- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الحرب الناعمة تزرع "الجندر" في العراق
بقلم: د. عبد المطلب محمد
نعيش هذه الايام الذكرى الاليمة لشهادة الامام الحسين بن علي (عليهما السلام) وأهل بيته الطيبين وأصحابه المنتجبين الذين استشهدوا دفاعا عن شريعة النبي الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والمعتقدات الاسلامية الحقة وذودا عن دماء وحرية وكرامة الانسان. ان دماء النهضة الحسينية المباركة اعطت للامة الاسلامية ولجميع الاحرار في العالم الصمود والثبات على الحق والدفاع عن المباديء السامية والذود عن معالم الدين ضد هجمات ومؤامرات التحريف والتزييف والظلم والفساد التي حاول نشرها التيار الاموي البغيظ. فلولا هذه الدماء الطاهرة الزكية لم يبقى من الإسلام إلا أسمه ولا من القرآن إلا رسمه كما قال نبينا المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم).
واليوم تعود قوى البغي والظلال بحرب ناعمة هدفها نشر الالحاد والتحلل والفساد في المجتمع العراقي تحت مسميات وشعارات ملغومة. فتحت ستار الدفاع عن المرأة وحقوقها تارة, ومن أجل التنمية المستدامة تارة اخرى, ولغرض مكافحة التغيرات المناخية تارة ثالثة, تشن الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي والسفارات والمنظات النسوية المتطرفة القادمة من الدول الغربية حملة شعواء لتغيير معتقدات ومباديء واخلاق الشعب العراقي عن طريق نشر ثقافة "الجندر أو النوع الاجتماعي" وما يتضمنه هذا المفهوم من مفاسد وتحلل وشذوذ.
ومصطلح "الجندر أو النوع الاجتماعي" الذي تتبناه مواثيق الامم المتحدة والدول الغربية ومنظماتها النسوية يقوم على فكرة إلغاء الفطرة الانسانية السليمة وثنائية الخلق البديع من ذكر وانثى وإحلال كائن هجين محله اسمه (الجندر أو النوع الاجتماعي) الذي يحدد هويته بنفسه ويختار كيف يريد من المجتمع ان ينظر اليه اما كذكر أو كأنثى بغض النظر عما أذا كان قد ولد ذكر أو انثى. ان هذا يعني ترويج فوضى أختيار الجنس وتغييره حسب الرغبة الشخصية اضافة الى تبادل الأدوار ما بين الرجال والنساء وتشبه النساء بالرجال وارتداء ملابسهم وتقمص سلوكهم وتشبه الرجال بالنساء وارتداء أزيائهن وتقمص سلوكهن تحت عنوان حرية اختيار الهوية الجندرية وبالنتيجة مسخ الفطرة الانسانية السليمة وفساد الانسان وهدم الكيان العائلي والاجتماعي من الاساس. وتدفع الامم المتحدة باتجاه أن تكون حرية اختيار (الهوية الجندرية والتحول الجنسي) من حقوق الإنسان الدولية واعتبار الهوية الجندرية هي الهوية الوحيدة المعترف بها دوليا. وتقسم وتصنف مواثيق الامم المتحدة الشاذين الى اقسام واصناف عدة يجمعها الشذوذ وسلوك قوم لوط والزنى والتحول الجنسي من ذكر لانثى وبالعكس, وينضم الجميع تحت ما يسمى بـ "مجتمع المثليين (الشاذين)" أو "مجتمع الميم أو تجمع أل جي بي تي كيو زائد +LGBTQ".
واختار تجمع الشاذين (المثليين) ستة ألوان من ألوان قوس قزح كشعار لهم يضعونه على منشوراتهم ودعاياتهم ويلونون به الملابس والعاب الأطفال والكثير من المنتجات ويرفعونه على شكل أعلام أو مناطيد أو غيرها في احتفالاتهم ومظاهراتهم ومناسباتهم. ان اختيار ألوان قوس قزح لتمثيل تجمع الشاذين لم يأتي عفويا وانما تم أختيارها لأنها الوان زاهية جذابة لا ينفر منها الكبار ولا الصغار ولذا يمكن تمريرها بسهولة بين عامة الناس من دون اعتراض ونفور حتى بعد ان يتم التعرف على مغزاها.
وتدعم الامم المتحدة والمنظمات النسوية المتطرفة والاعلام الغربي الافراد الشاذين من الجنسين وخاصة النساء اللواتي نزعن لباس الحياء والحاملات لافكار الجندر والمنفذات لاجندتها في البلاد العربية والاسلامية بشكل عام وتسهيل أمر لجوئهن الى الغرب وتشجيعهن على الظهور باستمرار في وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي لغرض جعلهن رؤوس حربة ونماذج ممسوخة ليقتدى بها الشباب المسلم المخدوع ومن أجل تشويه صورة الدين الاسلامي والمرأة والعائلة المسلمة. لقد وصل الأمر بالأمم المتحدة إلى ان تقوم بتأسيس مجموعة أممية للشواذ عام 2008 تسمّى (مجموعة الأمم المتحدة الأساسية للشاذين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجندرية) وهي تدعوا المنظومة التعليمية والإعلامية في جميع الدول للتعامل مع الشذوذ على أنه حق اساسي من حقوق الإنسان. وتربط الامم المتحدة قضية الجندر والشاذين بموضوع التنمية المستدامة في جميع برامجها التنموية الموجه خاصة للدول في طور التنمية.
ومن خلال عملها في العراق تقوم بعض المنظمات الدولية ايضا ببث سمومها بنعومة مدعية في الظاهر الدفاع عن حقوق المرأة والاطفال وفي الباطن بنشر مفهوم الجندر والافكار الفاسدة والدعوة الى التحلل والشذوذ حيث تقوم بعض المنظمات الاجنبية مثل منظمة (كفيانا), وهي منظمة سويدية تدعم الشذوذ والفساد والتحلل, وتحت غطاء دعم حقوق المرأة, بتقديم الدعم المالي لعدد من منظمات المجتمع المدني العراقية وتقيم الندوات وورشات العمل للتبشير بالجندر أو النوع الاجتماعي في العديد من المحافظات العراقية وبالخصوص في المدن الشيعية المقدسة من أجل نشر الفساد والانحلال بين العوائل المتدينة التي تعتبر مثالا وقدوة لبقية العوائل العراقية.
كما قدمت السفارة الامريكية في هذا العام (2023) منحة قدرها (12) مليون دولار لعرضها على ثلاث جامعات عراقية تتعهد بموجبها هذه الجامعات على وضع مناهج دراسية تتضمن تعزيز المساواة ما بين الاجناس المختلفة (الشاذين بمختلف انواعهم والمتحولين جنسيا) مع الاسوياء أضافة الى تدريس (التكيف مع تأثيرات تغير المناخ والتخفيف من آثارها) وتشترط الخارجية الامريكية على الجامعات لغرض الحصول على المنحة ان تتضمن مناهجها الدراسية على (المجتمع الحديث) وفق منظور الثقافة الامريكية التي اعلن عنها "جو بايدن" الرئيس الامريكي الحالي بأن أمريكا بلد الشاذين.
وتعتبر الجامعة الامريكية في السليمانية من مؤسسات التعليم العالي على النمط الامريكي في البلاد واصبحت في عام 2017 أول جامعة تدرس تخصصا في دراسات النوع الاجتماعي في العراق بعد حصولها على منحة من وزارة الخارجية الامريكية. كما تقوم السفارة البريطانية من جانبها أيضا بصرف الاموال على عدد من منظمات المجتمع المدني العراقية التي تبشر وتدافع عن مفاهيم ومتبنيات الجندر.
ورب سائل يسأل عن ماهية العلاقة ما بين حقوق المرأة والتنمية المستدامة ومكافحة التغيرات المناخية من جهة وتدريس مفاهيم الجندر أو النوع الاجتماعي وادماج الشاذين وقوم لوط في المجتمع العراقي من جهة اخرى. ولكنه بالتاكيد حرب ثقافية ناعمة ومشروع جديد لنشر الفساد والالحاد والتحلل والشذوذ في صفوف النساء والاطفال والشباب الذين يمثلون جيل المستقبل وبالتالي افساد المجتمع بأكمله بطريقة خبيثة تمزج ما بين مواضيع مهمة كحقوق المرأة والتنمية وتغير المناخ مع مفهوم الجندر والتغيرات الاجتماعية التي تحاول الامم المتحدة وأمريكا تشجيعها وفرضها على المجتمع العراقي.
اضافة الى ذلك تعرض في الاسواق العراقية عددا من المنتجات وبالخصوص لعب وبعض منتجات الاطفال التي تحمل ألوان الشاذين حيث يتم تداولها من دون علم أغلب الناس بما تعني وترمز له. كما تقوم بعض الوزارات العراقية بعمل ندوات لشرح مفهوم الجندر أو النوع الاجتماعي معتبرا ذلك نوعا من انواع الثقافة التي يجب الاطلاع عليها. وقد بلغ الامر ان ظهرت منذ مدة طبعات من القرآن الكريم تم فيها تلوين صفحاته بالوان قوس قزح. وتشير بعض المصادر الى رفع السفارة الكندية والامريكية في بغداد اعلام الشاذين على سفاراتها في تحد سافر لمشاعر المسلمين.
ان طريق ومدرسة الامام الحسين (ع) التي خطها ورسمها ووضع اساسها بدمائه ودماء أهل بيته واصحابه يمكن ان تكون دليلا ومنطلقا ومنهجا في مواجهة جميع المفاهيم المنحرفة والانحرافات الفكرية والاخلاقية التي يحاول الغرب نشرها في المجتمع. ان الخطر المحدق بالعراق والمجتمع العراقي يتطلب جهودا منظمة تشترك فيها الكوادر التعليمية والمؤسسات البحثية والعلمية بكافة مراحلها ورجال الاعلام والفكر المخلصين وعلماء الدين والمنابر الحسينية لبيان مخاطر ثقافة الجندر أو النوع الاجتماعي وآثاره التخريبية على كيان المجتمع العراقي نتيجة التشجيع على الممارسات الشاذة والمنحرفة وافساد العائلة والاطفال. وبالامكان الاستفادة من المناسبات الدينية كعاشوراء والاربعين والقيام بالمحاضرات الثقافية لفضح مفهوم الجندر ونتائجه الافسادية و/أو القيام بطبع كراسات صغيرة تشرح موضوع الجندر ونتائجه الاجتماعية, كما اقترح بعض الاخوة, وتوزيعها مجانا خلال هذه المناسبات لتوعية افراد المجتمع على المخاطر التي تتضمنها مفاهيم الجندر.
يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الاسراء, الآية (32) (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا). ويقول في سورة الشعراء (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِين (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ ۚ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166). وعلى لسان الشيطان الرجيم في سورة النساء, الآية رقم 119 (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا). صدق الله العلي العظيم.
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- الحرب النوعية
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى