- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
كربلاء المقدسة تعتنق الوالهين
بقلم: حسن كاظم الفتال
إنبثق نور الإمام الحسين صلوات الله عليه من أقاصي نفسه المحمدية الشريفة ومن عمق محتوى عصمته الربانية . نور جلالي مقدس مبجل توهج لينصع من تلجلج إنبهاره تأريخا حضاريا يرسخ به أسمى معاني الإنسانية في أعماق الإنسان التائق للحرية وللعيش الكريم.
ومن أجل أن تزدان الدنيا بهذا النور جمع الإمام الحسين صلوات الله عليه تشظياته وتفرعاته مثلما يُجمع أي شتات فتوحد بالإشعاع والإبراق والتلألؤ وكأن كل ذلك كان وحيا يهبط على جلالة روحه لينتفض ويقوم بنهضته العظيمة المباركة.
فإن نهضته بمناقبها ومآثرها وبجلالة فيوضاتها ومعطياتها وبزهو مباهجها وبأبهى ازدهار فضائلها اتخذها جبرئيل صهوة فاعتلاها لينقل كل ذلك غلى عليين . نهضة بكل ما شملت لم تستقطب الناس فحسب بل أحالت الكثير من الناس إلى كربلائيين بالروح والنفس والضمير وهم بعيدون كل البعد جغرافيا بالسكن عن أرض كربلاء المقدسة تفصلهم عنها أطول المسافات وأبعد المديات لكنهم انصهروا وذابوا في مكنوناتها . صهرتهم عظمة أحداثها فأشرك هذا الإنصهار أذهانهم والعقل الباطن لهم بكل الوقائع وصاروا يعيشونها عيش المتطوع المجند نفسه المندفع لبلوغ الفتح المدافع الذاب عن حرمة نفسه وقدسها وكرامتها.
وصاروا يجوبون بمخيلاتهم رحاب الطف الذي وسع الكون ولم يسعه الكون. وداروا بعقولهم وضمائرهم واستمدوا دروس الجهاد المقدس والتضحية في سبيل العقيدة الحقة الصادقة الصحيحة ورتلوا لها تعويذات آيات الود والولاء الحقيقي وفضلوا الإستضاءة بإشعاعات أنوار المبادئ والمفاهيم التي زينت خريطة كربلاء المقدسة ورسمت حدودها النورانية العقائدية وحددت فيها معالم نهضة لا نظير لها في تاريخ البشرية لا بحدوثها ولا بوقائعها ولا بما قُدِم فيها من تضحيات جسيمة، ولا نظير لمن قام بهذه النهضة العظيمة المباركة الذي هو ريحانةُ رسول الله صلى الله عليه وآله ونفسُه الزكيةُ سيدُ شباب أهل الجنة الإمامُ الحسينُ عليه السلام.
فهو صلوات الله عليه الذي إنساب نوره انسياب نبع نقي ليتسلل إلى القلوب قبل أن يمتد النور إلى أعنان السماء وشيد صرح كربلاء المقدسة ورغم وجودها كأرض حية ممتدة لكنه أوجدها ليرسم بدمه الطاهر خريطة لا أبعاد لمساحتها فتكون مختلفة كل الإختلاف عن كل الخرائط في هذا الكون، لذا قد أصبحت اليوم كربلاء المقدسة تمتد فتتسع ثم تتسع لتحتضن ما تعجز عن إحتضانه كل البقاع ولا تستطيع أي أرضٍ أن تتحمل ما تحملت كربلاء المقدسة. حتى يراها الحسينيون الموالون الحقيقيون كأنها الكون كله.
ويحسبونها مرفأً ترسو به سفن الهداية والنجاة وتبحر بها الضمائر الحية وفي كل ركن من أركانها محراب تولي الأفئدة شوقها شطره لتتمرغ بقدسها حين تؤدي فيه صلوات الولاء والإنتماء. ثم تغدو القلوب أوعية يفيض بها التواصي بالصبر والتواصل بالمرحمة.
السماء أحدقت كربلاء المقدسة بتبلج أنوار كل ابراجها وحصنتها بتميمة حسينية لتبارك كل الحشود الحسينية التي حطت رحالها مبتهجة على أرض الطفوف تواصل الليل بالنهار تتحدى العناء وتلويه ولا يلويها.
احتشدت هذه الجموع لتفيض بكل ما بوسعها. وأشرعت بتواجدها أبوابُ الرحمةِ مصاريعَها وفاضت البركات فلا عابر يشكو من مسغبة ولا مار لا ينال منها مشربه. ينحني شبح الجود والكرم عندها ويستمد منها مناقبه ومآثره.
تلتقي الجموع في وادي الطفوف متحدة قلوبها تمتزج بها القداسة بالحزن المبجل وربما تسبغُ الجفونُ بالدموع وضوءها. ويرفع تآلف القلوب سياط مجد ومفخرة تقرع قفا قلوب حاسدة حاقدة وتجلد ظهر الدياجي وتشعل شموع المحبة الولائية للحق لتولي الدياجير إلى غير عودة وتضيء بذلك التشرف الدرب لكل الأحرار وتملأ الآفاقَ صرخةُ لبيك يا حسين.