- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
العواصف الترابية تجتاح العراق..عشرة أعوام على مقترح الحزام الوطني الأخضر
بقلم: حسن الجنابي - وزير وسفير سابق
إتصل د. بارق شبر من “شبكة الإقتصاديين” مشكوراً حول موضوع مقترح “الحزام الوطني الأخضر” المنشور على موقع الشبكة منذ عام 2012، طالباً إبداء الرأي بعد مضي عشرة أعوام على ما نشرتُه حينها في موقع الشبكة وفي مواقع التواصل الإجتماعي وعدة صحف أخرى. لاحظت أيضاً تداول الموضوع المنشور إياه على عدة صفحات بعضها كانت أمينةً في ذكر المصدر وإسم الكاتب وبعضها تجنب ذكر ذلك.
الملاحظة الأولى حول الموضوع هي أن الإهتمام بالمقترح على المستوى الشعبي كان يتكرر مع كل عاصفة ترابية تضرب المدن العراقية. وهذا تعبيرٌ عن وعي مُضمَر لا يظهر إلا في أوقات الأزمات على شكل غضب واستنكار للإغفال الحكومي للقضايا الهامة المتعلقة بحياة المواطن والمجتمع من جانب، ومن جانب آخر هدر الموارد المالية على مشاريع لا يلمس المواطن جدواها حتى في حال إكمالها، وأغلبها بالطبع غير مكتملة سواءً كانت مدارس او مستشفيات أو قصور ثقافة صارت مكبّاً للنفايات، أو تقاطعات طرق ومجسّرات هي حالياً عبارة عن هياكل كونكريتية جامدة منذ سنوات، أو طرق داخلية وخارجية فيها من الحفر والأتربة أكثر ما فيها من الأسفلت.. الخ.
فالمواطن الذي يشعر بالإحباط نظراً لتردي حياته اليومية وتدهور الخدمات الحكومية، الصحية والتعليمية وهشاشة الوضع الغذائي وارتفاع الأسعار وغيرها، ليس أمامه سوى الإحتجاج او الامتعاض والشكوى من فشل أصبح برأيه حالةً دائمة. فتراه يلجأ أحياناً الى تذكر مقترحات سابقة كان من شأن تنفيذها تخفيف معاناته وإعادة بعض الأمل المفقود نتيجة التراكم المهول للفشل.
أما الإهتمام الرسمي فمعدوم، وتنصب الإنشغالات الحكومية على مواضيع يومية وآنية بسبب الإختناقات الكثيرة التي تعانيها الدولة، وهشاشة الترتيبات السياسية والتحالفات التخادمية بين الأطراف التي تشكل الحكومة. هذا فضلاً عن الشعور الواضح لدى وزراء الحكومات المتعاقبة كافة ورؤساءها منذ 2003 بأن وجودهم في مراكز القيادة والقرار هو وجود مؤقت، مما يقصّر المديات الزمنية للبرامج والمشاريع والرؤى ذات الطابع الستراتيجي. وحتى لو طُرحتْ رؤى وافكار ومشاريع ذكية وواقعية قابلة للتنفيذ وتصب في خدمة المصلحة الوطنية في نهاية المطاف، فإنها تذهب أدراج الرياح في أقرب منعطف سياسي أو حدث تتصارع فيه كتل تقود الحكومة، أما مع بعضها البعض الآخر أو مع عدو خارجي كالارهاب مثلاً. وفي أحيان كثيرة تُسجّل تلك الأفكار والمقترحات المستقبلية قيد “التآمر”، وتخلط في ذلك المخططات الخارجية الفعلية المتربصة بمستقبل العراق مع الأوهام المشوّشة والعقليات الأسيرة لنظريات التآمر.
الملاحظة الثانية هي أن الاتجاه العام في العراق يشير الى تقلص الغطاء الاخضر امام التمدد الصحراوي الزاحف بسرعة ملموسة، متزامناً مع شحة المياه وتآكل خصوبة الأرض وقدرات الإنتاج. يمثل ذلك التحدي الأكبر أمام المجتمع، وخاصة الريفي، على الصمود والبقاء والإستمرار، وتصبح الهجرة والنزوح حلاً “مريحاً” برغم كل مخاطره المحتملة. فيتكدس الزاحفون في عشوائيات مكتظة تزيد في تفاقم الأزمات الخدمية، وتستباح فيها الأملاك العامة وتجرّف الأراضي الزراعية الخصبة. لكن التجريف الأكثر خطراً هو ليس بحث الفقراء الزاحفين من قراهم الأصلية التي انعدمت فيها مقومات الحياة للحصول على سقف آمن في مكان قريب، بل زحف المتنفذين وأثرياء الصدفة على الاراضي الزراعية الخصبة على حافات الأنهار ومقترباتها المحرّمة قانوناً، فيزيد ذلك في تقلص المساحات الخضراء ويهدد الإنتاج الغذائي ويعمق الإنقسام الإجتماعي ويزيد مستويات الفساد عمقاً وشمولاً.
لقد نبهت قبل عشرة أعوام، في المقترح نفسه وفي عشرات المقالات والمقابلات والمحاضرات، الى تكاثف شدة العواصف الترابية خلال العقود الماضية بشكل غير مسبوق لأسباب عديدة يصلح لها مقال منفصل. فعواصف الأتربة تسبب اضراراً اقتصادية وصحية كبيرة في العراق، وتهدد الصحة العامة للسكان وتؤدي الى تفشي الفقر والامراض والهجرة البيئية. فتدهور البيئة الصالحة للعيش يعني تدمير خصوبة التربة والانتاج الزراعي. ولابد من التنبيه هنا بأن امكانيات الحكومة العراقية تتقلص مع الزمن في التأثير على تفشي ظاهرة التصحر، وحتى لو لجأت الحكومة الى إتخاذ اجراءات فورية لايقافها ومكافحتها، فهي اجراءات متأخرة نسبياً وأن الجهد المطلوب لإيقاف زحف الصحراء قبل عشرين عاماً كان أقل كلفة وأكثر نجاعة من أية أجراءت تتخذ بعد تفاقمها الى هذا الحد المريع. مع ذلك لا بد من الشروع في برنامج طموح وطويل الامد يهدف الى الاحتفاظ بخصوبة الارض وتوسيع الغطاء الاخضر واستخدام التقنيات الحديثة بادارة موارد المياه والتربة. وكتبت كذلك بأن الحزام الوطني الاخضر المقترح يمثل في حال انشائه خط الدفاع الاول للعراق لمقاومة الزحف الصحراوي وإيقافه عند الحدود الغربية لأرض الجزيرة العراقية الخصبة تاريخيا غربي نهر الفرات.
وإن كان لا بد من قول شيء بخصوص المقترح فما زلت أعتقد بواقعيته مع تحويرات قليلة في الحسابات والأبعاد والمدد الزمنية. فقد مرت عشرة سنوات دون ان ينجز اي شيء في هذا المضمار، في حين كان التوقع بأن تكون الأعوام العشرة كافية لجعل المشروع، على الأقل بمراحله الأولى، مشروعاً مستداماً.
من الجدير تأكيده بأن الحزام الأخضر لن يوقف العواصف الترابية التي غالباً ما تنشأ خارج الحدود الوطنية، لكنه سيوقف زحف الصحراء الى المدن ويخلق تنمية اقتصادية كبيرة مع استخدام واسع للتكنولوجيا الحديثة الصديقة للبيئة. وقبل هذا وذاك فإن الأمر برمته واجب قانوني على الحكومة نابع من عضوية العراق في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، وواجبا أخلاقياً وسياسياً متعلقاً بمسؤوليتها في ادارة حكم البلاد.
لا أعتقد ان العجز الحكومي عن إنجاز دراسة جدوى للمشروع أمراً مقبولاً. فهذه يمكن التعاقد بشأنها مع استشاري دولي معروف او إحدى منظمات الأمم المتحدة مثلاً كمنظمة الأغذية والزراعة الدولية او اليونيب. حينها سيكون لدينا ما يكفي من معطيات لإتخاذ قرار البدء بالتنفيذ وتسهيل العوائق الأخرى.
أقرأ ايضاً
- الآن وقد وقفنا على حدود الوطن !!
- الآثار المترتبة على العنف الاسري
- ضرائب مقترحة تقلق العراقيين والتخوف من سرقة قرن أخرى