بقلم: هادي جلو مرعي
أين أبي؟
وكان الكبار يحوطونه بعنايتهم خوفا عليه، وحنوا وعطفا وحبا، وتعلقا بذكرى أبيه الذي غادر الدنيا قبل مجيئه بفترة وجيزة. أمه لم تقدر على إرضاعه، ولم ترض به مرضعات البدو، إلا تلك الطيبة التي أقنعت زوجها به، ولكي لاترجع الى ديارها خالية الوفاض، ولعلها تحصل على شيء من تلك الأسرة التي دفعت بذلك اليتيم الى حضنها، وحيث الشيماء تنتظر في مضارب بني سعد ليكون ذلك الرضيع بداية تشكيل النور الممتد عبر أزمنة البشر.
في ذلك الزمان البعيد، وكان الكوكب بكرا لم يلوث بدناءات البشر، وكانت الغيوم طاهرة لم تمسسها ريح سامة، ولم يقنرب من هوائها دخان، أو غبار، وكانت البحار نقية زرقاء، تصدر أمواجها هديرا، يقابله سكون الشواطيء والضفاف، وكانت المراكب التي تجوب البحار قليلة صنعت من أخشاب، فلم يكن أحد من سكان الكوكب يعرف التكنولوجيا، وكانت الأرض تتهيأ لعهد جديد مديد، يختلف البشر على أحداثه، ويرفضون عقائد بعضهم البعض، وكل ماسك بعصاه، يهش بها على مبتغاه، ورغباته الكثيرة، وكثير منهم يرفضون فكرة الألوهية والتوحيد، ويختلقون لهم آلهة من الريح والنار والمطر، ومن طعامهم حتى، لكن مشيئة الرب حكمت بأمر آخر هي أن حجة ما على كائنات الأرض يجب أن تصل، وتطوق الجميع، فلايفلتون من قبضتها، وماعليهم سوى الإعتراف بحتميتها.
ولد ذلك النبي، وكبر في الأنحاء، وأعلن أنه يحمل النور، وبين يديه رسالة الإله العظيم، فمن آمن بها ربح، ومن كفر فعليه ان يتحمل العواقب فلامجال للتأويل والتفسير والفلسفة والكلمات التي لاتكاد تنفد عن الكفر والإلحاد، ونفي الغيب، والتشبث بآمآل تستمر مع الإنسان، الى أن يهرم ويفنى، أو يهتدي قبل ذلك، ولم ينف نبوات من سبقوه، وطلب الى أتباعه أن يومنوا بنبوات السابقين وأن تدينهم باطل إن لم يؤمنوا بها.
نتذكر مولد النبي، ويوم مماته، ونفكر كثيرا في النور الذي يفيض به علينا، وننظر في وجوه كثيرة ترفض النور.