- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الاستحقاق الانتخابي كما تراه أحزاب السلطة وما يقضي به الدستور - الجزء الثاني
بقلم: د. علي الرفيعي
لقد اكدت المحكمة الاتحادية العليا في قرارها ذي العدد (81/اتحادية/2019 في 28 /10/2010) على عدم دستورية الفقرة (6) من القرار التشريعي رقم (44) لسنة 2008 الذي اتخذه مجلس النواب في حينه ونشر في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4102) الصادر يوم 24/12/2008 .
الفقرة (6) المشار اليها انفا والتي اتخذها المجلس بذريعة الاستحقاق الانتخابي تضمنت الاتي :
((تنفيذ المتفق عليه من مطاليب القوائم والكتل السياسية وفق استحقاقها في اجهزة الدولة لمناصب وكلاء الوزارات و رؤساء الهيئات والمؤسسات والدرجات الخاصة ، وعلى مجلس النواب الاسراع في المصادقة على الدرجات الخاصة )) .
اعتبرت المحكمة الاتحادية هذا القرار التشريعي لمجلس النواب مخالفا للدستور ، اذ جاء في حيثيات قرارها انف الذكر الاتي :
(( تجد المحكمة الاتحادية العليا ان قيام القوائم والكتل السياسية بالمطالبة بمناصب وكلاء الوزارات ورئاسة الهيئات والدرجات الخاصة في اجهزة الدولة وفق استحقاقها هو الاخر لا سند له من الدستور لان هذه العناوين ما هي الا عناوين وظيفية حدد الدستور في المادة (61/خامسا) من هي الجهات التي تتولى ترشيح من تراهم لاشغالها وفق الاختصاص والكفاءة وهذه الجهات ورد ذكرها حصرا في المادة (61/خامسا) من الدستور التي مر ذكرها ، ليس من بينها (القوائم والكتل السياسية) ، وان السير في خلاف ما نص عليه الدستور قد خلق ما يدعى بـ (المحاصصة السياسية) في توزيع المناصب التي ورد ذكرها وما نجم عن ذلك من سلبيات اثرت في مسارات الدولة وفي غير الصالح العام اضافة الى مخالفتها لمبدأ المساواة بين العراقيين امام القانون دون تمييز بسبب الجنس او العرق او القومية او الاصل او اللون او الدين او المذهب او المعتقد او الرأي او الوضع الاقتصادي او الاجتماعي ، وخالفت الفقرة موضوع الطعن كذلك مبدأ تكافؤ الفرص الذي نصت عليه المادة (16) من الدستور والتي كفلت لجميع العراقيين ان ينالوا فرصهم في تولي المناصب وغيرها في الدولة على اساس الكفاءة والتخصص وغيرها من متطلبات اشغال الوظائف العامة والزمت المادة الدستورية المذكورة الدولة بكفالة تطبيق هذا المبدأ)).
رغم وضوح نصوص الدستور وتفسير المحكمة الاتحادية العليا الا ان الكتل السياسية المتحكمة في زمام الامور والتي تستحوذ على اغلبية المقاعد في مجلس النواب والسلطة التنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء والتي من خلالها تصدر القرارات التنفيذية لم تلتزم بنصوص الدستور ولم تقم بكفالة تطبيق مبدأ المساواة بين المواطنين اذ استمرت بنفس نهج المحاصصة في اشغال الوظائف العامة في اجهزة الدولة متبعة صيغة (الوكالة) او (التكليف) في اشغال درجات وكلاء الوزارات ورؤساء الهيئات والمدراء العامين بناء على ترشيحات رؤساء الاحزاب والكتل السياسية وهذه الترشيحات مبنية وكما يعلم الجميع عل الاعتبارات المذهبية والقومية والعلاقات الشخصية .
واتباعا لنفس النهج في اشغال الوظائف المهمة في الدولة قدمت الحكومة (مجلس الوزراء) الى مجلس النواب في دورته السابقة وقبل حله قائمة تتضمن ترشيح ما يزيد على (50) شخصا لاشغال درجة سفير (درجة خاصة) في وزارة الخارجية البعض منهم في مقتبل العمر وليست لديهم خبرة في العمل المهني في اجهزة الدولة وبسبب رد الفعل الذي حصل في اوساط الرأي العام والذي انعكس في وسائل التواصل الاجتماعي وانشغال الاحزاب والكتل السياسية في فترة الانتخابات العامة في تشرين ثاني / 2021 لم يبت في الموضوع وبقي الامر معلقا في مجلس النواب .
رابعا : كما اوضحنا ان (الاستحقاق الانتخابي ) هو الحالة الوحيدة التي يمكن للاحزاب والكتل السياسية ان تستند اليه في ادعاءاتها بحقها في الاستحواذ على موقع مهم في قيادة الدولة هو (منصب رئيس مجلس الوزراء) وهو ما نصت عليه المادة (76/اولا) من الدستور الذي رسم آلية تشكيل مجلس الوزراء ، ولكن يبقى المبدأ العام الذي جاء في قرار المحكمة الاتحادية العليا الذي اشرنا اليه انفا هو الاساس في اختيار رئيس مجلس الوزراء ، ونعني بذلك ان يتم الترشيح على اساس الكفاءة والمهنية والنزاهة لا على اساس المحاصصة وهو النهج الذي اعتمدته الاحزاب الماسكة للسلطة منذ تشكيل اول وزارة عام 2006 وحتى اليوم اذ قسمت الوزارات على اسس مذهبية وقومية ، (12) وزارة لاشخاص من مذهب ديني محدد (شيعي) و (6) وزارات او (4) اربعة لمذهب اخر (سني) ومثلها على اساس قومي (كردي) . وحددت الوزارات عل نفس الاساس واصبح معروفا في الوزارات المتعاقبة بان حصة وزارة الداخلية للطائفة الفلانية والخارجية للاخرى وهكذا .
ان هذا التوزيع يخالف روح الدستور . الحقوق التي نص عليها الدستور لم تبنى على اسس مذهبية اوقومية ، الحقوق في دستور العراق كما هو في اغلب دساتير الدول الديمقراطية بنيت على المفاهيم الاساسية لحقوق الانسان وحقوق المواطنة .
ما يتم تداوله في الاعلام وكذلك التصريحات التي ادلى بها قادة الاطار التنسيقي تنصب على اختيار رئيس وزراء قوي ونزيه وهذه مواصفات لا يختلف فيها اثنان . لكن من حق الجميع ان يتساءل كيف يمكن لرئيس مجلس الوزراء ان يكون قويا اذا كانت الكتلة او الحزب السياسي تشترط عليه مقدما توزيع الوزارات وتحديدها وفق ما اسلفنا ذكره واكثر من ذلك تحدد له اسماء قيادات الخط الثاني لكل وزارة ، من اين تتأتى له القوة اذا كانت البداية في اختياره هي وضع قيود محددة ليس له الخيار في رفضها !!
منذ اول وزارة تشكلت بعد نفاذ دستور عام 2005 لم يحصل ان قام احد من رؤوساء الوزارات باعفاء وزير من منصبه رغم قناعته بعدم اهليته لهذه المهمة او وجود ادلة مقتنع بها رئيس الوزراء بعدم نزاهته ، كما لم يحصل ان قدم وزير ما استقالته من موقعه والسبب في كل ذلك حماية الاحزاب والكتل السياسية لمرشحيها في الوزارات . ينبغي ان يرتبط اختيار رئيس الوزراء والوزراء بالمنهج الوزاري الذي يعتمده هو شخصيا ووزراؤه .
اذا كانت الاحزاب والتحالفات التي ستتولى اختيار رئيس الوزراء ونعني بها الاحزاب المنضوية في الاطار التنسيقي – بعد انسحاب التيار الصدري – صادقة في ادعاءتها بضرورة التغيير في العملية السياسية عليها اختيار رئيس وزراء قوي ونزيه وعدم التدخل في عمل الكابينة الوزارية . بامكانها اتباع الطرق الدستورية من خلال ممثليها بمجلس النواب من توجيه اسئلة والاستجواب وفي حالة عدم قناعتها بالاداء هناك طريق ثالث واحد رسمه الدستور وهو سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء او احد وزرائه .
لكي يكون رئيس الوزراء قويا ويندفع بثقة عالية بنفسه في تنفيذ برنامج وزارته الذي تقره الاحزاب والكتل السياسية في مجلس النواب ، عليها ان لا تتدخل في عمله وممارسة الضغوط السياسية عليه وعلى وزراءه او تهديدهم بصورة مباشرة اوغير مباشرة من خلال تنظيمات مسلحة لها علاقة بها .
الوضع الداخلي في العراق لا يحتمل المماطلة والتسويف وبقاء حكومة تصريف الامور اليومية وتجاوزها للمدة المقررة دستوريا لعملها وكذلك عدم اقرار موازنة الدولة لعام 2022 كل هذه الامور تزيد الوضع تعقيدا وتؤخر الاجراءات السريعة المطلوبة لمعالجة الفقر والبطالة ومكافحة الفساد المعضلة الدائمة ونقصد بها موضوع الكهرباء وكذلك الاثار السريعة الناتجة عن قلة المياه ومشكلة التصحر وما سيعانيه المواطنون بسبب هجرتهم من القرى والمدن وفقدان فرص العمل في الزراعة والصناعة .
أقرأ ايضاً
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- هل ماتت العروبه لديهم !!!