- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المؤسسات الدولية وتدمير الدول وهدم الاخلاق والقيم – الجزء السابع عشر
بقلم: د. عبد المطلب محمد
سياسات البنك الدولي
لقد تم انشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدول في مؤتمر دولي عقد في بريتيون وودز في ولاية نيوهامبشاير الأميركية في تموز من عام 1944، وكان هدف المشاركين في المؤتمر، بحسب ما جاء في قرارهم هو (وضع إطار للتعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي يُفترض أن يُرسي دعائم اقتصاداً عالمياً أكثر استقراراً وازدهاراً). وتزعم المؤسستان أن هذا الهدف لا يزال محورياً بالنسبة إليهما، وأن العمل الذي تقومان به يشهد تطورا مستمرا لمواكبة التحديات الاقتصادية المستجدة. وكلف البنك الدولي في حينها بالإشراف على إعادة الإعمار في أوروبا الغربية إثر الدمار الذي نتج عن الحرب العالمية الثانية.
وفي السنوات الاخيرة لم يعد التمييز سهلا بين هذين النوعين من المؤسسات (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) حيث يشير موقع مجموعة البنك الدولي على الشبكة العنكبوتية الى ان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مؤسستان شقيقتان ضمن منظومة الأمم المتحدة تشتركان في هدف واحد، هو رفع مستويات المعيشة في بلدانهما الأعضاء. وتتبع المؤسستان منهجين متكاملين لتحقيق هذا الهدف، حيث يركز الصندوق على قضايا الاقتصاد الكلي بينما يركز البنك على التنمية الاقتصادية طويلة الأجل والحد من الفقر.
وتضم مجموعة البنك الدولي خمس مؤسسات ذات وظائف محددة ومختلفة وهي : البنك الدولي للإنشاء والتعمير والمؤسسة الدولية للتنمية اللذان يشكلان معا البنك الدولي, مؤسسة التمويل الدولية والوكالة الدولية لضمان الاستثمار والمركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار. ويقع مقر البنك الدولي في العاصمة الأمريكية واشنطن وتعتبر أمريكا أكبر المساهمين في الصندوق. ويدعي البنك مساعدة البلدان على إصلاح القطاعات الاقتصادية غير الفعالة وتنفيذ مشاريع محددة ويقدم البنك برامج مساعدات وهي عبارة عن تمويل لحكومات الدول النامية لكي تنفذ سياسات تتطلب تغييرات اقتصادية ومؤسسية واسعة.
واذا حاولنا ترجمة وتوضيح اجراءات وسياسات البنك الدولي الدبلوماسية اللبقة التي يفرضها على الدول الى اجراءات اقتصادية واقعية نرى انها تتضمن الشروط والسياسات والاجراءات الاقتصادبة والمالية والاجتماعية التالية :
- خفض العجز في ميزان المدفوعات للدول المقترضة من خلال خفض قيمة العملة وتعويمها.
- زيادة نسبة الضرائب وتقليل الانفاق الحكومي وخاصة في مجال الخدمات الاجتماعية.
- إعادة هيكلة الديون الخارجية واعادة طلب قروض جديدة لتمويل عجز الحكومة.
- إلغاء الدعم الحكومي للمواد الغذائية الاساسية والمحروقات.
- رفع سعر الخدمات العامة وخفض اجور العمال وتقليل عدد الوظائف في القطاع الحكومي.
- تحرير الاسواق لضمان حرية الاسعار وإلغاء الرسوم الجمركية وتحرير حركة رؤوس الأموال.
- الخصخصة الجزئية او الكلية للمؤسسات المملوكة من قبل الدولة (مؤسسات القطاع العام).
- تشجيع الاستثمار الأجنبي وتعزيز حقوق المستثمرين الاجانب.
ان تطبيق هذه السياسات والاجراءات التي فرضها البنك الدولي على الدول النامية المقترضة أدت الى كوارث اقتصادية واجتماعية كبيرة وزيادة هيمنت الدول الغربية على اقتصاديات هذه الدول. فبدلا من دفع هذه الدول الى الازدهار والنهوض والنمو الاقتصادي فقد فشلت هذه السياسات في العديد من الدول التي طبقت فيها وزادتها فقرا وتخلفا. فبدلا من ان تساعد هذه الاجراءات الاقتصادية واعادة تنظيم الاقتصاد المحلي على خلق نمو سريع في الدول الافريقية التي طبقت فيها أصبح لها تأثيرا سلبيا على النمو الاقتصادي والصناعي وانعكس ذلك بشكل سلبي على الوضع الاجتماعي. ففي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي هبط النمو الاقتصادي في البلدان الافريقية الى ما دون مستوياته التي كان عليها في السنوات التي سبقت اجراءات البنك الدولي. فقد عانى القطاع الزراعي كثيرا بعد ان سحبت الدول الافريقية دعمها له كما أختفت الصناعات التي باشرت بها بعض الدول الافريقية بعد ان نالت استقلالها في الستينيات.
ويذكر (مايكل برونو)، وهو الذي عمل كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي في تسعينيات القرن الماضي, بأن البنك الدولي يزيد معاناة الدول المستدينة ويخلق الأزمات الاقتصادية فيها نتيجة لزيادة القروض وعدم القدرة على دفعها وفرض شروط مجحفة على الدائنين وبالتالي يضع القرار الاقتصادي والسيادي للدول رهن اجراءات وسياسات البنك من أجل تحرير الأسواق وفرض حرية التجارة ومنع رقابة الدولة على أسعار السلع والمنتجات والخدمات وجعل الدول المستدينة اسواقا لتصريف منتجات الشركات الكبرى العابرة للحدود دون مراعاة أحوال الناس وظروفهم المعيشية أو الاهتمام بالطبقات الفقيرة ومعاناتها. ويشير بعض الاقتصاديين إلى أن معدل البطالة والفقر وسوء الاحوال المعيشية في الدول التي اقترضت من البنك الدولي ومن صندوق النقد الدولي يتزايد مع تزايد الديون وبالتالي تتزايد نسبة تبعية الدول لمالكي هاتين المؤسستين. وباتفاق ضمني بين مدراء المؤسستين لا تستطيع الدول المقترضة ان تخرج عن هيمنة دول اوروبا الغربية وأمريكا وتبقى في دوامة الديون وشروط البنك المجحفة والمشاكل الاقتصادية المتزايدة.
أقرأ ايضاً
- الانتخابات الأمريكية البورصة الدولية التي تنتظر حبرها الاعظم
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- من يوقف خروقات هذا الكيان للقانون الدولي؟