عباس الصباغ
يبدو من خلال الضربة الامريكية المشتركة و"المحدودة" لسوريا على خلفية اتهام حكومة الاسد باستخدام الكيماوي ضد مواطنيه وهو اتهام ليس بجديد ، ان هذه الحكومة لاتمثل تهديدا مباشرا لشعبها او للشرق الأوسط عموما وإنما تمثل تهديدا مباشرا للأمن القومي الأمريكي فالمسالة السورية مسالة أمريكية بالدرجة الأساس ولها ترابط بالمناخ الجيو سياسي الامريكي في الشرق الاوسط، وبغض النظر عن استخدام الكيماوي من عدمه، وهي برمتها مجرد تكهنات امريكية مبنية على استنتاجات كيدية مسبقة وذلك بافتعال الحجج واختلاق الأزمات بحسب الفبركة الامريكية للمسألة، فلم تقدّم الولايات المتحدة أي دليل قاطع على استخدام الأسد للسلاح الكيماوي، وهي ماضية باستعراض عضلاتها واستخدام القوة الخشنة ـ التي استعرضتها مع العراق مسبقا ولنفس الحجج ـ وحتى من دون تفويض أممي، ضاربة عرض الحائط جميع الادانات والاعتراضات والمحاذير بهذا الخصوص.
فالتوتر السوري الامريكي ليس وليد الساعة بل يمتد
الى عهد الرئيس الجمهوري الاسبق جورج بوش الذي ابتكر تسمية "محور الشر" والذي يشمل إيران وكوريا الشمالية وعراق ما قبل التغيير، وهي استعارة مجازية للخندق الراديكالي المناوئ للولايات المتحدة وسط مزاج إقليمي شرق أوسطي وشرق آسيوي ممالئ للولايات المتحدة ولم يكن هذا التوتر بعيدا عن الاجندات السيا/ طائفية لحلفاء امريكا التقليديين إن لم يكن من صُنعهم. و"الشر" بالمفهوم الأيديولوجي الأمريكي إن دول هذا "المحور" تشكّل تهديدا صارخا للأمن القومي الامريكي، لذا يجب تقليم اظافرها.
ومن هذا المنطلق وتحت يافطة الدفاع عن "حقوق" الانسان، وجهّت الولايات المتحدة ضربة لأهداف سورية معينة قالت عنها انها "محدودة" وذلك قبل ان يتحرك المجتمع الدولي لمعرفة الحقيقة وعن طريق خبراء اختصاص ، او دون أي غطاء قانوني دولي، بل كانت عملية مرتجلة شاركت بها طائرات بريطانية وفرنسية حليفة لها، بينما لم تتحرك تلك الطائرات طيلة السنين السابقة لمكافحة عشرات التنظيمات الارهابية كداعش والنصرة وجيش الشام والفتح وغيرها من التي عاثت في سوريا خرابا وتدميرا وقتلا وهي التي كانت مدفوعة بأجندات خارجية مشبوهة فاستحالت بذلك سوريا الى حلبة اصطراع لتلك الاجندات وبالوكالة، وهو اصطراع دفع الشعب السوري الاعزل ثمنه باهظا من دماء ابنائه وبناه التحتية وفرص استقراره. وستكون هذه الضربة التي لم تكن وقائية او مبررة بالمفهوم العسكري / الاستراتيجي / الامني، سابقة خطيرة لشرعنة استخدام القوة ضد اي طرف وتحت ذرائع شتى، وهو ما المح اليه الامين العام للأمم المتحدة بإشارة "خجولة" جدا.
العراق من جانبه اعلن موقفه المبدئي أنه ليس طرفًا في هذا الصراع نائيًا بنفسه عنه، وداعيا إلى إيجاد حل سياسي له فهو الامثل لتجنيب المنطقة المزيد من الكوارث وخاصة وان هذه الضربة ستكون مفتاحا للمزيد من النشاطات الارهابية ، وستمنح الإرهاب فرصة جديدة لاستعادة نشاطه بعد هزيمته التي تلقـَّاها في العراق وتراجعه في سوريا، كما لن يسمح بأن تكون اراضيه واجواؤه قاعدة تنطلق منها اي عمليات عسكرية باتجاه اي دولة من دول الجوار، والغريب في الامر ان الضربة الامريكية المشتركة جاءت بعد النجاحات الامنية المتواصلة التي حققها الجيش السوري ضد العصابات الارهابية فان اي تصعيد عسكري يحدث في سوريا سيهدد الأمن والاستقرار في المنطقة برمتها بما في ذلك العراق الذي تعافى حديثا من تواجد وسيطرة التنظيمات الإرهابية، وكان يفترض بالجهود الدولية ان تعزز من تلك النجاحات لا ان تقلل من فعاليتها.
وكان يجب على الرئيس ترامب أن يفي بوعوده الانتخابية حيال الارهاب ويتجاوز مناخ الحرب الباردة مع روسيا ، ويتخلى عن منطق سياسة القطب الواحد بدلا من التخبط الاستراتيجي المبني على "اوهام" او حقائق غير موجودة اصلا، كما حدث مع العراق وبافتعال ذات السيناريو الذي استند على وجود اسلحة للدمار الشامل هنا او هناك، وبقاء "حقوق" الانسان كقميص عثمان ترفعه الولايات المتحدة وحلفاؤها وتلوّح به في وجه من تريد انّى شاءت.
بدون حل سياسي للحرب الاهلية الطاحنة في سوريا يبقى الشرق الاوسط عبارة عن قنبلة موقوتة آيلة للانفجار في اية لحظة يتطاير شررها الى كل العالم بما فيه الولايات المتحدة ذاتها .