- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
من الذاكرة الرمضانية الكربلائية...الجزء الرابع
حجم النص
حسن كاظم الفتال
التسابيگ او التسابيج التسابيگ أو التسابيج كما يطلق عليها البعض وكل حسب لهجته تعني : الصوم الإستباقي أو استباق الصوم قبل حلول شهر رمضان بيوم أو يومين أو أكثر ولها أوجه : الوجه الأول يصوم تطوعا أو ترويضا للنفس ليمهد لاستمرار الصوم الواجب. وجه آخر : إن سبل ووسائل وطرق استقبال الضيوف تختلف لدى الناس بين ضيفٍ وآخر وبين مستَقبِلٍ وغيره ولكل قادم كرامة ولكل ضيف منزلة ومكانة ومقام معين لذا نلاحظ بعض الناس يستعد لاستقبال الضيف استعدادا غير عادي فيرتب البيت ويستقبل الضيف بطريقة مميزة لا تماثل غيره .فضيف ينتظره لدى باب الدار ليستقبله استقبالا حافلا ويصاحبه للدخول إلى البيت ورب ضيف يرتب له كل الترتيبات اللازمة وآخر يخرج من البيت ويستقبله من بداية دخوله للمنطقة أو للشارع أو الزقاق ويقيم له حفاوة تختلف عن الآخرين وذلك لأسباب عديدة . إن الصيغة الأخيرة للاستقبال هي التي يتبعها الناس في شهر رمضان إذ أن لهذا الشهر كرامة وقدسية ومكانة ومنزلة في النفوس والإسلوب المناسب أو المعلن لهذا الإستقبال هو اسلوب التسابيج . والتسابيج تعني الصوم قبل حلول الشهر هذا فضلا عن أن الكثير يصوم شهري رجب وشعبان ثم شهر رمضان . وكنا في السابق نجد الكثير من هؤلاء الذين يمارسون التسابيج . مواسم الإستقبال الاستعداد لشهر رمضان المبارك واستقباله مثلما يختلف من فئة إلى أخرى وطائفة إلى غيرها وبين بلد وآخر كذلك تختلف ماهية استقباله مع اختلاف الفصول والمناخ والطقس في كل بلد . فحين يحل الشهر الكريم ضيفا على الناس في فصل الصيف يختلف الإستعداد والاستقبال له عن فصل الشتاء .ولكل فصل من الفصول نكهة معينة لليالي شهر رمضان المبارك ففي فصل الشتاء في سابق الزمن يضاف إلى قائمة المواد الغذائية شراء مادة ( الفحم) إضافة إلى المواد الأخرى إذ إن العائلة عادة يكثر تجمعها في ليالي شهر رمضان حول موقد النار المسمى ( منقلة) والمنقلة هي عبارة عن قطعة معدنية مربعة أو مستطلية الشكل تطوى اركانها من الأعلى ليكون العكف اشبه بالمصد وتتكأ على أربع أرجل يوضع فيها الفحم أو الحطب وتشعل النار حتى تتجمر فحما كان او حطبا ويعمر القوري الفرفوري على الجمر بالشاي السيلاني الأسود والبعض لا يكتفي بذلك بل يشوي الجوز في الجمر وأحيانا يحشى بالتمر الأشرسي وهو نوع من أنواع التمور اللذيذة والمشهورة يستخرج من التمرة نواتها وتحشى بلب الجوز خصوصا تلك التي شويت أو قل سهيت بالجمر ويطول السمر في هذه الليالي وهذا يحدث بعد العودة من الزيارة وقراءة دعاء الافتتاح والمحافل القرآنية والتي سوف نأتي بالحديث عنها لاحقا أما في فصل الصيف لقد كانت وسائل التبريد من أبسط ما تعنيه البساطة وهي سهلة الصناعة والاستخدام وغير مكلفة في الوقت ذاته إنما تؤدي الغرض المطلوب . بما أن الطقس وحرارة الجو عندنا في فصل الصيف أحيانا لا تطاق وطول النهار يجعل الصوم عملا عباديا صعبا خصوصا عندما يتوافق مرور شهر رمضان مع مرور شهر تموز الذي ينشف الماي بالكوز أو في آب الذي يِمَوِّع البسمار بالباب بحرارته و( بهواه اللهاب ) عند ذاك يكون الصائم بأمس الحاجة لأي وسيلة تبريد تخفف عنه المعاناة حين يأخذ قسطاً من الراحة أو من النوم ورغم بساطة تلك الوسائل وسهولة إمتلاكها بعض الشيء إنما لم تتوفر كثيرا في بعض البيوت ومنها على سبيل المثال لا الحصر ( العمارية ) وهي لها دور مهم في التكييف وتلطيف أجواء المنازل . العمارية : عبارة عن شبكتين مكونتين من جريد السعف مربوطتين ببعض تحشى وسطهما أكوام من ( العاگول ) وهو عشب شوكي حيث تعلق العمارية على واجهات الشبابيك ويوضع إنبوب ( صوندة ) لتقطير الماء على ( العاگول ) فتخترقها الرياح الحارة وتتحول إلى رياح باردة تغير جو الغرفة أو المنزل . أما بعض الصائمين يسعون إلى تخفيف هذا التحمل فيذهب بعض الأشخاص إلى نهر الحسينية والذي كان يحيط بمركز المدينة من كل الجهات ليمارس السباحة في النهر وهنالك من يلجأ إلى سرداب معين ويفترش الأرض إذ أن معظم البيوت كانت تشتمل على السرداب والسرداب يتميز بالرطوبة والبرودة . وقسم آخر من الأشخاص إما هو من أصحاب البساتين أو من المجاورين لها فإنه يفترش ارض البستان المرطوبة إذ أنها تسقى بالماء دوريا فتظل الأرض رطبة فضلا على كثافة الأفياء من ظلال الأشجار الكثيفة .يذهب لأخد قيلولة فيضطجع فيتقي الحر ومعاناة الظمأ يستلقي مسترخيا تحت الچرداغ أو كما يسميه البعض چرداق والچرداغ هذا تسميته هو الآخر غير عربية أما تسميته العربية ( سگيفة) أي سقيفة ومعنى الچرداغ : أربعة أعمدة وهذه الأعمدة الأربعة يربط في أعلاها أربعة أعواد أيضا كقواعد وتغطى بالسعف أو الحصير المصنوع من الخوص أو البارية المصنوعة من القصب . والبعض يسميها چبرة أو كبرة وتعني ما يعلو عن الأرض فلأنها ذو سقف عالٍ سميت بهذا الاسم وكثيرة ما يتم تشييد هذه الكبرات أو الچرادغ على حافة الأنهر أو في الخيبان داخل البستان والخيبان هو الآخر يحمل تسمية غير عربية وتعني الطريق أو الشارع وهنالك هياكل أخرى كـ ( القمرية ) أو السوباط أو السيباط كما يسميه البعض وهذا السيباط يصنع من الأعواد أو أغصان الأشجار الكبيرة المعمرة تتسلق عليه أغصان شجرة العنب حيث أن شجر العنب من الأشجار المتسلقة وتمتد على هذه الأعواد وحين تتداخل وتتجانس فيما بينما تكوِّن ظلالا وأفياءً كثيفة وتكون الأرض المغطاة بالظل ندية وباردة يستلقي عليها الصائم ليتقي شدة حرارة الجو إلى اللقاء مع الجزء الخامس
أقرأ ايضاً
- عودة في الذاكرة.. ماذا فعلنا بعد الديكتاتورية؟
- عْاشُورْاءُ - الجزء الرابع عشر
- عْاشُورْاءُ - الجزء الرابع