ويكون سعره أقل من السمك العراقي، كما أن طعمه يختلف قليلا، إضافة إلى أن لونه يكون مختلفا أيضا”.
وكانت وزارة الزراعة قد أكدت في وقت سابق أن العراق يمتلك خزينا إستراتيجيا من الأسماك تعدى مرحلة الاكتفاء الذاتي، مبينة أن العراق لديه فائض في الأسماك.
وكان رئيس الجمعية العراقية لمنتجي الأسماك، أياد الطالبي قد أكد في وقت سابق، أن ارتفاع الأسعار يعود إلى عوامل عدة، في مقدمتها ردم وزارة الموارد المائية الأحواض والبحيرات الصناعية الخاصة بتربية الأسماك وشح المياه، فيما أشار إلى تراجع الإنتاج السنوي إلى 150 ألف طن بعد أن كان يصل إلى مليون طن في الأعوام الماضية.
وتعليقا على موضوع استيراد الأسماك، يوضح المتحدث باسم وزارة الزراعة محمد الخزاعي، أن “حالة الشح المائي في الموسم الماضي دفعت وزارة الموارد المائية إلى إغلاق البحيرات غير القانونية والتي يتجاوز عددها الخمسة آلاف بحيرة، ما أثر على الأسماك في السوق المحلية”.
ويلفت إلى أن “وزارة الزراعة كانت أمام خيارات صعبة ولهذا اتجهت نحو فتح الاستيراد للأسماك وكنا نتوقع أن تحدث هذه الحالة من الشح بالنسبة للأسماك الطازجة، الوزارة سمحت باستيراد أربعة أنواع من السمك وهي البني والبز والشبوط والكطان لمعالجة حالة الشح فيها”.
ويشير الخزاعي إلى أنه “مع ذلك بقيت أسعار الأسماك مرتفعة فوق معدلاتها الطبيعية كون رغبة المستهلك المحلي لا تذهب باتجاه المستورد، وسيتم فتح باب الاستيراد أيضا لاستيراد أسماك الكارب وهذا سيحل جزءا كبيرا من مشكلة أسعار السمك”.
يشار إلى أن عمليات ردم بحيرات الأسماك في عموم محافظات العراق جرت وفق حملة تنفذها وزارة الموارد المائية نتيجة للنقص والشح في المياه، ما أثر بشكل كبير على أسعار الأسماك بعد انخفاض أعدادها في الموسم الماضي، فيما يشكو باعة الأسماك والمواطنين من ارتفاع أسعارها التي وصلت إلى نحو 13 ألف دينار للكيلو غرام الواحد.
ومنذ عدة سنوات برزت أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن جرى تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمئة، تفاقمت الأزمة أخيرا، عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وهو ما أثّر على الزراعة وعلى الثروة السمكية والحيوانية.
بدوره يبين الخبير الاقتصادي جعفر الناصري، أنه “ليس من المعقول أن يصل الحال إلى حد يتم فيه استيراد الأسماك في الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة على إنعاش الإنتاج المحلي وتحريك عجلة الاقتصاد”.
ويتابع “العراق بلد الخيرات ويفترض أن يكون السمك متوفر للحد الذي يدفع باتجاه تصديره إلى الدول الأخرى وليس العكس، هل كان الهدف من ردم آلاف البحيرات هو الحفاظ على المياه أم لفتح الطريق أمام الاستيراد؟”.
ويردف “الثروة السمكية يجب أن تحظى بالدعم من خلال خطط مدروسة تحفظ الأمن الغذائي للعراقيين، حيث نواجه كارثة حقيقية تهدد آلاف العاملين في هذا المجال”.
وأفاد تقرير سابق نشرته الأمم المتحدة عن الأمن المائي بأنّ 17 من 22 دولة عربية مصنّفة على أنها على خط الفقر المائي، بينها 12 تحت خط الفقر المائي المدقع، ومنها العراق.
وعانى العراق في السنوات الأربع الأخيرة من أزمة جفاف خطيرة وصلت ذروتها في عامي 2022 و2023 أدت إلى انخفاض مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات إلى حد أن ظهر قاع النهر في عدة مناطق يمر بها النهرين، كما جفت العديد من الأنهار الفرعية التي تغذي أو تتغذى من دجلة والفرات.
وكذلك انحسرت المياه في الأهوار والمسطحات المائية إلى درجة أدت إلى نفوق ملايين الأسماك وعدد من المواشي.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- العتبة الحسينية اقامت له مجلس عزاء :ام لبنانية تلقت نبأ استشهاد ولدها بعد وصولها الى كربلاء المقدسة
- بعد الانتخابات.. أزمة قانونية وسياسية تنتظر الإقليم والبوصلة تتجه لـ"الاتحادية"