يسيرون لمئات الكيلومترات بملابس بسيطة وجيبوهم خاوية، جسدوا اخلاق اهل البيت في الكفاف والعفاف وآثروا على انفسهم وكان بهم خصاصة، عامرة صدورهم بحب الحسين عليهم السلام، اصبحوا سببا في هداية الكثير من المقربين منهم الى طريق أبي الاحرار لا يريدون الا الرضا الالهي والشفاعة المحمدية لأنهم عشقوا الحسين.
مدرس زاهد
كان طالبا في كلية الآداب التابعة الى محافظة البصرة ومن عائلة فقيرة الحال تحملت عناء كبيرا لمساعدته في اكمال دراسته لان والده متزوج من إمرأتين وعدد افراد العائلتين 11 فردا، حتى وصل الامر الى ان يبيع والده حاجات بيته الشخصية ليدفع اجور الدراسة، وهو كان يمكث في الاقسام الداخلية لمدة شهرين لانه لا يملك اجرة النقل للذهاب الى اهله، ويعمل في العطل او بعد دوام الكلية لتوفير بعض مصاريف الدراسة.
والآن اصبح حسن هادي الاعرجي من منطقة الاخوة في الناصرية مدرسا للغة الانكليزية في مدرسة ابتدائية ورادود حسيني منذ ستة سنوات، يقرأ القصائد الحسينية في شهري محرم وصفر مجانا دون اجر لانه يريد ان يكون عمله خالصا لله، بالرغم من حاجته الكبيرة للمال التقيناه سائرا مع مجموعة من الشباب من ذي قار الى كربلاء.
يقول الاعرجي في حديث لوكالة نون الخبرية، انه تأثر بصديق له كان يتعرض للذم والانتقاد من قبل الكثير من الشباب، تبين له بعدها انه انسان بمعنى الكلمة وهو في حاجة للمال، لكنه يدير مؤسسة تساعد الفقراء والايتام ويصرف كل ما يصله من تبرعات وما يملكه من مال لعدد من الشرائح ويبقى يعاني من الكفاف والعوز المادي عن طيب خاطر، مؤكدا انه انتهج خطه وفق مبدأ (ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة)، لاسيما بعد تعيينه وحصوله على راتب شهري وتأسيسه لمؤسسة خيرية لمساعدة المحتاجين من الايتام والارامل، مشددا انه بدء يتلقى الكثير من الاموال منذ شروعه بمساعدة المحتاجين وزارد حجم العمل والدعم وترميم الدور وتزويج الشباب الفقراء الى 230 عائلة تقريبا.
واكد انه كل عام يستقطب مجموعة من الطلبة الفقراء وابناء العائلات ذات الدخل المحدود ليسيروا في مسيرة الاربعين وعلمهم كيفية التأسي بآل الحسين من النساء والاطفال وما عانوه من جوع وعطش وظلم، مستدركا أن الإنسان عندما يكون فاقدا لاشياء مهمة يشعر بمصيبة غيره، ومن بركات الإمام الحسين عليه السلام انني علمت الشباب ان يسيروا الى كربلاء المقدسة بما في جيوبهم من مال قليل وما في صدورهم من اعتقادا كبير بأن التأسي بالإمام الحسين عليه السلام هو النجاة من النار.
يا حسين ساعدني
جلست بنين وليد الصبية ذو الاربعة عشر عاما على كرسي نصبه موكبا حسينيا في منطقة الدراجي بمحافظة المثنى لترتاح قليلا، وضعت خمارا على وجهها وارتدت عباءة رخيصة الثمن، تنظر خلفها الى الطريق القادم من مدينة البطحاء، سألتها منذ متى وانتي تمشين الى الحسين؟ فردت منذ ست سنوات وانا طفلة صغيرة علمتني امي وأبي على حب الحسين، وانا الان سبقتهم وهم خلفي وانتظرهم ليلتحقوا بي.
سمعت الكثير من المحاضرات الدينية لخطباء المنبر الحسيني والقصائد الحسينية فتأثرت كثيرا بقصة الحسين وبكيت اكثر، والاشد الما في نفسي هم السبايا من النساء والطفال والعليل زين العابدين، كنت اتخيل سيناريو للظلم والجور والبلاء الذي اصابهم وبالمقابل ارسم صورة للتحدي والبطولة والعنفوان الذي جسده السجاد واخته زينب رغم ان الموت كان يحيط بهم من كل جانب، هكذا تسترسل بنين بقضية مسيرها الى الحسين وتضيف قررت السير اسوة بسيدتي زينب وانا فقيرة ومن عائلة فقيرة، وتتسائل هل كانت زينب والنساء السبايا يملكن من حطام الدنيا شيء؟، لماذا لا أسير وإن كنت طفلة الا يوجد في البسي اطفال؟، ثم سكتت وطأطأت راسها وسقطت دموعها من خلف خمارها على عبائتها وهي تقول كلما اشعر بالاجهاد ويشتد علي التعب اصيح يا حسين ساعدني وانهض كأني اسير للمرة الاولى، فباغتها بسؤال هل انت مجتهدة في الدراسة؟، فردت كنت مهملة وعندما فهمت قصة الحسين حزمت امري على ان اكون ناجحة ومتميزة، فكنت راسبة في درجات السعي بستة دروس ولكن ببركات الحسين وزينب عليهم السلام نحجت وبدرجات عالية.
قدوة للآخرين
لم تكتفي بنين بما فعلته منذ ستة اعوام بل صارت داعية في قضية الحسين عليه السلام واستمرت بسرد مشاهداتها والصور المثيرة التي تراها في سيرها مع اهلها الى كربلاء على زميلاتها الطالبات، وقريباتها باسلوب شيق وحزين، ما شجعهن على الالتحاق بها واصبح العائلة المكونة من ستة ارفراد ابوين وبنتين وولدين تسير بعدد يصل الى اكثر من عشرة اشخاص بجهود عاشقة الإمام الحسين عليه السلام، فضلا عمن تسير مع اهلها الى كربلاءالمقدسة، مضيفة انها أثرت في اخيها الذي كان تاركا للصلاة لتجعله حسينيا ملتزما بنهج محمد وآل محمد.
شيبة وراية
يسير عباس محيبس عريان من الناصرية بشيبته وسنوات عمره التي بلغت 62 عاما حاملا راية حسينية ومرتديا دشداشة تغير لونها تكاد تتمزق من قدمها، تتبعه زوجته التي ترتدي عباءة انقلب لونها الى البني من قدمها، عاد للسير الى كربلاء بعد العام 2003 كما كان يفعل مع اهله وهو صغير واضعا طفله في صندوق طماطة فارغ، يستبدله كلما استهلك من مخلفات المواكب، لا يملك شيئا حطام الدنيا فلا راتب له ولا تقاعد، يعمل سائق اجرة في سيارة لا يملكها، لكنه يصر على السير هو وزوجته واطفاله الى الحسين، مبينا لو اضطرني الامر ان استجدي خبزة عيالي لفعلت ذلك لانه عهد بيني وبين الحسين، مبينا ان الخير والبركات تأتي كثيرا من الحسين ومنها انني خرجت في احد السنين مع زوجتي وبناتي ولا نملك الا خمسة الاف دينار وكانت عائلتي تفكر بالعودة وعدم امتلاك اجرة العودة، فطمانتهن وما هي الا ساعة حتى لاقيت شخصا اعرفه ويعرف حالتي فاعطاني مبلغ 100 الف دينار كصدقة كان قد خصصها لي.
قاسم الحلفي - ذي قار
تصوير: عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- صراع دولي وشبهات فساد.. هل تفشل الاتفاقية العراقية الصينية؟
- المالكي يدفع باتجاه انتخابات مبكرة في العراق
- "بحر النجف" يحتضر.. قلة الأمطار وغياب الآبار التدفقية يحاصرانه (صور)