عباس الصباغ
الدستور العراقي الدائم ومنذ دخوله الخدمة الفعلية في نيسان 2006 ولحد الان لم يكن يوما ما حلا لمشاكل البلاد وانسداداتها واستعصاءاتها بل كان ولم يزل جزءا من تلك المشاكل ، وبعد ان بلغ السيل الزبا وبلغت الامور حدودا لايمكن السكوت عندها ، برزت قضية تعديل الدستور كمطلب رئيس للمتظاهرين ضمن حراكهم الاحتجاجي المشروع والمكفول دستوريا ، ويوصف هذا الدستور بانه دستور ملغّم ومليء بالمطبّات القانونية ومن الدساتير الجامدة بسبب الآليات الصعبة المتبعة في إجراء أي تعديل عليه ،والمشكلة تكمن في المادة (126) منه الشائكة والخاصة بالآليات الدستورية بتعديل الدستور وهي بحد ذاتها تحتاج الى تعديل عاجل .
والمعروف إن هذا الدستور كُتب على عجالة وبهامش زمني بسيط إبان الفترة الانتقالية الحرجة، ومن دون الاستعانة بفقهاء القانون الدستوري وهم أصحاب الاختصاص في هذا الشأن وإنما كُتب بواسطة أشخاص منتقين من بعض الأحزاب المتنفذة ومجموعة كبيرة من السياسيين الممثلين عن مكونات الطيف السياسي العراقي وفي حالة مرتبكة نتيجة الوضع الأمني والسياسي آنذاك، والمعروف إن الظرف السيوسو/ سياسي الذي كُتب فيه هذا الدستور يختلف جذريا عن الظرف السيوسو/ سياسي الحالي وضمن سيرورة التحولات الدراماتيكية السيوسو/ سياسية العراقية المستمرة وهي كلها تحتاج الى دستور متقن ورصين وخال من الثغرات والعيوب الدستورية ويستوعب تلك التحولات ويكون قادرا على التكيف معها من جهة ويكون قابلا للتعديل القانوني المرن والمطاط الذي تضطره الظروف الطارئة وما أكثرها في المشهد العراقي من جهة اخرى, واهم حدث مفصلي يشهده العراق حاليا هو اندلاع التظاهرات المطالبة بالإصلاح العام للعملية السياسية في العراق ومنها تعديل الدستور.
وكان يفترض بمجلس النواب أن يضع يده على أساس المشكلة التي تعيق أي إجراء تعديل على مواد وفقرات الدستور والكامنة في المادة (126) والمخصصة لغرض التعديل والتي تنص) أولاً-: لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء مجتمعين، أو لخُمس (1/5) أعضاء مجلس النواب، اقتراح تعديل الدستور. ثانياً:- لا يجوز تعديل المبادئ الأساسية الواردة في الباب الأول، والحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني من الدستور، إلا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين، وبناءً على موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام. ثالثاً:- لا يجوز تعديل المواد الأخرى غير المنصوص عليها في البند “ثانياً” من هذه المادة، إلا بعد موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام. رابعاً:- لا يجوز إجراء أي تعديل على مواد الدستور، من شأنه أن ينتقص من صلاحيات الأقاليم التي لا تكون داخلةً ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، إلا بموافقة السلطة التشريعية في الإقليم المعني، وموافقة أغلبية سكانه باستفتاءٍ عام ،يعدُ التعديل مصادقاً عليه من قبل رئيس الجمهورية بعد انتهاء المدة المنصوص عليها في البند “ثانياً” و”ثالثاً” من هذه المادة، في حالة عدم تصديقه ( فلا معنى لأي اجراء قانوني غايته الاصلاح السياسي مالم يتم تعديل الدستور تعديلا جذريا لكي تكتسب تلك الاجراءات مشروعيتها الدستورية التي يرضى عنها الشارع العراقي ولتكون خارطة طريق لتنفيذ جميع المطالب المشروعة للمتظاهرين كقانون الانتخابات والمفوضية المستقلة لها .....الخ
وعلى وفق هذه المادة المعقدة قانونيا، فإن التعديل يجب ان يجرى في اسرع وقت ممكن في جلسات استثنائية للتصويت عليه ولا يتم إقراره إلا بموافقة الأغلبية المطلقة أي نصف عدد البرلمان زائدا واحد في اسوأ الاحوال ، وهو إجراء يبدو شبه مستحيل كون تحقيق التوافق البرلماني وبالأغلبية المطلقة وحتى المريحة منه لايتحقق في أي وقت فضلا عن تحقيق النصاب القانوني المتعثر فان هذا النصاب القانوني ومنذ تشكيل البرلمان لم يكن متوافرا في اغلب الأوقات ولحد الان إضافة الى الانسجام السياسي حتى داخل الكتلة نفسها فالمشكلة في البرلمان ايضا وليست في الدستور فقط .
وأقول إن هناك الكثير من المستجدات التي ألمّت بالمشهد العراقي سياسيا وامنيا واجتماعيا واقتصاديا طيلة الفترة الماضية تستوجب جميعها المباشرة بإعادة كتابة دستور دائم وعلى يد فقهاء قانونيين مختصين في مجال القانون الدستوري بعد تعديله ولتكن نقطة الشروع انطلاقا من تعديل هذه المادة بالذات والتي تعد حجر عثرة في طريق تعديل او إعادة كتابة الدستور العراقي ، ولتكن خارطة طريق نحو تحقيق بقية مطالب المتظاهرين وهي مطالب جميع الشعب العراقي.
أقرأ ايضاً
- المسرحيات التي تؤدى في وطننا العربي
- وللبزاز مغزله في نسج حرير القوافي البارقات
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته