بقلم: د. عماد عبد اللطيف سالم
" اليمن سيتحوّلُ الى بلدٍ يعيشُ سكّانهُ كالأشباح"
(تصريح المتحدثة بـاسم برنامج الغذاء العالمي في الشرق الأوسط وشمال افريقيا/ 9-11-2018)
أعرفُ أنّ انتخابات التجديد النصفي لمجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين، هي أهم من محاولات التجديد النصفي لأعمارِنا المهدورة.
أعرفُ أنّ اصابة "ميسّي"، هي أهمُّ بكثير من جميع مصائبنا.
أعرفُ أنّ "أهداف" الدون رونالدو "صاروخ ماديرا"، هي الأحقُّ بالمتابعةِ من جميع أهدافنا التنموية، و صواريخنا التحرّرية، و طائراتنا المُناضِلة، و دبّاباتنا المُستقلّة.. وجنودنا الكادحين - المُجاهِدين.
أعرفُ أنّ الدفاعَ عن "قضية" خاشقجي، هي قضيّةٌ "أخلاقيّةٌ"، و"نبيلة".. وتستحّقُ أنْ "نُغطّيها"، ونعزفَ عليها، و نُغنّيها، على مدار الساعة.
ولكن.. في هذه اللحظة.. هناك 14 مليون يمني بحاجةٍ ماسّة للمساعدات الغذائية، بينهم أكثر من 10 مليون يُعانونَ من المجاعةِ الى حدّ الابادة، شاء حظّهم "اللاسعيد" أن لا يكونوا "خاشقجيّينَ" بالولادة أو بالمهنة،، ولا يجدونَ صحناً فيهِ بقيّةٌ من حساءٍ فقير، يغمسونَ به "خواشيق" أطفالهم.
ماذا عن هؤلاء ؟؟
في هذا "المُجتمع الدوليّ" المُنافِق، و "المُلفّق"، الذي يُعاني من انعدام "حسّ التناسب"(أي حسّ التمييز بين ما هو مهم، وما هو أهمّ من الأشياء).. فإنَّ أفضلَ وصفةٍ للتحوّل الى "شبح"، هي أن تقفَ في نقطةٍ ما من الجغرافيا، وعلى مسافةٍ ما من التاريخ، وأن تكونَ مُجبراً على الاختيارِ (حيثُ تقِف) بين الولاءِ للقادمينَ من الكهوف، أو الولاءَ للقادمينَ من الصحراء.. بين الولاءِ للقادمينَ من الرَملِ، أو الولاءِ للقادمينَ من الصخر.. بين الخضوع لجلاّديكَ وطُغاتِكَ ولصوص بلدك، أو الخضوع لمشيئة الولايات المتحدة الأمريكية.. وأنْ تتمنّى بعد ذلكَ أن تعيشَ "سعيداً"، كأيِّ انسانٍ عاديّ، في هذا العالم المُلتَبِس.
كُلّنا هذا اليمن الآن.. في هذه اللحظة.
و كُلّنا سنتحوّلُ الى " أشباح".. بالجوعِ و بغيرِه..
ولكن.. في الوقت المناسب لذلكَ تماما.
في الوقتِ المناسِبِ لـ "هُم" طبعاً.. وليسَ لنا.
لأنّهُ، وفي نهاية هذا المطاف الكابوسيّ، لن يكونَ لفقراء بلداننا ترَفُ اختيارِ الوقتِ المناسبِ لموتهم جوعاً.. أو موتهم قَتْلاً.. استجابةً لرغبةِ "هذا"، وإرادةِ "ذاك".
أقرأ ايضاً
- المسرحيات التي تؤدى في وطننا العربي
- وللبزاز مغزله في نسج حرير القوافي البارقات
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته