- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الإعداد الروحي.. تنمية العمل الصالح للجانب الروحي ـ الجزء الثاني عشر
بقلم: شيخ محمود الحلي الخفاجي
- تنمية العمل الصالح للجانب الروحي:
أهم محورية عقائدية لنيل الكمالات المعنوية بعد المعرفة هو العمل الصالح، والذي يجذر في نفس الإنسان قيمة الإيمان وتقويته فيها، فيحتاج الإيمان إلى عناصر بناء لتقويته و الحفاظ عليه، بل وزيادته وترسيخه في نفس الإنسان هو المعرفة بالله تعالى والعمل الصالح.
فالعمل الصالح يأتي كسلم يقوم بعملية إعانة العبد في رحلته إلى الله، كما اشار القرآن الكريم الى ذلك: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه). فالعمل الصالح يرفع الإيمان تصاعدياً تبعاً لنوع العمل وحجمه، فكلما ازدادت الأعمال الصالحة كما ونوعا زادت قيمة الإيمان عند الإنسان ونمت شيئاً فشيئاً حتى تبلغ بصاحبها درجة من درجات التكامل الروحي، قال تعالى: (ومن يأته مؤمناً قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى). وقوله تعالى: ( الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب). فهناك ارتباط وثيق بين الإيمان والعمل الصالح قوة وضعفاً ولازم قوي من لوازم الإيمان للإيمان بلا عمل.
لذا ورد عن الإمام الصادق(ع): {الإيمان عمل كله والقول بعض ذلك العمل..}. وعلى هذا تكون ثمرةالعمل الصالح هو التوجه إلى الله ، حيث أن العمل الصالح وهذا التوجه الروحي الذي يتضمنه العمل الصالح ومن خلال التكرار التصاعدي للأعمال الصالحة وبوتيرة متزايدة تمنح الإنسان حالة ارتباط قوي بالله عزوجل وزيادة قيمة الإيمان و الحفاظ عليه، وبالتالي يسير بصاحبه الى الله أكثر وبسرعة كبيرة.
وبخلافه العمل السيء فإنه يوصد أبواب الرحمة الإلهية ويؤسس إلى علاقة تخريبية مع الله عزوجل وإلى إعراض الإنسان عن ربه ويتخذ هذا الإعراض خطاً بشكل منحدر وحينها يبدأ العد التنازلي للإنسان كلما استمر العمل السيء وتكاثر حتى يصل إلى منحدر سحيق جداً متلبساً بالمعصية والأعمال السيئة.
إذن.. الأعمال الصالحة لها مدخلية كبيرة جداً في الإنماء الروحي ويجذر الإيمان في نفس الإنسان ويحميه من الضياع والوقوع في الخسارة: (إن الإنسان لفي خسر إلا الذبن آمنوا وعملوا الصالحات). فأصحاب الأعمال الصالحة هم لديهم ضمانة كافية للتخلص من الخسارة الكببرة التي سيواجهها الإنسان فيما لو أفرط في أعماله وخرج عن دائرة الحكم الشرعي. وخير الأعمال الصالحة هو أداء الفرائض ومن أهمها الصلاة: ( الصلاة عمود دينكم). فالصلاة كما ورد في الأخبار عن النبي والآل (صلوات الله عليهم أجمعين) إنها معراج المؤمن،وأنها خير الأعمال وهذا يعني بعد ضم أحد الخبرين للآخر يتبين أنها أبرز مصاديق العمل الصالح الذي يقوي الإتجاه الروحي عند الإنسان وينميه في قلبه، لذا جعلت خير عمل يؤديه الإنسان لأنها أساس التغيير لأعمال الإنسان الأخرى، ومن خلالها تصلح بقية الأعمال وتتوسع، وبها تتضيق وتنحسر دائرة الأعمال السئية ويقضى عليها. وهذا مكسب كبير لاستقامة الإنسان وبناء روحي سليم له٠
ـ الأخلاق وتنمية الجانب الروحي.
إن الأخلاق لها أثر كبير في حياة الإنسان المعنوية والروحية حيث أن حياة الإنسان الحقيقية هي التي يتجسد بها الأخلاق، وأن الإنسان كفرد أو جماعة إذا تخلى عن الأخلاق فإنه سيعيش الحياة وكأنها حدائق حيوانات متوحشة وسيفقد كل شي فيها.
والقرآن يستعرض لنا حياة بعض الأمم السابقة وقد وصفهم بأنهم قد تعرضوا إلى حياة فتكت فيها قيم الشر فحلت فيهم المصائب بسبب تجافيهم للفضائل الأخلاقية في حياتهم. قال تعالى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون) و(فيما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لأنفضوا من حولك فاعف عنهم .....). وغيرها من الآيات الشريفة التي أشارت بطريقة الصراحة أو التضمين إلى أن إحدى مشاكل كل البشرية اليوم هي عدم رعاية الجوانب الأخلاقية وإهمالها، فإن هذا الإهمال يؤدي إلى تنامي الأمراض الأخلاقية كالحقد والحسد والبغضاء والكراهية وبالتالي زرع بذور الظلم والفساد في المجتمع .وبالتالي فإن هذه تشكل مؤديات ومقدمات لتورط الإنسان في الرذيلة ومستنقع الذنب والخطيئة. وهذا المعنى هو ما أشارت إليه الآية الشريفة: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس).
والعلاقة مع الله تصحح العلاقات الأخلاقية وترك الذنوب. وأن ترك الذنب والتحلي بالأخلاق يدعم الجانب المعنوي عند الإنسان، وقد أشار القرآن إلى ذلك بقوله تعالى: ( فقلت استغفر لكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم انهارا). وقد عظم الإسلام الجانب الأخلاقي عند الإنسان حيث قال (ص وآله): (ان أحبكم الي وأقربكم مني في الآخرة مجلساً أحسنكم اخلاقاً).
فالاخلاق منظومة واسعة من الفضائل التي تسمو بالإنسان وترفع من قيمة وجوده الروحي والمعنوي ومن خلالها يستطيع الإنسان أن يصون نفسه ونواياه وأفعاله كقيمة الصبر مثلا تمنع الإنسان من ارتكاب الحرام. أو قيمة التواضع مع الآخرين أو قيمة القناعة التي تردفه بالترفع عن لقة الحرام والكسب الحرام. وهكذا فأن الأخلاقيات الحسنة تشكل حصنا مانعاً لقوى الإنسان المعنوية والروحية، والأخلاقيات السيئة فإنها تهدم الجوانب المعنوية عند الإنسان، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه العلاقة بين الجانب الأخلاقي عند الإنسان وبين صلاح بقية العلاقات الإنسانية المبتنية على الأخلاق الحسنة ومنها العلاقة مع الله عزوجل التي هي منبع كل خير في هذه الحياة قال تعالى: ( ومن يعرض عن ذكري فأن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى..). فالعمى الذي أشارت إليه الآية هو الإعراض عن الله والصدود وركوب المسلك الأخلاقي السيء في أفعال الإنسان وأقواله.
ـ الأبعاد الأخلاقية وأثرها في الجانب الروحي عند الإنسان:
إن ما يصيب المجتمعات البشرية اليوم من مفاسد جمة وتفشي حالات الجريمة بأنواعها إنما يرجع إلى نقص في البناء الأخلاقي أكثر ما يكون نقصاً في البناء العلمي والمعرفي.
أن المجتمع الذي يفتقر إلى الفضائل الأخلاقية التي تسود بين أفراده هو مجتمع أقرب ما يكون إلى مجتمع قطيع الغاب، وبالتالي سرعان ما يلحق به الدمار والخراب. وقد كان التاريخ البشري قد سجل أهم أسباب انهيار حضاراته هو الإنهيار في نظامها الأخلاقي والقرآن الكريم بين أن هناك عوامل أدت إلى سقوط حضارات كانت مزدهرة في زمانها ولكن حصول درجة الإنقلاب الأخلاقي والتغيرات الداخلية كانت هي المؤشر الأول في هذا الإنهيار والسقوط بما سببته من فساد الأفكار والنفوس والتي هي بيئة نمت بيها جرائم الإنحطاط الأخلاقي.
ومن هذه الحضارات الحضارة الفرعونية كمثال يبينه القرآن الكريم لكنها بطرت وانحرفت فكانت سبباً لإنهيار تلك الحضارة. ومن هنا أرست مدرسة الأنبياء عليهم السلام أسمى برامج التكامل لتهذيب النفس وصلاحها ودعت الإنسان إلى أن يتجه لإصلاح روحه ونفسه، وأن عنصر النظام الأخلاقي له دور مهم جداً في حفظ الجوانب الروحية والمعنوية عند الأنسان، والعكس صحيح أي عندما يفقد الإنسان هذا الجانب المهم (الأخلاق) فهو في حقيقة الأمر سيعرض نفسه للإنهيار والضياع وحلول المشاكل الكثيرة في حياته، فالقرآن يضرب مثلاً لذلك: (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون).
فحالة إعراض الإنسان وسلوكه وأعماله هي مستبطنة لجوانب أخلاقية، والإنسان عندما يجافي أخلاق فطرته فإنه سيحصد نتائجا وخيمة تعكر جوانب حياته الروحية.
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول
- العملة الرقمية في ميزان الإعتبار المالي